صفحة جديدة 4
باب في الشروط في النكاح
المراد بالشروط في النكاح ما
يشرطه أحد الزوجين في العقد على الآخر مما له فيه مصلحة، ومحلها ما كان في العقد أو
اتفقا عليه قبله، وهي تنقسم إلى قسمين: صحيح، وفاسد.
أولا: الشروط الصحيحة في النكاح
-
ومن الصحيح عند الأكثرين إذا شرطت عليه طلاق ضرتها لأن لها في ذلك فائدة، وقال
البعض الآخر من العلماء بعدم صحة هذا الشرط؛ لأن النبي
«نهى أن تشترط طلاق أختها
لتكفأ ما في صحفتها»
والنهي يقتضي الفساد.
-
ومن الشروط الصحيحة في النكاح إذا شرطت عليه أن لا يتسرى أو لا يتزوج عليها فإن
وفى، وإلا فلها الفسخ، لحديث: «إن
أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج»
- وكذا لو شرطت عليه أن لا يخرجها من دارها أو بلادها صح هذا الشرط، ولم يكن له
إخراجها إلا بإذنها.
- وكذا لو شرطت أن لا يفرق
بينها وبين أولادها أو أبويها صح هذا الشرط، فإن خالفه، فلها الفسخ.
- ولو شرطت زيادة في مهرها، أو
كونه من نقد معين صح الشرط، وكان لازما، يجب عليه الوفاء به، ولها الفسخ بعدمه،
وخيارها في ذلك على التراخي، فتفسخ متى شاءت؛ ما لم يوجد منها ما يدل على رضاها مع
علمها بمخالفته لما شرطته عليه؛ فحينئذ يسقط خيارها.
«قال عمر بن الخطاب رضي الله
عنه للذي قضى عليه بلزوم ما شرطته عليه زوجته فقال الرجل: إذا يطلقننا. فقال عمر:
مقاطع الحقوق عند الشروط»..
ولحديث:
«المؤمنون على شروطهم»
قال العلامة ابن القيم: يجب الوفاء بهذه الشروط التي هي أحق أن يوفيها، وهو مقتضى
الشرع والعقل والقياس الصحيح، فإن المرأة لم ترض ببذل بضعها للزوج إلا على هذا
الشرط، ولو لم يجب الوفاء به؛ لم يكن العقد عن تراض، وكان إلزاما بما لم تلتزمه
وبما لم يلزمها الله به ورسوله.
ثانيا: الشروط الفاسدة في
النكاح
والشروط الفاسدة في النكاح
نوعان:
ا) شروط فاسدة تبطل العقد: وهي
أنواع ثلاثة:
الأول: نكاح الشغار وهو أن يزوجه موليته بشرط أن يزوجه الآخر موليته ولا
مهر بينهما، سمي شغارا من الشغور وهو الخلو من العوض، وقيل: سمي شغارا من شغر الكلب
إذا رفع رجله ليبول، شبه قبحه بقبح بول الكلب، وهذا النوع جعل فيه امرأة بدل امرأة،
وقد أجمعوا على تحريمه، وهو باطل، يجب التفريق فيه، سواء كان مصرحا فيه بنفي المهر
أو مسكوتا عنه، لحديث ابن عمر:
«أن النبي نهى عن الشغار» والشغار أن يزوج الرجل ابنته
على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق، متفق عليه.
وقال الشيخ تقي الدين: وفصل
الخطاب أن الله حرم نكاح الشغار لأن الولي يجب عليه أن يزوج موليته إذا خطبها كفء،
ونظره لها نظر مصلحة لا نظر شهوة، والصداق حق لها لا له، وليس للولي ولا للأب أن
يزوجها إلا لمصلحتها، وليس له أن يزوجها لغرضه لا لمصلحتها، وبمثل هذا تسقط ولايته،
ومتى كان غرضه أن يعاوض فرجها بفرج الأخرى؛ لم ينظر في مصلحتها، وصار كمن زوجها على
مال له لا لها، وكلاهما لا يجوز، وعلى هذا؛ لو سمى صداقا حيلة والمقصود المشاغرة؛
لم يجز؛ كما نص عليه أحمد؛ لأن مقصوده أن يزوجها بتزوجه الأخرى، والشرع بين أنه لا
يقع هذا إلا لغرض الولي لا لمصلحة المرأة، سواء سمي مع ذلك صداقا أو لم يسم؛ كما
قاله معاوية وغيره، وأحمد جوزه مع الصداق المقصود دون الحيلة؛ مراعاة لمصلحة المرأة
في الصداق انتهى.
فإذا سمي لكل واحدة منهما مهر
مستقل كامل، بلا حيلة، مع أخذ موافقة المرأتين؛ صح ذلك، لانتفاء الضرر.
ثانيا:
نكاح
المحلل
وهو
أن يتزوجها بشرط أنه متى حللها
للأول، طلقها، أو نوى
التحليل
بلا شرط يذكر في العقد، أو اتفقا عليه قبل العقد، ففي جميع هذه
الأحوال
يبطل
النكاح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ألا
أخبركم بالتيس المستعار؟، قالوا: بلى يا رسول
الله!
