صفحة جديدة 8
يتجدد مع كل عام هجري النقاش في مسألة التهنئة بالعام الهجري، وفتاوى المانعين من التهنئة معروفة مشهورة لا تخفى، ومن أراد تقليدهم فلا ننكر عليه، لكن الذي ننكره هو عرض المسألة كأنها مجمع عليها والغلو في الإنكار على المهنئين كأن التهنئة بالعام الهجري محرم قطعي مع كونها من مسائل الخلاف السائغ التي لا إنكار فيها على المخالف..
نعم التهنئة بالعام الهجري ليست من السنن النبوية، ولكنها من العادات والأعراف المباحة، وممن أباح التهنئة بالعام الهجري العلامة عبد الرحمن السعدي وتلميذاه الفقيهان الجليلان ابن عقيل وابن عثيمين رحمهم الله، وهنا نقل لفتوى الشيخ السعدي، وصورة لخطاب بخط يد شيخنا ابن عثيمين جوابا على خطاب وصله من ابن عقيل يهنئه بالعام الهجري، فهنأه ابن عثيمين وذكر أنه يرى جواز التهنئة بالعام الهجري أيضا، ولشيخنا ابن عثيمين فتوى أخرى لا يحبذ فيها الابتداء بالتهنئة بالعام الهجري لكن يرى مشروعية رد التهنئة بمثلها لمن وصلته التهنئة بالعام الهجري..
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله:
"هذه المسائل وما أشبهها مبنية على أصل عظيم نافع، وهو أن الأصل في جميع العادات القولية والفعلية الإباحة والجواز، فلا يحرّم منها ولا يكره إلا ما نهى عنه الشارع، أو تضمن مفسدة شرعية، وهذا الأصل الكبير قد دل عليه الكتاب والسنة في مواضع، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.
فهذه الصور المسؤول عنها وما أشبهها من هذا القبيل، فإن الناس لم يقصدوا التعبد بها، وإنما هي عوائد وخطابات وجوابات جرت بينهم في مناسبات لا محذور فيها، بل فيها مصلحة دعاء المؤمنين بعضهم لبعض بدعاء مناسب، وتآلف القلوب كما هو مشاهد.
أما الإجابة في هذه الأمور لمن ابتدأ بشيء من ذلك، فالذي نرى أنه يجب عليه أن يجيبه بالجواب المناسب مثل الأجوبة بينهم، لأنها من العدل، ولأن ترك الإجابة يوغر الصدور ويشوش الخواطر.
ثم اعلم أن هاهنا قاعدة حسنة، وهي: أن العادات والمباحات قد يقترن بها من المصالح والمنافع ما يُلحقها بالأمور المحبوبة لله، بحسب ما ينتج عنها وما تثمره، كما أنه قد يقترن ببعض العادات من المفاسد والمضارّ ما يُلحقها بالأمور الممنوعة، وأمثلة هذه القاعدة كثيرة جداً"..
انتهى كلامه رحمه الله. المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ عبد الرحمن السعدي ص الفتاوى ص(348).
هذا وقد كتب الشيخ ابن سعدي لتلميذه ابن عقيل كتاباً في 3/محرم/1367هـ، وكان في ديباجة رسالته: "... ونهئنكم بالعام الجديد، جدد الله علينا وعليكم النعم، ودفع عنا وعنكم النقم".
كتاب "الأجوبة النافعة عن المسائل الواقعة" للشيخ عبد الله بن عقيل ص (174).
|