صفحة جديدة 15
بسم الله الرحمن الرحيم
فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمُعَاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى
الرَّحْلِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
«يَا
مُعَاذُ» قَالَ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ
وَسَعْدَيْكَ قَالَ: «يَا مُعَاذُ»
قَالَ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ: «يَا
مُعَاذُ» قَالَ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ
وَسَعْدَيْكَ.
قَالَ:
«مَا
مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ».
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم، أَفَلَا أُخْبِرُ بِهَا النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قَالَ:
«إِذاً
يَتَّكِلُوا»، فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ
مَوْتِهِ تَأَثُّماً.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ
مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
«إِنَّ
اللهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، يَبْتَغِي
بَذلك وَجْهَ اللهِ».
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَوْ أَبِي سَعِيدٍ بِالشَّكِ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى
الله عليه وسلم فِي غَزَوةٍ تَبُوكَ، فَأَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ، فَدَعَا
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِنِطَعٍ فَبَسَطَهُ، ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ
أَزْوَادِهِمْ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِكَفِّ ذُرَةٍ قَالَ وَيَجِيءُ
الْآخَرُ بِكَفِّ تَمْرٍ وَيَجِيءُ الْآخَرُ بِكَسْرَةٍ، حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَى
النِّطَعِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ يَسِيرٌ؛ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم عَلَيْهِ بِالْبَرَكَةِ ثُمَّ قَالَ:
«خُذُوا
فِي أَوْعِيَتِكُمْ» فَأَخَذُوا فِي
أَوْعِيَتِهِمْ حَتَّى مَا تَرَكُوا فِي الْعَسْكَرِ وِعَاءً إِلَّا مَلَئُوهُ
قَالَ: فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم:
«أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ
شَاكٍّ فيهما فَيُحْجَبَ عَنْ الْجَنَّةِ».
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي
الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
«مَا
مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا
دَخَلَ الْجًّنَةَ»
قال: قُلْتُ وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ؟
قَالَ:
«وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ».
قَالَهَا ثَلَاثاً، ثُمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ: «عَلَى
رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ»، فَخَرَجَ أَبُو
ذَرِّ وَهُوَ يَقُولُ: وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عُبَادَةَ بن
الصامت رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى
الله عليه وسلم يَقُولُ:
«مَنْ شَهِدَ
أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمْداً رَسُولُ اللهِ حَرَّمَ اللهُ
عَلَيْهِ النَّارَ».
وفِي
صحيح مسلم
عَنْ عُبَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
«مَنْ
شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ
مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ
وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأن الْجَنَّةُ حَقٌّ
وَالنَّارُ حَقٌّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْعَمَلِ».
وَفِي هَذَا الْمَعْنَى أَحَادِيثُ كَثِيرةٌ
جِدّاً يَطُولُ ذِكْرُهَا.
أَهْلُ اَلتَّوْحِيدِ لَا يُخَلَّدُونَ فِي اَلنَّارِ وَإِنْ دَخَلُوهَا
وَأَحَادِيثُ هَذَا اَلْبَابِ
نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا فِيهِ أَنَّ مَنْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ دَخَلَ
اَلْجَنَّةَ، وْلَمْ يُحْجَبْ عَنْهَا؛ وَهَذَا ظَاهِرٌ؛ فَإِنَّ اَلنَّارَ لَا
يَخْلُدُ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اَلتَّوْحِيدِ اَلْخَالِصِ، وَقَدْ يَدْخُلُ
اَلْجَنَّةَ وَلَا يُحْجَبُ عَنْهَا إِذَا طَهُرَ مِنْ ذُنُوبِهِ بِالنَّارِ.
وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه
مَعْنَاهُ: أَنَّ اَلزِّنَا وَالسَّرِقَةَ لَا يَمْنَعَانِ دُخُولَ اَلْجَنَّةِ
مَعَ اَلتَّوْحِيدِ، وَهَذَا حَقٌّ لَا مِرْيَةَ فِيهِ، لَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ لَا
يُعَذَّبُ يَوْماً عَلَيْهِمَا مَعَ اَلتَّوْحِيدِ.
