صفحة جديدة 16
كَمَا فِي اَلصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي
أَيُّوبَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلِ
يُدْخِلُنِي اَلْجَنَّةَ، فَقَالَ:
«تَعْبُدُ
اَللَّهَ، وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ اَلصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي
اَلزَّكَاةَ، وَتَصِلُ اَلرَّحِمَ».
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ دُلَّنِي عَنْ عَمَلٍ إِذَا
عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ اَلْجَنَّةَ. قَالَ:
«تَعْبُدُ اَللَّهَ لَا تُشْرِكُ
بِهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ اَلصَّلَاةَ اَلْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي اَلزَّكَاةَ
اَلْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ» فَقَالَ
اَلرَّجُلُ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا شَيْئاً، وَلَا
أَنْقَصُ مِنْهُ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ
سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى
هَذَا».
وَفِي اَلْمُسْنَدِ عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ قَالَ:
أَتَيْتُ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِأُبَايِعَهُ فَاشْتَرَطَ عَلِيَّ:
شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، وَأَنْ أُقِيمَ اَلصَّلَاةَ، وَأَنْ
[أُوتِيَ] اَلزَّكَاةَ، وَأَنْ أَحُجَّ حَجَّةَ اَلْإِسْلَامِ،
وَأَنْ أَصُومَ رَمَضَانَ، وَأَنْ أُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ. فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اَللَّهِ أَمَا اِثْنَتَيْنِ فَوَاَللَّهِ لَا أُطِيقُهُمَا: اَلْجِهَادُ
وَالصَّدَقَةُ، فإنهم زعموا أنه مَنْ ولى الدبر فقد باء بغضب من الله، فأخاف إن
حضرت تلك جشمت نفسي، وكرهتُ الموت، والصدقة؛ والله ما لي إلا غنيمة وعشر ذود هن رسل
أهلي وحمولتهن.
فَقَبَضَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه
وسلم يَدَهُ ثُمَّ حَرَّكَهَا، وَقَالَ:
«لَا جِهَادَ وَلَا صَدَقَةَ،
فَبِمَ تَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ إِذاً?» قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَنَا أُبَايِعُكَ عَلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ.
فَفِي هَذَا اَلْحَدِيثِ أَنَّ اَلْجِهَادَ
وَالصَّدَقَةَ شَرْطٌ فِي دُخُولِ اَلْجَنَّةِ مَعَ حُصُولِ اَلتَّوْحِيدِ
وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ.
وَنَظِيرُ هَذَا أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله
عليه وسلم قَالَ:
«أُمِرْتُ أَنْ
أُقَاتِلَ اَلنَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ، وَأَنَّ
مُحَمَّداً رَسُولُ اَللَّهِ»؛
فَفَهِمَ عُمَرُ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ اَلصَّحَابَةِ أَنَّ مَنْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ اِمْتَنَعَ مِنْ عُقُوبَةِ
اَلدُّنْيَا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، فَتَوَقَّفُوا فِي قِتَالِ مَانِعِي اَلزَّكَاةِ.
وَفَهِمَ اَلصِّدِّيقُ
أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ قِتَالُهُ إِلَّا بِأَدَاءِ حُقُوقِهَا، لِقَوْلِهِ صلى
الله عليه وسلم:
«فَإِذَا
فَعَلُوا ذَلِكَ مَنَعُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا»
وَقَالَ: اَلزَّكَاةُ حَقُّ اَلْمَالِ.
وَهَذَا اَلَّذِي فَهِمَهُ اَلصِّدِّيقُ
قَدْ رَوَاهُ عَنْ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَمَاعَةٌ مِنْ اَلصَّحَابَةِ
مِنْهُمْ اِبْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ وَغَيْرُهُمَا، وَأَنَّهُ قَالَ:
«أُمِرْتُ
أَنْ أُقَاتِلَ اَلنَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ
وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اَللَّهِ، وَيُقِيمُوا اَلصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا
اَلزَّكَاةَ»..
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
﴿فَإِنْ
تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾
[التوبة:5]
كَمَا دَلَّ قَوْلُهُ تَعَالَى:
﴿فَإِنْ
تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾
[التوبة:11]
عَلَى أَنَّ اَلْأُخُوَّةَ فِي اَلدِّينِ
لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِأَدَاءِ اَلْفَرَائِضِ مَعَ اَلتَّوْحِيدِ، فَإِنَّ
اَلتَّوْبَةَ مِنْ اَلشِّرْكِ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ.
وَلَمَّا قَرَّرَ أَبُو بَكْرٍ هَذَا
لِلصَّحَابَةِ رَجَعُوا إِلَى قَوْلِهِ، وَرَأَوْهُ صَوَاباً.
