صفحة جديدة 1
الثانية: أول مُصَنَّف في الصحيح المُجَرّد: «صحيح البخاري»، ثم «مسلم»؛ وهما أصح
الكتب بعد القرآن، و«البخاري» أصحهما وأكثرهما فوائد، وقيل:« مسلم» أصح، والصواب:
الأول, واخْتصّ «مسلم» بِجَمْع طرق الحديث في مكان، ولم يستوعبا الصحيح ولا
التزماه..
قيل: (ولم يفتهما منه إلا القليل) وأُنْكِرَ هذا.
والصواب: أنه لم يفت الأصول الخمسة إلا اليسير، أعني الصحيحين، وسنن أبي داود
والترمذي، والنسائي.
وجملة ما في البخاري: سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثاً بالمكررة.
وبحَذْف المكررة: أربعة آلاف.
ومسلم: بإسقاط المكرر نحو أربعة آلاف.
ثم أن الزيادة في الصحيح تُعْرَف من السنن المعتمدة: كـ سنن أبي داود، والترمذي،
والنسائي، وابن خزيمة، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، وغيرها منصوصاً على صحته..
ولا يكفي وجوده فيها إلا في كتاب مَنْ شَرَطَ الاقتصار على الصحيح، واعتنى الحاكم
بضبط الزائد عليهما، وهو متساهل، فما صححه ولم نجد فيه لغيره من المعتمدين تصحيحاً
ولا تضعيفاً حكمنا بأنه حسن إلا أن يظهر فيه عِلّة تُوجِب ضَعْفَه، ويُقاربه في
حُكمه صحيح أبي حاتم بن حبان، والله أعلم.
الثالثة: الكتب الْمُخَرَّجة على الصحيحين لم يُلْتَزَم فيها موافقتهما في الألفاظ،
فحَصَل فيها تفاوُت في اللفظ والمعنى، وكذا ما رواه البيهقي، والبَغوي، وشِبْههما
قائلين: (رواه البخاري أو مسلم) وقع في بعضه تفاوت في المعنى؛ فمرادهم أنهما رويا
أصله، فلا يجوز أن تنقل منها حديثاً وتقول: (هو كذا فيها) إلا أن تُقابله بهما، أو
يقول المصنف: (أخرجاه بلفظه)، بخلاف المختصرات من الصحيحين فإنهم نقلوا فيها
ألفاظهما..
وللكتب الْمُخَرّجة عليهما فائدتان: علو الإسناد، وزيادة الصحيح؛ فإن تلك الزيادات
صحيحة لكونها بإسنادهما.
الرابعة: ما روياه بالإسناد المتصل فهو المحكوم بصحته.
وأما ما حُذِفَ من مبتدأ إسناده واحد فأكثر:
- فما كان منه بصيغة الجزم كـ (قال، وفَعَل، وَأَمَر، ورَوَى، وذَكَر فلان كذا)؛
فهو حُكْم بصحته عن المضاف إليه.
- وأما ما ليس فيه جزم كـ (يُرْوى، ويُذْكَر، ويُحْكَى، ويُقال، وَرُوِي، وذُكِرَ،
وحُكِي عن فلان كذا)؛ فليس فيه حُكْم بصحته عن المضاف إليه.
وليس هو بواه لإدخاله في الكتاب الموسوم بالصحيح، والله أعلم.
الخامسة: الصحيح أقسام:
- أعلاها: ما اتفق عليه البخاري ومسلم.
- ثم ما انفرد به البخاري.
- ثم مسلم.
- ثم ما على شرطهما ولم يُخَرِّجاه.
- ثم على شرط البخاري.
- ثم مسلم.
- ثم صحيح عند غيرهما.
وإذا قاولوا: (صحيح متفق عليه أو على صحته) فمرادهم اتفاق الشيخين.
وذكر الشيخ: أن ما روياه أو أحدهما فهو مقطوع بصحته والعلم القطعي حاصل فيه.
وخَالَفَه المحققون والأكثرون، فقالوا: يفيد الظن ما لم يتواتر، والله أعلم.
السادسة: مَنْ رأى في هذه الأزمان حديثاً صحيح الإسناد في كتاب أو جزء لم يَنُص على
صحته حافظ معتمد؛
قال الشيخ: لا يُحْكَم بصحنه لضَعْف أهلية أهل هذه الأزمان.
والأظهر عندي جوازه لمَنْ تَمَكّن وقويت معرفته، والله أعلم.
ومَنْ أراد العمل بحديث من كتاب فَطَرِيقُه أن يأخذه من نُسخة معتمدة قَابَلَها هو
أو ثقةٌ بأصول صحيحة، فإن قَابَلها بأصل مُحَقَّقٍ مُعتمَدٍ أجزأه والله أعلم.
النَّوع الثَّاني: الحسن
قال الخطَّابي: هو مَا عُرِفَ مخرجهُ، واشْتهرَ رجالُهُ، وعليهِ مَدَارُ أكثر
الحديث، ويَقْبلهُ أكثر العُلماء، واستعملهُ عامة الفُقَهاء.
قال الشَّيخ: هو قِسْمان:
أحدهما: ما لا يخلُو إسْنَاده من مستور لم تتحقَّق أهليته، وليسَ مُغفَّلاً، كثير
الخطأ، ولا ظهر منه سبب مُفَسِّق، ويَكُون متن الحَدِيث معروفًا برواية مثله، أو
نحوه من وجهٍ آخر.
الثَّاني: أن يَكُون راويه مشهورًا بالصِّدق والأمَانة، ولم يبلغ درجة الصَّحيح
لِقُصُوره في الحفظِ والإتْقَان، وهو مُرتفع عن حالِ مَنْ يُعَدّ تَفَرّده مُنكرًا.
ثمَّ الحَسَنُ كالصَّحيح في الاحْتجاج به، وإن كانَ دُونه في القُوة، ولهذا
أدْرجَتهُ طائفة في نوع الصَّحيح، والله أعلم..
وقَوْلُهم: حديثٌ حسن الإسْنَاد أو صحيحهُ، دونَ قولهم: حديثٌ صحيح أو حسنٌ؛ لأنَّه
قد يَصِح أو يحسن الإسْنَادُ دُون المَتْن لِشُذوذٍ أو عِلَّة، فإن اقتصرَ على ذلك
حافظٌ مُعتمَد فالظَّاهر صحَّة المَتْن وحُسْنهُ.