صفحة جديدة 1
وَحَاجَةُ الأُمَّةِ مَاسَّةٌ إِلَى فَهْمِ القُرْآنِ الَّذِي هُوَ: «حَبْلُ اللهِ
المَتِينُ، وَالذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَالصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ، الَّذِي لَا
تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسُنُ، وَلَا يَخْلَقُ عَلَى
كَثْرَةِ الترديد، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ
العُلَمَاءُ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ
بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَمَنْ
تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللهُ، وَمَنِ ابْتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ
أَضَلَّهُ اللهُ».
قَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ
فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ
مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لَمْ
حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ
آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾ [طه: 123-126]..
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ
مُبِينٌ﴾[المائدة:15]
﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ
مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ﴾[المائدة:16]
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ
الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ
الْحَمِيدِ (1) اللهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾
[إبراهيم: 1، 2].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا
كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي
بِهِ مَنْ نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ
مُّسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي
الأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الأُمُورُ﴾ [الشورى: 52، 53].
وَقَدْ كَتَبْتُ هَذِهِ «المُقَدِّمَةَ» مُخْتَصَرَةً بِحَسَبِ تَيْسِيرِ اللهِ
تَعَالَى، مِنْ إِمْلاءِ الفُؤَادِ، وَاللهُ الهَادِي إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ.
فَصْلُ
[فِي أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بيِّنَ لأَصْحَابِهِ مَعَانِيَ القُرْآنِ]
يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ لأَصْحَابِهِ
مَعَانِيَ القُرْآنِ كَمَا بَيَّنَ لَهُمْ أَلْفَاظَهُ؛ كقَوْلُهُ تَعَالَى:
﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: 44] يَتَنَاوَلُ هَذَا
وَهَذَا.
وَقَدْ قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: حَدَّثَنَا الَّذِينَ كَانُوا
يُقْرِئُونَنَا القُرْآنَ، كَـ: عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، وَعَبْدَ اللهِ بنِ
مَسْعُودٍ، وَغَيْرِهِمَا: (أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَعَلَّمُوا مِنَ النَّبِيِّ
صلى الله عليه وسلم عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يُجَاوِزُوهَا حَتَّى يَتَعَلَّمُوا (يعلموا)
مَا فِيهَا مِنَ العِلْمِ، وَالعَمَلِ؛ قَالُوا: فَتَعَلَّمْنَا القُرْآنَ
وَالعِلْمَ وَالعَمَلَ جَمِيعاً)؛ وَلِهَذَا كَانُوا يَبْقَونَ مُدَّةً فِي حِفْظِ
السُّورَةِ.
وَقَالَ أَنَسٌ: (كَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَرَأَ «البَقَرَةَ» وَ«آلَ عِمْرَانَ»
جَلَّ فِي أَعْيُنِنَا).
وَأَقَامَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى حِفْظِ «البَقَرَةِ» عِدَّةَ سِنِينَ، قِيلَ
ثَمَانِيَ سِنِينَ، ذَكَرَهُ مَالِكٌ.
وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ
لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ [ص: 29]، وَقَالَ: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾
[النساء: 82]، وَقَالَ: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾ [النساء: 82]، وَقَالَ:
﴿أَفَلَمْ
يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾
[المؤمنون: 68]؛ وَتَدَبُّرُ الكَلَامِ بِدُونِ فَهْمِ مَعَانِيهِ لَا يُمْكِنُ!
وَكَذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾
[يوسف: 2]؛ وَعَقْلُ الْكَلَامِ مُتَضَمِّنٌ لِفَهْمِهِ.