فَإِذَا عُلِمَ أَنَّ عُقُوبَةَ اَلدُّنْيَا
لَا تُرْتَفَعُ عَمَّنْ أَدَّى اَلشَّهَادَتَيْنِ مُطْلَقاً، بَلْ يُعَاقَبُ
بِإِخْلَالِهِ بِحَقٍّ مِنْ حُقُوقِ اَلْإِسْلَامِ، فَكَذَلِكَ عُقُوبَةُ
اَلْآخِرَةِ.
وَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ هَذِهِ اَلْأَحَادِيثَ اَلْمَذْكُورَةَ أَوَّلاً وَمَا
فِي مَعْنَاهَا، كَانَتْ قَبْلَ نُزُولِ اَلْفَرَائِضِ وَالْحُدُودِ، مِنْهُمْ
اَلزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَهَذَا بَعِيدٌ جِدّاً؛ فَإِنَّ
كَثِيراً مِنْهَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ نُزُولِ اَلْفَرَائِضِ وَالْحُدُودِ،
وَفِي بَعْضِهِا أَنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهِيَ فِي آخِرِ حَيَاةِ
اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَهَؤُلَاءِ مِنْهُمْ مَنْ
يَقُولُ فِي هَذِهِ اَلْأَحَادِيثِ:
إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هِيَ مُحْكَمَةٌ، وَلَكِنْ ضُمَّ إِلَيْهَا شَرَائِطُ،
وَيَلْتَفِتُ هَذَا إِلَى أَنَّ اَلزِّيَادَةَ عَلَى اَلنَّصِّ: هَلْ هِيَ نَسْخٌ
أَمْ لَا؟ وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ اَلْأُصُولِيِّينَ مَشْهُورٌ.
وَقَدْ صَرَّحَ اَلثَّوْرِيُّ
وَغَيْرُهُ بِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَأَنَّ
نَاسِخَهَا اَلْفَرَائِضُ وَالْحُدُودُ، وَقَدْ يَكُونُ مُرَادُهُمْ بِالنُّسَخِ
اَلْبَيَانَ وَالْإِيضَاحَ، فَإِنَّ اَلسَّلَفَ كَانُوا يُطْلِقُونَ اَلنُّسَخَ
عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ كَثِيراً.
وَيَكُونُ مَقْصُودُهُمْ: أَنَّ آيَاتِ اَلْفَرَائِضِ وَالْحُدُودِ تَبَيَّنَ بِهَا
تَوَقُّفُ دُخُولِ اَلْجَنَّةِ وَالنَّجَاةِ مِنْ اَلنَّارِ عَلَى فِعْلِ
اَلْفَرَائِضِ وَاجْتِنَابِ اَلْمَحَارِمِ، فَصَارَتْ تِلْكَ اَلنُّصُوصُ
مَنْسُوخَةً، أَيْ: مُبَيَّنَةً مُفَسَّرَةً، وَنُصُوصُ اَلْفَرَائِضِ وَالْحُدُودِ
نَاسِخَةً أَيْ: مُفَسِّرَةً لِمَعْنَى تِلْكَ، مُوَضِّحَةً لَهَا.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تِلْكَ اَلنُّصُوصُ اَلْمُطْلَقَةُ قَدْ جَاءَتْ مُقَيَّدَةً فِي
أَحَادِيثَ أُخَرَ؛
فَفِي بَعْضِهَا: مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ مُخْلِصاً دخل الجنة.
وَفِي بَعْضِهَا: مُسْتَيْقِناً.
وَفِي بَعْضِهَا: يُصَدِّقُ قَلْبُهُ لِسَانَهُ.
وَفِي بَعْضِهَا: يَقُولُهَا حَقّاً مِنْ قَلْبِهِ.
وَفِي بَعْضِهَا: قَدْ ذَلَّ بِهَا لِسَانُهِ، وَاطْمَأَنَّ بِهَا قَلْبُهُ.
وَهَذَا كُلُّهُ إِشَارَةٌ إِلَى عَمَلِ
اَلْقَلْبِ، وَتَحَقُّقِهِ بِمَعْنَى اَلشَّهَادَتَيْنِ، فَتَحَقُّيقُهُ بِقَوْلِ:
لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ أَلَّا يَأْلَهَ اَلْقَلْبُ غَيْرَ اَللَّهِ حُبّاً
وَرَجَاءً، وَخَوْفاً، وَتَوَكُّلاً وَاسْتِعَانَةً، وَخُضُوعاً وَإِنَابَةً،
وَطَلَباً.وَتَحَقُّقِهِ بِأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اَللَّهِ أَلَّا يُعْبَدَ
اَللَّهُ بِغَيْرِ مَا شَرَعَهُ اَللَّهُ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه
وسلم.
وَقَدْ جَاءَ هَذَا اَلْمَعْنَى مَرْفُوعاً
إِلَى اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَرِيحاً أَنَّهُ قَالَ:
«مَنْ
قال: لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ مُخْلِصاً دَخَلَ اَلْجَنَّةَ».
قِيلَ: مَا إِخْلَاصُهَا يَا رَسُولَ اَللَّهِ؟! صلى الله عليه وسلم، قَالَ:
«أَنْ تَحْجِزَكَ عَنْ كُلِّ مَا حَرَّمَ اَللَّهُ
عَلَيْكَ».
