أهمية تجربة الجديد المباح في أمور الدنيا وعدم استسلام الإنسان لما تعود عليه
فائدة تبدو لمن تأمل الحديث الشريف «أنتم أعلم بأمور دنياكم» ، وهي أن الحديث يحث على التجريب في أمور الدنيا ، وعدم الاستسلام لأسر العادة، وذلك أن العادة كانت قد جرت بتأبير النخل ( أي تلقيحها ) ، والناس يتناقلون أن التأبير له أثر في الإثمار ، ولم يجرّب أحد من أهل مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ترك التأبير ، فأرشد المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى تجربة ترك التأبير ، ومقارنة حال الثمر به وبدونه .
ومن فوائد الحديث أيضا تسلية أهل العلوم الدنيوية التجريبية إذا جربوا طريقة جديدة أو تغييرًا في عادة متبعة ، وكانت النتيجة أن الطريقة القديمة أنجح من طريقتهم الجديدة ، فلا ييأسوا ولهم أسوة في المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وبهذا يتبين أن الحديث يحث على إجراء التجارب والبحوث في جميع المجالات الدنيوية ، وعن معاوية رضي الله عنه ( لا حكيم إلا ذو تجربة )
والناس أحيانا يعتقدون في شيء أنه سبب لمسبّب معين ولا يكون كذلك ، ككثير من الأدوية الشعبية التي ثبت في الطب الحديث عدم جدواها ، ومن أمثلة ذلك أن الوثنيين في مصر كانوا يعتقدون أن إلقاء فتاة في نهر النيل هو الذي يسبب حصول جريان النهر ، فلما أسلموا وجربوا عدم إلقائها تبين لهم أن جريان النهر لا علاقة له بما كانوا يظنونه سببا لكن بعد أن تعرضوا لاختبار من الله تعالى ليتبين من يثبت منهم على إيمانه ( أحسب الناس أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) ، وهنا لما كان السبب محرما وهو قتل فتاة ظلما وعدوانا كان واجبا التخلي عنه والبحث عن سبب حلال روى ابن عساكر في تاريخ دمشق 44/ 336-337 ( عن قيس بن الحجاج عن من حدثه قال لما فتحنا مصر أتى أهلها عمرو بن العاص حين دخل بؤونة من أشهر العجم فقال أيها الأمير إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها فقال لهم وما ذاك فقالوا إذا كان ثنتا عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في هذا النيل فقال لهم عمرو إن هذا الأمر لا يكون أبدا في الإسلام وإن الإسلام يهدم ما كان قبله فأقاموا بؤونة وأبيب ومسرى لا يجري قليل ولا كثير حتى هموا بالجلاء فلما رأى ذلك عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك فكتب إنك قد أصبت بالذي فعلت وإن الإسلام يهدم ما كان قبله وبعث ببطاقة في داخل كتابه وكتب إلى عمرو إني قد بعثت إليك ببطاقة في داخل كتابي إليك فألقها في النيل فلما قدم كتاب عمر على عمرو بن العاص أخذ البطاقة ففتحها فإذا فيها: من عبدالله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر أما بعد فإن كنت إنما تجري من قبلك فلا تجر وإن كان الله الواحد القهار يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك”
فألقى البطاقة في النيل قبل الصليب بيوم وقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج منها لأنه لا تقوم مصلحتهم فيها إلا بالنيل فلما ألقى البطاقة أصبحوا يوم الصليب وقد أجراه الله ستة عشر ذراعا في ليلة واحد فقطع الله تعالى تلك السنة السوء عن أهل مصر إلى اليوم )
وكانت هذه كرامة من كرامات أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه
|