صفحة جديدة 1
منابذة الإمام
إذا خرج هو في أعماله عن حد الشرع بأن ظلم أو استأثر بالحقوق أو فسق بشُرْب خمر أو
ترْك صلاة مثلاً فالواجب على المسلمين القيام بأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، لا
تأخذهم في ذلك لومة لائم عملاً بحديث عبادة-رضي الله عنه: «وعلى
أن نقول الحق أينما كان لا نخاف في الله لومة لائم»
بشرط ألا يؤثر ذلك في طاعته شيئاً فلا يجوز الخروج عليه وإشهار السلاح في وجهه
أبداً مهما استأثر أو فعل إلا إذا ظهر منه كفر صريح لا تأويل فيه، ففي حديث عبادة
رضي الله عنه
«ولا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً»..
وهنا لا إمامة له ولا طاعة بل يجب على كل مسلم القيام ضده حتى يبوء بالخزي والنكال.
وقد كان أكثر الصحابة-رضي الله عنهم- الذين في عهد يزيد على هذا المبدأ فلما شُهِر
يزيد بما شُهِر به لم يُجِز أحد منهم الخروج عليه إلا الحسين بن علي رضي الله
عنهما؛ فإنه رأى لنفسه ذلك لأهليته التي لا يُمارَى فيها، وشوكته التي لم تكن
بالحادة فلم يتمكن مما أراد- رحمه الله، ورضي الله عنه..
وقد عذله على خروجه أخوه محمد بن الحنفية وابن عمه عبد الله بن عباس وعبد الله بن
عمر وعبد الله بن الزبير فلم يرضَ بنُصحهم لأمر أراده الله وقد كان في ذلك العصر
كثير من الصحابة-رضي الله عنهم- بالحجاز والشام والبصرة والكوفة ومصر، وكلهم لم
يخرج على يزيد لا وحده ولا مع الحسين ولم يقاتلوا مع يزيد أيضاً بل اعتزلوا هذه
الفتنة
ولعل الحسين رضي الله عنه تأوّل قوله تعالى:
﴿وَلْتَكُنْ
مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾[آل
عمران:104]
وساعد على ذلك أن أرسل له سراة أهل العراق
يطلبونه لمبايعته
فرأى ذلك له مع قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان ما كان.
جزاء المحاربين
الإمام خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمَنْ عصاه فقد عصى الرسول
r،
ومَنْ عصى الرسول عليه الصلاة والسلام فقد عصى الله، ومَنْ حارب الإمام فقد حاربهما
وأجدر بمَنْ حارب الله ورسوله أن يبوء بإثم عظيم، وقد بيّن الله سبحانه وتعالى جزاء
المحاربين في سورة المائدة قال تعالى:
﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ
تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ
ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[المائدة:33]
﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ
فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[المائدة:34]..
فجعل المحارب أربعة أنواع:
محارب قتل فجزاؤه القتل.
ومحارب قتل وسرق فجزاؤه الصلب.
ومحارب سرق فجزاؤه القطع.
ومحارب أخاف السبيل فجزاؤه النفي.
والذي حدد هذه الأنواع السُّنة المطهرة، وقال بعض الفقهاء إنه لا توزيع في هذه
العقوبات وللإمام الخيار في الحكم بأي واحدة منها حسبما يراه من المصلحة.
وإن كانت لهم فئة يرجعون إليها كانوا بغاة ولهم أحكام تُذكَر في كتب الفقه..
ثم ذكر سبحانه أن مَنْ تاب قبل القدرة عليه فقد عفا الله عنه، ولذلك يلزم الإمام أن
يدعوهم إلى طاعته قبل أن يبدأهم بالقتال، ولذلك يلزم الإمام أن يدعوهم إلى طاعته
قبل أن يبدأهم بالقتال، وقد فعل ذلك علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- مع مَنْ خرج
عليه من الحروريين.
وأرى أن قليلاً ممَّنْ خرج على الأئمة في العصور السابقة لهم مقاصد دينية،
والغالب عليهم المقاصد الذاتية النفسانية؛ ولذلك قلما رأينا منهم مَنْ نجح
لأن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم هي النور الذي يستضيء به كل مسلم وهي قد حرمت
الخروج تحريماً شديداً مخافة تفريق المسلمين وتشتت كلمتهم.
واجبات الإمام
قد علمنا أن وظيفة الإمام هي حراسة الدين وكفاية الأمة؛ فالواجب عليه إذاً أن يكون
الشرع قائده لا ينحرف يمنة ولا يسرة عما جاء في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من
بين يديه ولا من خلفه، وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم العادلة الصحيحة، وإجماع
أئمة المسلمين في العصر الأول، فإن فعل ذلك واهتدى بهدْي مَنْ هو خليفة عنه وهدْي
خلفائه الراشدين كانت مرتبته مرتبة الصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك
رفيقاً، وكان من الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله..
وأما إن انحرف وحاد واتبع شهواته النفسانية فهناك يكون الوعيد الشديد والعقاب
الأليم، قال عليه الصلاة والسلام: «ما
من أمرئ يلي أمور المسلمين ثم لم يجتهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة»..
وقال عليه الصلاة والسلام: «ما
من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنُصحه إلا لم يجد رائحة الجنة»،
وقال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ
ولي من أمر المسلمين شيئاً ثم لم يحطهم بنُصحه كما يحوط أهل بيته فليتبوأ مقعده من
النار»..
إلى غير ذلك من الأحاديث التي كلها تحذير للأئمة كيلا تهوي بهم أعمالهم في الدرك
الأسفل من النار، نعوذ بالله من ذلك، اللهم ألهم ولاة أمورنا الرشد وبيّن لهم
السداد ليقتدوا بسيرة نبيك صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء، وسيرة خلفائه الراشدين
رضوان الله عليهم أجمعين.
خلافة أبي بكر
t وأرضاه
لما لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى اجتمع أصحابه-رضوان الله
عليهم- من مهاجرين وأنصار في سقيفة بني ساعدة
لإقامة خليفة له.
وكان الأنصار أهل المدينة يريدونها لأنفسهم لما لهم من نُصرة رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وإيوائه بطيبتهم، ولا يرون اختصاص قريش بالخلافة.
فلما حجهم أبو بكر رضي الله عنه بقوله عليه الصلاة والسلام: «الأئمة
من قريش»
أصاخوا له وتركوا ما ذهبوا إليه من أحقيتهم بالخلافة
لأن المخالِف ما دام حائداً عن الهوى سهل إرجاعه إلى الحق.
وهؤلاء كانوا أجلّة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يهمهم إلا ضم كلمة
المسلمين، ولَمُّ
شعثهم غير ناظرين إلى الدنيا وزخارفها.
(وكان) بنو هاشم يريدونها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لما يرون من أحقيته
بالخلافة لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الرأي الغالب كان مع أبي
بكر رضوان الله عليه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلّفه في الصلاة وقت مرضه؛
فقال المؤمنون: قد رضيه صلى الله عليه وسلم لديننا أفلا نرضاه لدنيانا؟!
فبويع بها لثلاث عشرة خلت من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة.
وأول مَنْ بايعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يبايع علي بن أبي طالب-رضي الله
عنه- إلا بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها