التحذير من الطبوليات ( مقتبس من كتاب منحة واهب الحلم شرح حلية طالب العلم لوليد المنيسي وسيطبع قريبا إن شاء الله )
حذر أهل العلم من ( الطبوليات ) وعرفها الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في الحلية بقوله : (وهي المسائل التي يراد بها الشهرة.) اهـ
وتوضيحا لهذا المعنى فإن الطبوليات التي أشار إليها الشيخ بكر _ رحمه الله _ أنواع :
النوع الأول من الطبوليات : بعض من فسد قصدهم في طلب العلم يكون عنده حب لتعلم بعض المسائل الغريبة التي تشهره بين الناس بحيث يكون متميزا بها عن الآخرين -والله تعالى أعلم بالنوايا- فبعض الناس يكون جاهلا بأساسيات العلم ولم يخْطُ في العلم الخطوات الأولى ولم يتدرج في طلبه ، وإنما يتوجه مباشرة إلى بعض المسائل التي تجعله يشتهر بين الآخرين فيتخصص في بعض الجزئيات الصغيرة ، ثم يتصدر بعد ذلك في كل مجلس يجلسه فيتكلم في هذا الموضوع الصغير الذي أتقنه معجبا بانبهار الناس به ، وكلما لقي عالما مشهورا أو فقيها كبيرا يسأله بين الناس سؤالا عن هذه الجزئية ، والعالم أو الفقيه قد تكون هذه المسألة الصغيرة مرت عليه سريعا ولم يتخصص فيها ، فربما أجاب جوابا مختصرا أو ناقصا فيأتي المتعالم ويقول للعالم أخطأت أو أنت ذكرت قولين فقط وهذه المسألة فيها عشرة أقوال ، والقول الأول كذا ودليله كذا ، ويبدأ في استعراض علمه في هذا الموضوع حتى يظن الجهال عندما يرونه يتكلم بهذا الشكل مع العالم الشهير أنه أعلم من العالم ويقولون: إن هذا العالم أخطأ وهذا الشخص صوبه والحقيقة هي أن هذا العالم علمه موسوعي ، وقد أعطى هذه المسألة الصغيرة حجمها الطبيعي بين مسائل العلم ، بينما هذا المتعالم قد تخصص في جزئيات صغيرة تضخمت عنده وأخذت حجما ليس لها ويريد بها أن يشتهر على حساب الآخرين.
النوع الثاني من الطبوليات : هو تبني الآراء الشاذة ورواية الأحاديث الغريبة التي لا أصل لها ، وقد قال السلف اتقوا الغرائب ، وقال شعبة لا يأتيك الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ ، فكون الحديث مهجورا بين أهل العلم وكون الرأي شاذا عندهم ينبغي أن يكون سببا لهجره لا لتبنيه ، ولكن بعض الناس يتبنى الآراء الشاذة، فيرى القول المعروف بين الناس والذي عليه جماهير العلماء سلفا وخلفا هو إباحة شيء معين، فيأتي هو ويجد قولا شاذا مهجورا بتحريمه فيتبنى هذا الرأي ليس عن اقتناع ولا عن دليل ولكن حتى يشتهر بين الناس وليقال عنه: الشيخ الفلاني هو الذي يحرم الشيء الفلاني، فتكون له آراء غريبة وشاذة عن آراء عموم علماء المسلمين ليس عن اقتناع ولا عن حجة ولكن فقط حتى يشتهر بين الناس بأنه يتبنى رأيا غريبا فيشتهر بسبب ذلك.
النوع الثالث من الطبوليات هو الزلات ، فعلى العلماء الحذر من الزلات التي تثير حولهم الضجيج ، وقد قيل: زلة العالم مضروب لها الطبل، أي: فضيحة تشتهر بين الناس، فالجاهل زلاته مغمورة ومستورة والناس لا يطلعون عليه ولكن عندما يخطئ العالم ويزل زلة يفتضح بها بين الناس ويشهر به، بينما الشيء الذي يعمله هذا العالم ربما يعمله عشرات ومئات من عامة الناس ولا أحد ينكر عليهم، ولكن طالب العلم إذا عمل هذا الشيء يشتهر به، فالإنسان لا ينبغي عليه أن يتتبع زلات العلماء ويقتدي بهم في هذه الزلات، وإنما يتبعه فيما أصاب ووافق فيه الحق.
النوع الرابع من الطبوليات هو ظاهرة الاكتشافات العلمية في التفسير والعقيدة والفقه فبين الفترة والأخرى يخرج علينا من يزعم أنه اكتشف أن جميع تفاسير الآية الفلانية التي فسرها بها المفسرون من زمن النبي عليه الصلاة والسلام إلى عصرنا كلها خاطئة وأنه فتح عليه بالتفسير الصحيح الذي اهتدى له دون العالمين أو يخرج من يزعم حل الخمر ونحوه من المحرمات القطعية أوأن حول الزكاة تسعة أشهر وأن الأمة كلها كانت على باطل إلى أن اهتدى هو إلى هذا الاكتشاف ، وكثيرا ما تروج هذه الضلالات تحت مسمى تجديد الدين وهي في حقيقتها تحريف للدين لأن التجديد هو رد الناس إلى ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته والتابعون لهم بإحسان لأن الدين قد أكمله لنا الله تعالى وما لم يكن دينا في زمنهم فلن يكون اليوم دينا.
النوع الخامس من الطبوليات : هو الفرح بتوهيم العلماء والأئمة الكبار ، نعم العلماء غير معصومين من الوهم والخطأ ، وهذه بدهية لا اختلاف فيها، ولكن يظل احتمال وقوع الوهم منهم هو الاحتمال البعيد ، واحتمال الوهم ممن يوهمهم هو الاحتمال الأقرب ، والذي يليق بطالب العلم أنه إذا وقف على ما يظنه وهما لعالم ثقة مشهود له بالإمامة في علمه أن يتهم فهمه عشرات المرات قبل أن يجزم بأن العالم وهم وأن يقدم حسن الظن فيقول لعلي لم أفهم كلام العالم أو لعل العالم وقف على دليل لم يصلنا لعله عنده نسخة من كتاب كذا مخالفة للنسخة التي بين أيدينا ، وأن يستعمل ما أمكن عبارات مثل الذي ظهر لي أن الصواب على خلاف ما قال العالم الفلاني ونحو ذلك بدلا من الجزم بأن هذا الإمام وهم
|