قال: هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له» رواه
ابن ماجه والحاكم وغيره.
إذا
علق
عقد النكاح على
شرط
مستقبل
كأن؛
يقول: زوجتك إذا جاء رأس الشهر، أو: إن رضيت أمها،
فلا
ينعقد النكاح مع ذلك؛ لأن النكاح عقد معاوضة، فلم يصح تعليقه على
شرط.
وكذا
لو زوجه إلى مدة، كما لو قال: زوجتك وإذا جاء غد، فطلقها أو قال:
زوجتها
شهرا أو سنة، بطل هذا
النكاح
المؤقت
وهو
نكاح المتعة.
قال
الشيخ تقي الدين:
الروايات المستفيضة المتواترة متواطئة على أن الله تعالى حرم المتعة بعد إحلالها.
وقال
القرطبي: الروايات كلها متفقة
على أن
زمن
إباحة المتعة لم يطل، وأنه حرم، ثم أجمع السلف والخلف على تحريمها؛ إلا من
لا
يلتفت إليه من الروافض
شروط فاسدة لا تفسد النكاح
- لو شرط في عقد النكاح إسقاط حق من حقوق المرأة كأن شرط أن لا مهر لها، أو لا
نفقة، أو شرط أن يقسم لها أقل من ضرتها؛ فإنه في هذه الأحوال يفسد الشرط ويصع
النكاح، لأن ذلك الشرط يعود إلى معنى زائد في العقد، لا يلزم ذكره، ولا يضر الجهل
به.
- ومن ذلك أنه إذا شرطها مسلمة،
فبانت كتابية، فالنكاح صحيح، وله خيار الفسخ.
- ومن ذلك أنه إذا شرطها بكرا
أو جميلة أو ذات نسب، فبانت بخلاف ما اشترط فله الفسخ، لفوات شرطه.
- ومن ذلك أنه إذا تزوج امرأة
على أنها حرة، فتبين أنها أمة فإن كان ممن لا يحل له تزوج الإماء، فرق بينهما، وإن
كان ممن يحل له ذلك؛ فله الخيار.
- وكذا لو تزوجت المرأة رجلا
حرا، فبان عبدا فلها الخيار، وإن عتقت أمة تحت عبد؛ فلها الخيار؛ لأن «بريرة لما عتقت تحت عبد، اختارت مفارقته» كما رواه البخاري وغيره.
باب في العيوب في النكاح
هناك عيوب تثبت الخيار في
النكاح:
فمنها: - أن من وجدت زوجها لا يقدر على الوطء لكونه عنينا أو مقطوع الذكر
فلها الفسخ، وإن ادعت أنه عنين، فأقر بذلك، أجل سنة، فإن وطئ فيها، وإلا، فلها
الفسخ.
- وإن وجد الرجل في زوجته عيبا
يمنع الوطء؛ كالرتق ولا يمكن زواله، فله الفسخ.
- وكذا من وجد منهما في الآخر
عيبا مشتركا؛ كالباسور، والجنون، والبرص، والجذام، وقرع الرأس، وبخر الفم فله
الخيار؛ لما في ذلك من النفرة.
قال العلامة ابن القيم: كل عيب
ينفر أحد الزوجين من الآخر، ولا يحصل به مقصود النكاح، يوجب الخيار، وإنه أولى من
البيع انتهى.
- ولو حدث بأحد الزوجين عيب بعد
العقد فللآخر الخيار. ويثبت الخيار لمن لم يرض بالعيب من الزوجين، ولوكان به عيب
مثله أو مغاير له؛ لأن الإنسان لا يأنف من عيب نفسه، ومن رضي منهما بعيب الآخر؛ بأن
قال: رضيت به، أو وجد منه دليل الرضى، مع علمه بالعيب؛ فلا خيار له بعد ذلك.
وحيث يثبت لأحدهما الخيار؛ فإنه
لا يتم إلا عند الحاكم؛ لأنه يحتاج إلى اجتهاد ونظر، فيفسخه الحاكم بطلب من له
الخيار، أو يأذن لمن له الخيار فيفسخ.
وإن تم الفسخ قبل الدخول، فلا
مهر لها؛ لأن الفسخ إن كان منها؛ فقد جاءت الفرقة من قبلها، و إن كان منه؛ فقد دلست
عليه العيب، فكان الفسخ بسببها.
وإن كان الفسخ بعد الدخول، فلها
المهر المسمى في العقد، لأنه وجب بالعقد، واستقر بالدخول؛ فلا يسقط.
ولا يصح تزويج الصغيرة
والمجنونة والمملوكة بمن فيه عيب يرد به النكاح لأن وليهن لا ينظر لهن إلا بما فيه
الحظ والمصلحة لهن، وإن لم يعلم وليهن بالعيب؛ فسخ النكاح إذا علم؛ إزالة للضرر
عنهن.
وإذا رضيت الكبيرة العاقلة
مجبوبا أو عنينا لم يمنعها وليها، لأن الحق في الوطء لها دون غيرها.
وإن رضيت بالتزوج من مجنون
ومجذوم وأبرص فلوليها منعها منه؛ لأن في ذلك ضررا يخشى تعديه إلى الولد، وفيه منغصة
على أهلها.