كيف يعرف الطالب أن شيخه مؤهل ليؤخذ عنه العلم ؟
من المشاكل التي تواجه كثيرا من طلاب العلم المبتدئين مشكلة كيفية اختيار شيوخهم الذين يأخذون عنهم العلم، حيث يظن بعض الطلاب أن كل من كان صوته جميلا في تلاوة القرآن فمعناه أنه مقرئ جليل من علماء القراءات بل ربما كان مقدما في نظرهم على كبار علماء القراءات ليس لهم ختمات مسجلة بأصوات جميلة لكن لهم من المؤلفات والشروح في تحرير القراءات العشر الكبرى ما لا يستغني عنه طالب علم القراءات المتميز، كما يظن بعض الطلاب أن كل من كان حاصلا على عدد كبير من الإجازات في الحديث فهو محدّث كبير يمكنه التميير بين صحيح الحديث وضعيفه وربما قدموه على كبار علماء الحديث الذين لم يتميزوا بحمل كمية كبيرة من الإجازات الحديثية ولكن تميزوا بحفظ كتب السنة وطرق الحديث وأسماء رواته وتراجمهم وكلام علماء العلل ، كما يظن بعض الطلاب أن كل خطيب مفوه جهوري الصوت فهو فقيه يمكن استفتاؤه في الحلال والحرام وربما قدموه على كبار الفقهاء الذين لم يتميزوا في الخطابة ولكن تميزوا في استحضار متون الفقه وضبط مسائله وأدلته ممن تحتاج الأمة إليهم وإلى اجتهادهم في فقه النوازل.
وهذه بعض العلامات التي يمكن الاستدلال بها على المؤهل لحمل العلم عنه
مع بيان متى تصلح دليلا ومتى لا تصلح
العلامة الأولى : التزكيات والإجازات والشهادات
التزكيات والإجازات نوعان :
1 نوع يصلح دليلا على تأهل الشخص للتدريس والإفتاء: وهي تزكية أو إجازة من عالم استفاضت شهرته بالعلم وهو مشهود له به يزكي تلميذه أو قرينه صوتيا أو كتابيا تزكية يشهد له فيها بالنجابة في العلم والقدرة على التدريس أو الإفتاء أو يجيزه بالإقراء أو التدريس لعلم معين أو تكون متضمنة أن الطالب قرأ على الشيخ كتبا معينة ويشهد له الشيخ بإتقانها وفهمها.
2 نوع لا يصلح دليلا على تأهل الشخص للتدريس أو الإفتاء، وهي التزكية أو الإجازة التي يكون فيها المزكي نفسه لا يعرف بالعلم ولا يشهد له به، أو تكون تزكية للشخص بحسن خلقه أو سلامة معتقده إذ ليس كل حسن الأخلاق سليم المعتقد يصلح للتدريس والإفتاء ، أو إجازة حديثية يبيح العالم فيها للطالب أن يروي مروياته عنه، إذ الإجازة الحديثية أو الإجازة العامة بالمرويات يجوز منحها لكل من طلبها وللطفل وللجاهل بل وللفاسق والكافر كما هو منصوص عليه في كتب مصطلح الحديث ، وليس كل من صح تحمله للإجازة صح له أن يروي بها ويجيز بها غيره، و في الوقت الحالي صار بالإمكان الحصول على الإجازات عن طريق الهاتف والبريد الإلكتروني ووسائل الاتصال الحديثة بحيث يمكن أن يحصل الطالب على مئات الأسانيد والإجازات خلال أيام معدودة بمجرد أن يتواصل مع المجيزين ويطلب منهم أن يجيزوه فيبعثون إليه ما طلبه ولا تكون هذه الأسانيد دليلا على أنه عالم ولا أنه طالب علم.
