انتقال الطالب من معلم إلى معلم آخر من الأخطاء التي يقع فيها بعض طلاب العلم أنه إذا بدا له أن ينتقل من الدراسة على معلمه إلى الدراسة على يد معلم آخر أنه يترك معلمه الأول فجأة بدون استئذان أو اعتذار ، ولاسيما إذا كان معلمه الأول يخصه بوقت ويؤثره على غيره ، فيأتي الشيخ إلى الدرس وينتظر الطالب في الموعد الذي حدده له فإذا بالطالب قد اختفى وانقطع خبره حتى ربما لا يدري شيخه عنه أهو حي أو ميت ، وربما تألم شيخه وظن أنه ربما صدر عنه بغير قصده ما ضايق الطالب وجعله ينقطع عنه ، ويظل الشيخ يجهد فكره بغير جدوى في محاولة الوقوف على سبب هذه القطيعة المفاجئة ، وهذا من قلة الوفاء،
وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : (يا عائشة إنها كانت تأتينا زمان خديجة ، وإن حسن العهد من الإيمان )
قال أبو عبيد : العهد هنا رعاية الحرمة .
وقال عياض : هو الاحتفاظ بالشيء والملازمة له .
وقال الراغب : حفظ الشيء ومراعاته حالا بعد حال.
فالذي ينبغي هو أن يستأذن الطالب شيخه السابق الذي يريد تركه ويقول له كلاما طيبا يشكره به ويذكر أنه استفاد منه كثيرا ولا يريد أن يشق عليه أكثر من هذا ويريد أن يفسح المجال لغيره من الطلاب ليستفيدوا من علم الشيخ ، ونحوه من الكلام الطيب ، ويقول له أستأذنك في أن أدرس عند الشيخ الفلاني ، ليختم صلته بمعلِّمِه السابق بالمعروف قبل الانتقال إلى المُعَلِّم اللاحق.
وقد نبه شيخنا الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في الحلية على هذا فقال : «وإذا بدا لك الانتقال إلى شيخ آخر، فاستأذنه بذلك فإنه أدعى لحرمته، وأملك لقلبه في محبتك والعطف عليك» اهـ
وزاد شيخنا ابن عثيمين رحمه الله التنبيه على فائدة أخرى من استئذان الشيخ السابق فقال : «الذي ذكره الشيخ بَكْرٌ،
هذه فائدة تستفيدها أنك تملك قلب الشيخ وأدعى لحرمته.
وفائدة أخرى تستفيدها من استئذان معلمك قبل الانتقال إلى معلِّمٍ آخر، أن شيخك قد يعلم عن الشيخ الذي تريد أنت الذهاب إليه ما لا تعلمه أنت فينصحك؛ لأنَّ كثيرًا من الشباب الصغار قد يغترون بأسلوب أحد من الناس وبيانه وفصاحته فيظنونه ذاك الرجل العظيم لكنه على خطأ» اهـ
أيضا ربما نصحه الشيخ الأول وذكر له أسماء الكتب والعلوم التي يتقنها الشيخ الثاني ليستفيد منه فيها
وربما أرشده إلى شيخ آخر غير الذي قصده يكون أنفع له في العلم الذي قصد دراسته .
كذلك أيضا فإن الشيخ المخلص لله تبارك وتعالى عليه ألا يحزن إذا أراد تلميذه الانتقال لشيخ آخر بل يفرح بذلك إذا كان هذا الشيخ أهلًا، فقد كان علماء السلف يحثون طلابهم على الاستفادة من العلماء الآخرين ، وهذه من علامات الإخلاص.
كما روى مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنه لما قدم عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وكان مقيما في مصر فلما قدم حاجًّا مرَّ بالمدينة النبوية فقالت أم المؤمنين لتلميذها عروة بن الزبير : “يا ابن أختي بلغني أن عبد الله بن عمرو مار بنا على الحج فالقه فاسأله فإنه قد حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم علما كثيرا ”
فعلى المعلم أن يكون ناصحًا صادقًا، ولا يكون عنده حسد لأقرانه بحيث يتضايق إذا تركه الطالب وذهب إليهم بل يفرح إذا كانوا أهلا للتعليم وكان طلابه يستفيدون من الدراسة عليهم .
|