صفحة جديدة 1
وأمَّا قولُ التِّرمذي وغيرهُ: (حديثٌ حسنٌ صحيحٌ) فمعناهُ رُوي بإسْنَادينِ:
- أحدُهما يَقْتضي الصحَّة.
- والآخر الحُسْن.
وأمَّا تَقْسيم البَغَوي أحاديث «المَصَابيح» إلى حِسَان وصِحَاح، مُريدًا
بالصِّحَّاح ما في «الصَّحيحين»، وبالحِسَان ما في «السُّنن» فليسَ بصوابٍ؛ لأنَّ
في «السُّنن» الصَّحيح والحَسَن، والضَّعيف والمُنْكر.
فُروعٌ: أحدُهَا كتابُ التِّرمذي أصلٌ في معرفة الحَسَن، وهو الَّذي شَهَره.
وتختلفُ النُّسخ منهُ في قوله: (حسنٌ)، أو (حسنٌ صحيحٌ)، ونحوه..
فيَنْبغي أن تعتني بِمُقابلة أصْلكَ بأصُول مُعتمَدةٍ، وتَعتمد ما اتَّفقتْ عليه..
ومن مَظَانِّه «سُنن» أبي داود، فقد جاء عنهُ أنَّه يذكر فيه الصَّحيح وما يُشبهه
ويُقَاربه، وما كانَ فيه وَهَنٌ شَديد بيَّنهُ، وما لم يذكر فيه شيئاً فهو صالح،
فعلَى هذا ما وجدنَا في كتابه مُطْلقًا ولم يُصَحِّحه غيرهُ من المُعتمدينَ ولا
ضعَّفهُ، فهو حسنٌ عند أبي داود.
وأمَّا «مُسْند» أحمد بن حنبل، وأبي داود الطَّيالسي وغيرهما من المسانيد، فلا
تلتحق بالأصُول الخَمْسة وما أشْبهها في الاحْتجَاج بها والرُّكُون إلى ما فيها.
الثَّاني: إذا كان رَاوي الحديث مُتأخِّرًا عن درجة الحافظ الضَّابط، مشهورًا
بالصِّدق والسَّتر، فَرُوِي حديثه من غير وجه قَوِيَ وارتفعَ من الحَسَنِ إلى
الصَّحيح، والله أعلم.
الثَّالث: إذا رُوِي الحديث من وجُوهٍ ضعيفة لا يلزم أن يَحْصُل من مجموعها حُسْنٌ،
بل ما كان ضَعْفه لضَعفِ حِفظ رَاويه الصَّدوق الأمين، زالَ بمَجيئهِ من وجْهٍ آخرَ
وصار حَسَنًا.
وكَذَا إذا كَانَ ضَعْفُهَا لإرْسَالٍ زالَ بمجيئهِ من وجْهٍ آخر، وأمَّا الضَّعف
لِفسْقِ الرَّاوي فلا يُؤثر فيه موافقة غيره.
النَّوع الثَّالث: الضَّعيف؛ وهو ما لَمْ يَجْمع صِفةَ الصَّحيح أو الحَسَن.
ويتفاوتُ ضعفهُ، كصحَّة الصَّحيح.
ومنهُ ما لهُ لَقَبٌ خاصٌّ، كالمُوضوع، والشَّاذ، وغيرهما.
النوع الرابع: المُسنَد؛
قال الخطيب البَغْدادي: هو عند أهل الحديث ما اتَّصلَ سَندهُ إلى مُنتهاه، وأكْثر
ما يُسْتعمل فيمَا جَاء عن النَّبي صلى الله عليه وسلم دُون غَيْره.
وقال ابن عبد البَرِّ: هو ما جَاء عن النَّبي صلى الله عليه وسلم خاصَّة، مُتَّصلاً
كان، أو مُنْقطعًا.
وقال الحاكم وغيره: لا يُسْتعمل إلاَّ في المَرْفُوع المُتَّصل.
النَّوع الخامس: المُتَّصل
ويسمَّى المَوصُول، وهو ما اتَّصل إسْنَادهُ، مرفوعًا كان أو مَوْقوفًا على مَنْ
كان.
النَّوع السَّادس: المرفوع
وهو مَا أُضيف إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم خَاصَّة، لا يقع مُطْلقه على غَيْره،
مُتَّصلاً كانَ أو مُنْقطعًا، وقيل: هو ما أخبر به الصَّحابي عن فِعْلِ النَّبي صلى
الله عليه وسلم أو قوله.
النَّوع السَّابع: الموقوف
وهو المَرْويُّ عن الصَّحابة قولاً لهم، أو فِعْلاً، أو نحوه، مُتَّصلا كان، أو
مُنقطعًا، ويُستعمل في غيرهم مُقيدًا، فيُقَال: وَقَفَهُ فُلان على الزُّهْري،
ونحوهُ، وعند فُقهاء خُرَاسَان تسمية الموقُوف بالأثر، والمَرْفُوع بالخبر، وعند
المُحَدِّثين كل هذا يُسمَّى أثرًا.
لأنَّه مأخوذ من أثرت الحَدِيث، أي: رويتهُ
فروعٌ: أحدُها: قولُ الصَّحابي: كُنَّا نَقُول، أو نفعل كذا، إن لم يُضفهُ إلى
زَمَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم، فهو موقوفٌ، وإن أضَافهُ فالصَّحيح أنَّه
مرفوعٌ.
وقال الإمام الإسْمَاعيليُّ: مَوْقوفٌ، والصَّواب الأوَّل، وكذا قوله: كنَّا لا
نَرَى بأسًا بكذا في حياة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، أو وهُو فينَا، أو
بَيْنَ أظْهُرنا، أو كانُوا يَقُولون، أو يفعلُون، أو لا يَرَونَ بأسًا بكذا في
حياته صلى الله عليه وسلم، فكلُّه مرفوعٌ، ومن المَرْفُوع: قولُ المُغيرة: كان
أصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقْرعُونَ بابهُ بالأظَافِيرِ.
الثَّاني: قول الصَّحابي: أُمِرنَا بكذا، أو نُهينَا عن كذا، أو من السُّنة كذا، أو
أُمِرَ بلالٌ أن يَشْفع الأذَان، وما أشبههُ، كلُّه مَرْفوعٌ على الصَّحيح الَّذي
قالهُ الجمهورُ، وقيل: ليسَ بمرفوعٍ.
ولا فرقَ بين قولهُ: في حَيَاةِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أو بَعْدهُ.