وفِي مُسْنَدِ اَلْبَزَّارِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ مَرْفُوعاً: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ نَفَعَتْهُ يَوْماً
مِنْ دَهْرِهِ، يُصِيبُهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَا أَصَابَهُ.
وَالثَّانِي: مَا فِيهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى اَلنَّارِ، وَهَذَا قَدْ
حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى اَلْخُلُودِ فِيهَا، أَوْ عَلَى نَارٍ يَخْلُدُ فِيهَا
أَهْلُهَا، وَهِيَ مَا عَدَا اَلدَّرْكِ اَلْأَعْلَى، فَإِنَّ اَلدَّرْكِ
اَلْأَعْلَى يَدْخُلُهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ عُصَاةِ اَلْمُوَحِّدِينَ
بِذُنُوبِهِمْ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ بِشَفَاعَةِ اَلشَّافِعِينَ، وَبِرَحْمَةِ
أَرْحَمُ اَلرَّاحِمِينَ.
وَفِي اَلصَّحِيحَيْنِ أَنَّ اَللَّهَ -
تَعَالَى - يَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُخْرجَنَّ مِنْ اَلنَّارِ مَنْ
قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ
اَلْعُلَمَاءِ: اَلْمَرَادُ مِنْ هَذِهِ
اَلْأَحَادِيثِ: أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ سَبَبٌ لِدُخُولِ اَلْجَنَّةِ
وَالنَّجَاةِ مِنْ اَلنَّارِ وَمُقْتَضٍ لِذَلِكَ، وَلَكِنَّ اَلْمُقْتَضِيَ لَا
يَعْمَلُ عَمَلَهُ إِلَّا بِاسْتِجْمَاعِ شُرُوطِهِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ،
فَقَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ مُقْتَضَاهُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ، أَوْ
لِوُجُود مَانِعٍ؛ وَهَذَا قَوْلُ اَلْحَسَنِ وَوَهْبَ بْنُ مُنَبِّهٍ, وَهُوَ
اَلْأَظْهَرُ.
وَقَالَ اَلْحَسَنُ
لِلْفَرَزْدَقِ -وَهُوَ يَدْفِنُ اِمْرَأَتَهُ-: مَا أَعْدَدْتَ لِهَذَا اَلْيَوْمِ؟ قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً.قَالَ اَلْحَسَنُ:
[نَعَمْ]
إِنَّ لَـ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ شُرُوطاً؛ فَإِيَّاكَ وَقَذْفَ
اَلْمُحْصَنَةِ.
[وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ
لِلْفَرَزْدَقِ: هَذَا اَلْعَمُودُ.فَأَيْنَ اَلطُّنُبُ؟].
وَقِيلَ لِلْحَسَنِ: إِنَّ نَاساً يَقُولُونَ: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ
دَخَلَ اَلْجَنَّةَ؟ فَقَالَ: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ، فَأَدَّى
حَقَّهَا وَفَرْضَهَا دَخَلَ اَلْجَنَّةَ.
وَقَالَ وَهْبَ بْنُ مُنَبِّهٍ
لِمَنْ سَأَلَهُ: أَلَيْسَ لَا إِلَهَ إِلَّا
اَللَّهُ مِفْتَاحُ اَلْجَنَّةِ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ مَا مِنْ مِفْتَاحٍ إِلَّا
وَلَهُ أَسْنَانٌ، فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَكَ، وَإِلَّا
لَمْ يُفْتَحْ لَكَ.
وَهَذَا اَلْحَدِيثُ:
«إِنَّ
مِفْتَاحَ اَلْجَنَّةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ»
خَرَّجَهُ اَلْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ.
عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ
اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«إِذَا
سَأَلَكَ أَهْلُ اَلْيَمَنِ عَنْ مِفْتَاحِ اَلْجَنَّةِ؟ فَقُلْ: شَهَادَةُ أَنْ
لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ».
وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا اَلْقَوْلِ، أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
رَتَّبَ دُخُولَ اَلْجَنَّةِ عَلَى اَلْأَعْمَالِ اَلصَّالِحَةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ
اَلنُّصُوصِ.