صفحة جديدة 2
* وتحرم خطبته على خطبة أخيه المسلم؛ فمن خطب امرأة، وأجيب إلى ذلك؛ حرم على غيره
خطبتها، حتى يأذن بذلك أو يرد؛ لقوله: «لا
يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك»،
رواه البخاري والنسائي، وروى مسلم:
«لا
يحل للمؤمن أن يخطب على خطبة أخيه حتى يذر»، وفي حديث ابن عمر:
«لا
يخطب أحدكم على خطبة أخيه»، متفق عليه، وللبخاري:
«لا
يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له»،
فدلت هذه الأحاديث وما في معناها على تحريم خطبة المسلم على خطبة أخيه لما في ذلك
من الإفساد على الخاطب الأول، وإيقاع العداوة بين الناس، والتعدي على حقوقهم، فإن
رد الخاطب الأول، أو أذن للخاطب الثاني، أو ترك تلك المرأة؛ جاز للثاني أن يخطب تلك
المرأة؛ لقوله:
﴿لا حتى يأذن أو يترك﴾ وهذا من حرمة المسلم، وتحريم التعدي عليه.
وبعض الناس لا يبالي بذلك،
فيقدم على خطبة المرأة، وهو يعلم أنه مسبوق إلى خطبتها، وأنها قد حصلت الإجابة،
فيعتدي على حق أخيه، ويفسد ما تم من خطبته، وهذا محرم شديد التحريم، وحري بمن أقدم
على خطبة امرأة وهو مسبوق إليها مع إثمه الشديد أن لا يوفق وأن يعاقب. فعلى المسلم
أن يتنبه لذلك، وأن يحترم حقوق إخوانه المسلمين؛ فإن حق المسلم على أخيه المسلم
عظيم؛ لا يخطب على خطبته، ولا يبيع على بيعه، ولا يؤذيه بأي نوع من الأذى.
باب في عقد النكاح وأركانه وشروطه
* يستحب عند إرادة عقد النكاح تقديم خطبة قبله تسمى خطبة ابن مسعود، يخطبها العاقد
أو غيره من الحاضرين، ولفظها:
«إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله
إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله»
رواه الخمسة، وحسنه الترمذي، ويقرأ بعد هذه الخطبة ثلاث آيات من كتاب الله:
الأولى: قوله تعالى:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾
الثانية: قوله تعالى:
﴿يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾
الثالثة: قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
وأما أركان عقد النكاح
فهي ثلاثة:
الركن الأول: وجود الزوجين الخاليين
من الموانع التي تمنع صحة النكاح؛ بأن لا تكون المرأة مثلا من اللواتي يحرمن على
هذا الرجل بنسب أو رضاع أو عدة أو غير ذلك، ولا يكون الرجل مثلا كافرا والمرأة
مسلمة... وغير ذلك من الموانع الشرعية التي سنبينها إن شاء الله.
الركن الثاني:
حصول الإيجاب، وهو اللفظ الصادر من الولى أو من يقوم مقامه؛ بأن يقول للزوج: زوجتك
فلانة أو أنكحتكها.
الركن الثالث:
حصول القبول، وهو اللفظ الصادر من الزوج أو من يقوم مقامه؛ بأن يقول: قبلت هذا
النكاح أو هذا التزويج.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية
وتلميذه ابن القيم أن النكاح ينعقد بكل لفظ يدل عليه، ولا يقتصر على لفظ الإنكاح
والتزويج
* ووجهة نظر من قصره على لفظ الإنكاح والتزويج: أنهما اللفظان اللذان ورد بهما
القرآن؛
كقوله تعالى:
﴿فَلَمَّا
قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا﴾..
وكقوله تعالى:
﴿وَلَا
تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾..
لكن ذلك في الواقع لا يعني
الحصر في هذين اللفظين. والله أعلم.
* وينعقد النكاح من أخرس بكتابة أو إشارة مفهوهة
* وإذا حصل الإيجاب والقبول؛ انعقد النكاح، ولو كان المتلفظ هازلا لم يقصد معناه
حقيقة؛ لقوله: «ثلاث هزلهن جد، وجدهن جد: الطلاق، والنكاح،
والرجعة» رواه الترمذي.
وأما شروط صحة النكاح
فهي أربعة:
الشرط الأول: تعيين كل من الزوجين،
فلا يكفي أن يقول: زوجتك بنتي: إذا كان له عدة بنات، أو يقول: زوجتها ابنك، وله عدة
أبناء، ويحصل التعيين بالإشارة إلى المتزوج، أو تسميته، أو وصفه بما يتميز به.
الشرط الثاني:
رضا كل من الزوجين بالآخر، فلا يصح إن أكره أحدهما عليه؛ لحديث أبي هريرة: «لا
تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن»
متفق عليه؛ إلا الصغير منهما الذي لم يبلغ والمعتوه؛ فلوليه أن يزوجه بغير إذنه.
الشرط الثالث:
أن يعقد على المرأة وليها؛ لقوله: «لا
نكاح إلا بولي»، رواه الخمسة إلا النسائي، فلو زوجت المرأة نفسها بدون وليها
فنكاحها باطل؛ لأن ذلك ذريعة إلى الزنى، ولأن المرأة قاصرة النظر عن اختيار الأصلح
لها، والله تعالى خاطب الأولياء بالنكاح، فقال تعالى:
﴿وَأَنْكِحُوا
الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾..
وقال تعالى:
﴿فَلَا
تَعْضُلُوهُنَّ﴾ وغير ذلك من الآيات.
وولي المرأة هو:
أبوها، ثم وصيه فيها، ثم جدها لأب وإن علا، ثم ابنها، ثم بنوه وإن نزلوا، ثم أخوها
لأبوين، ثم أخوها لأب، ثم بنوهما، ثم عمها لأبوين، ثم عمها لأب، ثم بنوهما، ثم أقرب
عصبتها نسبا؛ كالإرث، ثم المعتق، ثم الحاكم.
الشرط الرابع:
الشهادة على عقد النكاح لحديث جابر مرفوعا:
«لا
نكاح إلا بولي وشاهدي عدل»؛ فلا يصح إلا بشاهدين عدلين.
قال الترمذي: العمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي ومن بعدهم من التابعين
وغيرهم؛ قالوا: لا نكاح إلا بشهود، ولم يختلف في ذلك من مضى منهم؛ إلا قوم من
المتأخرين من أهل العلم.