ذهب الإمام ابن القيم رحمه الله إلى أنه إذا اجتمع البر والتقوى في نص واحد مثل:
قوله تعالى: ( وتعاونوا على البر والتقوى )؛
فالتقوى: هي السبب المقصود لغيره.
والبر: هو الغاية المقصودة لنفسها.
أي التقوى هي الوسيلة ، والبر هو الهدف ، وهذا إذا اجتمع البر والتقوى .
قال رحمه الله في رسالته التبوكية :” فإن البر مطلوب لذاته ، إذ هو كمال العبد وصلاحه الذي لا صلاح له بدونه كما تقدم . وأما التقوى فهي الطريق الموصل إلى البر والوسيلة إليه “اهـ
هنا في رأي ابن القيم رحمه الله أنه عند اجتماع البر والتقوى فالغاية أن يكون الإنسان من الأبرار ، وأن يحصل له البر ، وأما التقوى فهي الطريق الموصل إلى البر ، والوسيلة إليه .
وأرى أنه لو قال قائل بالعكس، فقال البر هو العمل الصالح ، والتقوى التي في القلب هي الغاية من العمل الصالح لأن الصيام من البر وقد قال الله تعالى :{كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} فأرى أنه لو قال بذلك قائل لكان لكلامه وجه والله أعلم
وكذلك أيضاً هناك أقوال أخرى في تفسير البر والتقوى عند اجتماعهما:
منها قول الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره ، ونقله أيضاً عن غيره من علماء السلف أنهم قالوا: إن البر هو فعل الطاعة ، والتقوى هي ترك المعصية ، فكل واحد منهما إذا انفرد شمل فعل الطاعة وترك المعصية ، أو فعل المأمورات وترك المنهيات .
وقد أيد ابن القيم رحمه الله رأيه بأن التقوى مأخوذة من الوقاية ، لأن أصلها في الصرف (وقوى ) على وزن فَعلى ، ثم قلبت الواو تاءً فصارت تقوى . قال : ” كما قالوا تراث من الوراثة ، وتجاه من الوجه ، وتخمة من الوخمة ، ونظائرها ….فلفظها دال على أنها من الوقاية فان المتقي قد جعل بينه وبين النار وقاية والوقاية من باب دفع الضر فالتقوى والبر كالعافية والصحة . “اهـ
وتوضيح كلامه رحمه الله أنه في أمراض البدن الوقاية هي العافية وهي دفع الضرر والمرض ، وأما الصحة فهي شيء زائد على مجرد عدم المرض ، فالوقاية هي وسيلة لحصول الصحة ، والصحة هي الغاية والهدف ، والوقاية هي كون الإنسان يتوقى مثلاً الإفراط في أكل الدهون والسكر والملح والأشياء التي يمكن أن تؤذيه ، فكونه يتقي ، ويتوقى أسباب المرض فهذه وسيلة والغاية منها هي حصول الصحة ، فالوقاية من عذاب الله ، الوقاية هي التقوى لأن التقوى أصلها مأخوذة من وقى يقي وقاية ،والبر هو بمثابة الصحة ، ولكنها العافية والصحة القلبية ، يعني المعنوية ، وليست الصحة الحسية من الأمراض ، ولكنها الصحة من أمراض القلوب ، ومن آفات القلوب ، أن يكون الإنسان معافى من أمراض القلوب ، صحيحا متحليا بعبادات القلوب ومقاماتها وأحوالها ، فإذا حصل له ذلك صار من أهل البر ، وصار من الأبرار.
|