صفحة جديدة 6
وَمِنَ المَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ كَلَامٍ فَالمَقْصُودُ مِنْهُ فَهْمُ مَعَانِيهِ
دُونَ مُجَرَّدِ أَلْفَاظِهِ، فَـ «القُرْآنُ» أَوْلَى بِذَلِكَ.
وَأَيْضاً فَالعَادَةُ تَمْنَعُ أَنْ يَقْرَأَ قَوْمٌ كِتَاباً فِي فَنٍّ مِنَ
العِلْمِ، كَـ «الطِّبّ»، وَ«الحِسَابِ». وَلَا يَسْتَشْرِحُوهُ؛ فَكَيْفَ
«بِكَلَامِ اللهِ» تَعَالَى الَّذِي هُوَ عِصْمَتُهُمْ، وَبِهِ نَجَاتُهُمْ
وَسَعَادَتُهُمْ، وَقِيَامُ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.
وَلِهَذَا كَانَ النِّزَاعُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِي «تَفْسِيرِ القُرْآنِ»
قَلِيلاً جِدّاً، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِي التَّابِعِينَ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي
الصَّحَابَةِ فَهُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، وَكُلَّمَا
كَانَ العَصْرُ أَشْرَفَ كَانَ الاجْتِمَاعُ وَالائْتِلَافُ وَالعِلْمُ وَالبَيَانُ
فِيهِ أَكْثَرَ.
وَمِنَ التَّابِعِينَ مَنْ تَلَقَّى جَمِيعَ «التَّفْسِيرِ» عَنْ الصَّحَابَةِ.
كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ: (عَرَضْتُ «المُصْحَفَ» عَلَى ابْنِ عَبَّاسِ، أُوقِفُهُ
عِنْدَ كُلِّ آيَةِ مِنْهُ وَأَسْأَلُهُ عَنْهَا).
وَلِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ: (إِذَا جَاءَكَ التَّفْسِيرُ عَنْ مُجَاهِدٍ
فَحَسْبُكَ بِهِ).
وَلِهَذَا يَعْتَمِدُ عَلَى تَفْسِيرِهِ: الشَّافِعِيُّ، وَالبُخَارِيُّ،
وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْل العِلْمِ.
وَكَذَلِكَ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي «التَّفْسِيرِ»،
يُكَرِّرُ الطُّرُقَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ.
وَالمَقْصُودُ أَنَّ التَّابِعِينَ تَلَقَّوُا التَّفْسِيرَ عَنْ الصَّحَابَةِ
كَمَا تَلَقَّوا عَنْهُمْ «عِلْمَ السُّنَةِ»؛ وَإِنْ كَانُوا قَدْ يَتَكَلَّمُونَ
فِي بَعْضِ ذَلِكَ بِالاسْتِنْبَاطِ وَالاسْتِدْلَالِ، كَمَا يَتَكَلَّمُونَ فِي
بَعْضِ السُّنَنِ بِالاسْتِنْبَاِط وَالاسْتِدْلَالِ.