صفحة جديدة 3
باب الكفاءة في النكاح
باب الكفاءة في النكاح الكفاءة
لغة: المساواة والمماثلة، والمراد بها
هنا المساواة بين الزوجين في خمسة أشياء:
أحدها: الدين؛ فلا يكون الفاجر
والفاسق كفء العفيفة العدل؛ لأنه مردود الشهادة والرواية، وذلك نقص في إنسانيته.
الثاني: المنصب، وهو النسب؛ فلا يكون
العجمي - وهو من ليس من العرب - كفء العربية.
الثالث: الحرية؛ فلا يكون العبد ولا
المبعض كفء الحرة؛ لأنه منقوص بالرق.
الرابع: الصناعة؛ فلا يكون صاحب صناعة
دنيئة كالحجام والحائك كفء بنت من هو صاحب صناعة جليلة كالتاجر.
الخامس: اليسار بالمال بحسب ما يجب لها
من المهر والنفقة؛ فلا يكون المعسر كفء الموسرة، لأن عليها ضررا في إعساره؛ لإخلاله
بنفقتها.
* فإذا اختلف أحد الزوجين عن
الآخر في واحد من هذه الأمور الخمسة، فقد انتفت الكفاءة، وذلك لا يؤثر على صحة
النكاح؛ لأن الكفاءة ليست شرطا في صحته؛
«لأمر النبي فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة بن زيد، فنكحها بأمره» متفق عليه، ولكن تكون الكفاءة شرطا للزوم النكاح فقط؛ فلو زوجت
امرأة بغير كفئها فلمن لم يرض بذلك من المرأة أو أوليائها فسخ النكاح، لأن رجلا زوج
بنته من ابن أخيه ليرفع بها خسيسته، فجعل النبي لها الخيار، وبعض العلماء يرى أن
الكفاءة شرط لصحة النكاح، وهو رواية عن أحمد.
قال الشيخ تقي الدين: الذي
يقتضيه كلام أحمد أن الرجل إذا تبين له أنه ليس بكفء،؛ فرق بينهما، وأنه ليس للولي
أن يزوج المرأة من غير كفء، ولا للزوج أن يتزوج، ولا للمرأة أن تفعل ذلك، وأن
الكفاءة ليست بمنزلة الأمور المالية مثل مهر المرأة: إن أحبت المرأة والأولياء
طلبوه وإلا تركوه، ولكنه أمر ينبغي لهم اعتباره انتهى.
باب في المحرمات في النكاح
المحرمات في النكاح قسمان:
القسم الأول: اللاتي يحرمن تحريما مؤبدا: وهن أربع عشرة: سبع يحرمن بالنسب، وسبع
يحرمن بالسبب، وهن المذكورات في قوله تعالى:
﴿وَلَا تَنْكِحُوا﴾ الآيتين.
أولا: اللاتي يحرمن بالنسب: وبيانهن
كما يلي:
- الأم والجدة؛ لقوله تعالى:
﴿حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾
- والبنت، وبنت الابن، وبنت البنت، وبنت بنت الابن؛ لقوله تعالى:
﴿وَبَنَاتُكُمْ﴾
- والأخت؛ شقيقة كانت، أو لأب، أو لأم؛ لقوله تعالى:
﴿وَأَخَوَاتُكُمْ﴾.
- وبنت الأخت وبنت ابنه وبنت بنته؛ لقوله تعالى:
﴿وَبَنَاتُ
الْأُخْتِ﴾
- وبنت الأخ وبنت بنت الأخ وبنت ابنه؛ لقوله تعالى:
﴿وَبَنَاتُ
الْأَخِ﴾.
- والعمة والخالة؛ لقوله تعالى:
﴿وَعَمَّاتُكُمْ
وَخَالَاتُكُمْ﴾.
ثانياً: اللاتي يحرمن بالسبب: وبيانهن
كما يلي:
- الملاعنة على الملاعن؛ لما روى الجوزجاني عن سهل بن سعد، قال: «مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا» قال الموفق: لا نعلم أحدا قال بخلاف ذلك.
- ويحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب من الأقسام السابقة، فكل امرأة حرمت
بالنسب من الأقسام السابقة؛ حرم مثلها بالرضاع؛ كالأمهات والأخوات؛ لقوله تعالى:
﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ
اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ﴾...
وقال النبي: «يحرم
من الرضاع ما يحرم من النسب»
متفق عليه.
- وتحرم بالعقد زوجة أبيه وزوجة جده؛ لقوله تعالى:
﴿وَلَا
تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾..
- وتحرم زوجة ابنه وإن نزل؛ لقوله تعالى:
﴿وَحَلَائِلُ
أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ﴾..
