صفحة جديدة 3
الثاَّلث: إذَا قيلَ في الحديث عندَ ذِكْر الصَّحابي: يرفعهُ، أو ينميه، أو يَبْلُغ
به، أو رِوَاية، كحديث الأعْرَجِ، عن أبي هُرَيرة رواية: «تُقَاتلُون قوماً صِغَار
الأعْيُن...» فكُلُّ هذا وشَبههُ مرفوعٌ عندَ أهْلِ العِلْم، وإذَا قِيلَ عند
التَّابعي: يَرْفعهُ، فمرفُوعٌ مُرسل، وأمَّا قولُ مَنْ قال: تفسير الصَّحابي
مرفوعٌ، فذاكَ في تفسير يتعلَّق بسبب نُزول آية، أو نَحْوهُ، وغيره موقُوف.
النَّوع الثَّامن: المقطُوع
وجَمْعهُ: المَقَاطعُ والمَقَاطيعُ، وهو الموقُوفُ على التَّابعي قولاً لهُ، أو
فِعْلاً، واسْتَعملهُ الشَّافعي، ثمَّ الطَّبراني في المُنْقطع.
النَّوع التَّاسع: المُرْسل
اتَّفقَ عُلماءُ الطَّوائف على أنَّ قول التَّابعي الكبير: قال رَسُول الله صلى
الله عليه وسلم كذا، أو فعلهُ، يُسمَّى مُرسلاً، فإن انقطعَ قبل التَّابعيِّ واحدٌ
أو أكثرُ، قال الحاكم وغيرُهُ من المُحدِّثين: لا يُسمَّى مُرسلاً، بل يَخْتصُّ
المُرْسل بالتَّابعي عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، فإن سقطَ قبلهُ واحد فهو
مُنْقطعٌ، وإن كان أكْثَر فمُعْضلٌ ومُنقطعٌ، والمَشْهورُ في الفِقْهِ والأصُول،
أنَّ الكُل مُرْسل، وبه قطعَ الخَطِيب.
وهذا اختلافٌ في الاصْطلاح والعِبَارة، وأمَّا قولُ الزُّهْري وغيرُه من صِغَار
التَّابعين: قال النَّبي صلى الله عليه وسلم، فالمَشْهُور عندَ من خصَّهُ
بالتَّابعي أنَّه مُرْسلٌ كالكبير، وقيلَ: ليسَ بِمُرسل، بَلْ مُنْقطع.
وأما إذا قال: فلان عن رجل عن فلان فقال الحاكم: منقطع ليس مُرسلاً، وقال غيره:
مرسل، والله أعلم.
ثمَّ المُرسل حديثٌ ضعيفٌ عند جَمَاهير المُحدِّثين، والشَّافعي، وكثير من
الفُقَهاء وأصْحَاب الأصُول، وقال مالك وأبُو حَنِيفة في طائفة: صحيحٌ، فإن صحَّ
مخرج المُرْسل بمجيئه من وجْهٍ آخر مُسْندًا أو مرسلاً، أرسلهُ من أخذَ عن غير
رِجَال الأوَّل، كان صحيحًا.
ويتبيَّن بذلكَ صِحَّة المُرسل، وأنَّهما صحيحان، لو عارضهُما صحيحٌ من طريق
رجَّحناهما عليه إذا تعذَّر الجَمْعُ.
هذا كُلُّه في غير مُرْسل الصَّحابي، أمَّا مُرْسلهُ فمَحْكومٌ بصحَّتهِ على
المَذْهب الصَّحيح، وقيلَ: إنَّه كَمُرسل غَيْرهِ، إلاَّ أنَّ يُبيِّن الرِّواية عن
صحابي.
النَّوع العاشر: المُنْقطع
الصَّحيح الَّذي ذهبَ إليه الفُقَهاءُ، والخَطيبُ، وابنُ عبد البرِّ، وغيرُهم من
المحدَّثين: أنَّ المُنْقطع ما لم يَتَّصل إسْنَاده، على أي وجه كانَ انقطاعهُ،
وأكْثَر ما يُسْتعمل في رِوَاية مَنْ دُونَ التَّابعي عن الصَّحابي، كمالك عن ابن
عُمر.
وقيلَ: هُو ما اختلَّ منهُ رَجُلٌ قبل التَّابعي، مَحْذُوفًا كان أو مُبْهمًا
(كرَجُل).
وقيل: هو ما رُوي عن تابعي، أو من دُونهُ، قولاً لهُ، أو فِعْلاً، وهذا غريبٌ
ضعيفٌ.
النَّوع الحادي عشر: المُعْضَل
هُو بفتح الضَّاد، يَقُولون: أعْضَلهُ، فهو مُعْضَلٌ، وهُو ما سَقطَ من إسْنَاده
اثْنَان فأكْثر، ويُسمَّى مُنْقطعًا، ويُسَمَّى مُرْسلاً عند الفًقهاء وغيرهم كما
تقدَّم، وقيل: إنَّ قول الرَّاوي: (بلغني)، كَقُول مالك: بلغني عن أبي هُرَيرةَ رضي
الله عنه أنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قال: «للمَمْلُوك طعامهُ
وكِسْوتهُ...» يُسمَّى مُعْضلاً عند أصْحَاب الحديث.
وإذا رَوَى تَابعُ التَّابعي، عن تَابعي حَدِيثًا وقفَهُ عليه، وهو عند ذلكَ
التَّابعي مرفوعٌ مُتَّصل، فهو مُعْضل.
فروعٌ:
أحدُها: الإسْنَادِ المُعَنعن، وهو فُلانٌ، عن فُلان، قيل: إنَّه مُرْسل، والصَّحيح
الَّذي عليه العملُ وقالهُ الجماهيرُ من أصْحَاب الحديث والفِقْهِ والأصُول: أنَّه
مُتَّصل بِشَرْطِ أن لا يَكُون المُعَنْعِن مُدَلِّسًا، وبِشَرطِ إمْكَان لِقَاء
بعضهم بعضًا، وفي اشْتراط ثُبُوت اللِّقَاء، وطُول الصُّحْبة، ومعرفته بالرِّواية
عنه خلافٌ، منهم من لم يَشْترط شيئًا من ذلك، وهو مَذْهب مُسْلم بن الحجَّاج،
وادَّعى الإجْمَاع فيهِ.
ومنهُم: مَنْ شرطَ اللِّقاء وحدهُ، وهو قولُ البُخَاري وابن المَدِيني
والمُحقِّقين، ومنهم مَنْ شَرَطَ طُول الصُّحبة، ومنهم مَنْ شَرَطَ معرفتهُ
بالرِّواية عنهُ.
وكَثُرَ في هذه الأعْصَار اسْتعمالُ: (عن) في الإجَازة، فإذا قال أحدُهم: قَرَأتُ
على فُلان عن فُلان، فمُراده أنَّه رواهُ عنه بالإجَازة.
الثَّاني:
إذا قال: حدَّثنا الزُّهْري، أنَّ ابن المُسيب حدَّثه بكذا، أو قال: قال ابن
المُسيب كذا، أو فعلَ كذا، أو كان ابن المُسيب يفعل، وشِبْه ذلك، فقال أحمد ابن
حنبل وجماعة: لا تَلْتحق أنَّ، وشِبهُهَا بـ (عن)، بل يَكُون مُنقطعًا حتَّى
يتبيَّن السَّماع، وقال الجُمهُور: (أنَّ)،كَـ (عَن)، ومُطْلقه مَحْمُولٌ على
السَّماع بالشَّرط المُتقدِّم.