وقد تكلم الإمام السيوطي في كتابه الإتقان عن الإجازة وهل هي شرط في إقراء القرآن خصوصا وفي تعليم العلوم الإسلامية عموما في الجزء الأول صفحة 135-136فقال ما نصه : “الإجازة من الشيخ غير شرط في جواز التصدي للإقراء والإفادة فمن علم من نفسه الأهلية جاز له ذلك وإن لم يجزه أحد وعلى ذلك السلف الأولون والصدر الصالح وكذلك في كل علم وفي الإقراء والإفتاء خلافاً لما يتوهمه الأغبياء من اعتقاد كونه شرطاً، وإنما اصطلح الناس على الإجازة لأن أهلية الشخص لا يعلمها غالباً من يريد الأخذ عنه من المبتدئين ونحوهم لقصور مقامهم عن ذلك، والبحث عن الأهلية قبل الأخذ شرط فجعلت الإجازة كالشهادة من الشيخ للمجاز بالأهلية “. اهـ
وأما الحصول على شهادة بكالوريوس أو ماجستير أو دكتوراه في العلوم الإسلامية من الجامعات الإسلامية ، فلا أراه يكفي وحده دليلا على قدرة الشخص على التدريس والإفتاء ، لكون عامة الجامعات الآن لا يكاد الطالب ينهي فيها كتابا مطولا في علم من العلوم الإسلامية وإنما هي مذكرات وملخصات مع كون الطالب لو كانت نصف أو ثلث إجاباته خاطئة حصل على درجة النجاح وحصل على الشهادة مما أدى إلى تدني مستوى الكثيرين من الخريجين إلا إذا كان الطالب لا يكتفي بالمقررات الدراسية بل يلازم العلماء في حلق العلم في مساجدهم أو بيوتهم ويدرس عليهم كتبا كاملة دراسة متقنة.
وكذا التتلمذ على الكتب والأشرطة لا يكفي وحده حتى يعضده دليل آخر على أن هذا المتتلمذ على الكتب والأشرطة قد استوعب ما فيها وأجاد فهمه.
العلامة الثانية : المؤلفات الإنتاج العلمي للشخص من مؤلفات منظومة أو منثورة أو تحقيقات أو شروح صوتية للكتب العلمية هي علامة تشهد لصاحبها بإتقانه وبراعته في علم معين ، فكم من عالم من المتقدمين والمتأخرين لم يبلغنا شيء عن سيرته ، ولكن له مؤلفات تشهد له بالإمامة والإتقان ، لكن بشرط ألا تكون هذه المؤلفات مسروقة من كتب غيره أو مجرد نسخ ولصق لما كتبه الآخرون ، وذلك لأنه فشا في هذا العصر من يسرقون كتب الآخرين ويضعون عليها أسماءهم وينسبونها لأنفسهم ، لكن يكشفهم الله سبحانه وتعالى بما يكون داخل الكتاب من
عبارات تدل على مؤلفه الأصلي
العلامة الثالثة : التلاميذ النجباء نجابة طلاب العالم الذين درسوا عليه وتخرجوا تحت يديه تكون علامة واضحة على إتقانه للعلم الذي درسوه عليه وقدرته على تدريسه والإفتاء فيه ، لكن ينبغي الانتباه إلى أن بعض الناس يتشبع بما لم يعط ويدعي أن بعض كبار طلاب العلم أنهم من تلاميذه لمجرد كونهم حضروا له محاضرة أو حصلوا منه على إجازة بمروياته ونحو ذلك بينما تكون نجابتهم في العلم ليست بسببه وإنما كانت بعد فضل الله وتوفيقه بسبب شيوخ آخرين لازموهم سنوات ودرسوا عليهم كتبا عديدة.
هذا وقد كان حديثي في هذه المقالة عن كون العالم مؤهلا علميا لأن يؤخذ عنه العلم ، أما كونه مؤهلا من جهة دينه وخلقه وعمله بعلمه فهذا باب آخر له أيضا شروطه وضوابطه
|