- وتحرم عليه أم زوجته وجداتها بمجرد العقد، لقوله تعالى:
﴿وَأُمَّهَاتُ
نِسَائِكُمْ﴾..
- وتحرم بنت الزوجة وبنات أولادها إذا دخل بالأم؛ لقوله تعالى:
﴿وَرَبَائِبُكُمُ
اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ
لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾..
هذا؛ ويناسب أن نقرأ الآية الكريمة متصلة بعد أن بينا ما ذكر فيها
من أنواع المحرمات من النساء في النكاح قال تعالى:
﴿حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ
وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي
أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ
وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ
بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ
وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ
الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾.
القسم الثاني:
ما كان تحريمه منهن مؤقتا: وهو
نوعان:
النوع الأول: ما يحرم من أجل الجمع:
- فيحرم الجمع بين الأختين لقوله تعالى:
﴿وَأَنْ
تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ﴾..
وكذا يحرم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها لقوله:
«لا
تجمعوا بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها» متفق عليه..
وقد بين الحكمة في ذلك حين قال عليه الصلاة والسلام: «إنكم إذا فعلتم ذلك؛ قطعتم
أرحامكم»، وذلك لما يكون بين الضرائر من الغيرة،
فإذا كانت إحداهما من أقارب الأخرى، حصلت القطيعة بينهما، فإذا طلقت المرأة وانتهت
عدتها؛ حلت أختها وعمتها وخالتها؛ لانتفاء المحذور.
- ولا يجوز أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة لقوله تعالى:
﴿فَانْكِحُوا
مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾..
وقد أمر النبي من تحته أكثر من أربع لما أسلم أن يفارق ما زاد عن
أربع.
النوع الثاني: ما كان تحريمه لعارض
يزول:
- فيحرم تزوج المعتدة من الغير لقوله تعالى:
﴿وَلَا
تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾..
ومن الحكمة في ذلك أنه لا يؤمن أن تكون حاملا، فيفضي ذلك إلى
اختلاط المياه واشتباه الأنساب.
- ويحرم تزوج الزانية إذا علم
زناها حتى تتوب وتنقضي عدتها؛ لقوله تعالى:
﴿وَالزَّانِيَةُ
لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾.
- ويحرم على الرجل أن يتزوج من طلقها ثلاثا حتى يطأها زوج غيره بنكاح صحيح؛ لقوله
تعالى:
﴿الطَّلَاقُ
مَرَّتَانِ﴾ إلى قوله:
﴿فَإِنْ
طَلَّقَهَا﴾ يعني: الثالثة،
﴿فَلَا
تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾..
- ويحرم تزوج المحرمة حتى تحل
من إحرامها.
وكذا لا يجوز للمحرم أن يعقد
النكاح على امرأة وهو محرم لقوله:
«لا
ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب» رواه الجماعة إلا البخاري.
- ولا يحل أن يتزوج كافر امرأة
مسلمة لقوله تعالى:
﴿وَلَا
تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا﴾..
- ولا يتزوج المسلم امرأة كافرة
لقوله تعالى:
﴿وَلَا
تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾..
وقوله تعالى:
﴿وَلَا
تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ إلا الحرة الكتابية، فيجوز للمسلم أن يتزوجها؛ لقوله تعالى:
﴿وَالْمُحْصَنَاتُ
مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ يعني: حل لكم، وتكون هذه الآية مخصصة لعموم الآيتين السابقتين في
تحريم نكاح الكافرات على المسلمين وقد أجمع أهل العلم على ذلك.
ويحرم على الحر المسلم أن يتزوج
الأمة المسلمة؛ لأن ذلك يفضي إلى استرقاق أولاده منها، إلا إذا خاف على نفسه من
الزنى، ولم يقدر على مهر الحرة أو ثمن الأمة، فيجوز له حينئذ تزوج الأمة المسلمة
لقوله تعالى:
﴿وَمَنْ
لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ
فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾..
إلى قوله:
﴿ذَلِكَ
لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾
ويحرم على العبد أن يتزوج سيدته للإجماع، ولأنه يتنافى كونها سيدته
مع كونه زوجها، لأن لكل منهما أحكاما.
ويحرم على السيد أن يتزوج
مملوكته لأن عقد الملك أقوى من عقد النكاح، ولا يجتمع عقد مع ما هو أضعف منه.
والوطء بملك اليمين حكمه حكم
الوطء في العقد فيما سبق إلى أمد، فمن حرم وطؤها بعقد كالمعتدة والمحرمة والزانية
والمطلقة ثلاثا؛ حرم وطؤها بملك اليمين؛ لأن العقد إذا حرم لكونه طريقا إلى الوطء،
فلأن يحرم الوطء من باب أولى.