وَهَذَا يُرْوَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَلَكِنَّ إِسْنَادَهُمَا لَا يَصِحُّ وَجَاءَ
أَيْضاً مِنْ مَرَاسِيلِ اَلْحَسَنِ وَنَحْوِهِ.
وَتَحْقِيقُ هَذَا اَلْمَعْنَى وَإِيضَاحُهُ
أَنَّ قَوْلَ اَلْعَبْدِ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا إِلَهَ
لَهُ غَيْرُ اَللَّهِ، وَالْإِلَهُ اَلَّذِي يُطَاعُ فَلَا يُعْصَى هَيْبَةً لَهُ
وَإِجْلَالاً، وَمَحَبَّةً، وَخَوْفاً، وَرَجَاءً، وَتَوَكُّلاً عَلَيْهِ،
وَسُؤَالاً مِنْهُ، وَدُعَاءً لَهُ، وَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ كُلُّهُ إِلَّا لِلَّهِ
عز وجل، فَمَنْ أَشْرَكَ مَخْلُوقاً فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ اَلْأُمُورِ اَلَّتِي
هِيَ مِنْ خَصَائِصِ اَلْإِلَهِيَّةِ كَانَ ذَلِكَ قَدْحاً فِي إِخْلَاصِهِ فِي
قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَنَقْصاً فِي تَوْحِيدِهِ، وَكَانَ فِيهِ مِنْ
عُبُودِيَّةِ اَلْمَخْلُوقِ بِحَسْبِ مَا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ.
وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ فُرُوعِ
اَلشِّرْكِ:
﴿زُيِّنَ
لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ
الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ
وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ
عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾[آل عمران:14]
كَمَا وَرَدَ فِي إِطْلَاقِ اَلشِّرْكِ
عَلَى اَلرِّيَاءِ، وَعَلَى اَلْحَلِفِ بِغَيْرِ اَللَّهِ، وَعَلَى اَلتَّوَكُّلِ
عَلَى غَيْرِ اَللَّهِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ، وَعَلَى مَنْ سَوَّى بَيْنَ
اَللَّهِ وَبَيْنَ اَلْمَخْلُوقِ فِي اَلْمَشِيئَةِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: مَا
شَاءَ اَللَّهُ وَشَاءَ فُلَانٌ.
وَكَذَا قَوْلُهُ: مَا لِي إِلَّا اَللَّهُ
وَأَنْتَ؛ وَكَذَلِكَ مَا يَقْدَحُ فِي اَلتَّوَكُّلِ، وَتَفَرُّدِ اَللَّهِ
بِالنَّفْعِ وَالضُّرِّ: كَالطِّيَرَةِ، وَالرُّقَى اَلْمَكْرُوهَةِ، وَإِتْيَانِ
اَلْكُهَّانِ وَتَصْدِيقِهِمْ بِمَا يَقُولُونَ، وَكَذَلِكَ اِتِّبَاعُ هَوَى
اَلنَّفْسِ فِيمَا نَهَى اَللَّهُ عَنْهُ، قَادِحٌ فِي تَمَامِ اَلتَّوْحِيدِ
وَكَمَالِهِ.
وَلِهَذَا أَطْلَقَ اَلشَّرْعُ عَلَى
كَثِيرٍ مِنْ اَلذُّنُوبِ اَلَّتِي مَنْشَؤُهَا مِنْ اِتِّبَاعِ هَوَى اَلنَّفْسِ
بِمَا هُوَ كُفْرٌ وَشِرْكٌ؛ كَقِتَالِ اَلْمُسْلِمِ، وَمَنْ أَتَى حَائِضاً، أَوْ
اِمْرَأَةً فِي دُبُرِهَا، وَمَنْ شَرِبَ اَلْخَمْرَ فِي اَلْمَرَّةِ
اَلرَّابِعَةِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ اَلْمِلَّةِ
بِالْكُلِّيَّةِ
وَلِهَذَا قَالَ اَلسَّلَفُ: كَفْرٌ دُونَ كُفْرٍ، وَشِرْكٌ دُونَ شِرْكٍ
وَقَدْ وَرَدَ إِطْلَاقُ اَلْإِلَهِ عَلَى اَلْهَوَى اَلْمُتَّبَعِ،
قَالَ تَعَالَى -:
﴿أَفَرَأَيْتَ
مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ [الجاثية:23]
وَقَالَ اَلْحَسَنُ: هُوَ اَلَّذِي لَا يَهْوَى شَيْئاً إِلَّا رَكِبَهِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ اَلَّذِي كُلَّمَا هَوَى شَيْئاً رَكِبَهِ، وَكُلَّمَا
اِشْتَهَى شَيْئاً أَتَاهُ،لَا يَحْجِزُهُ عَنْ ذَلِكَ وَرَعٌ وَلَا تَقْوَى.
وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
أُمَامَةَ مَرْفُوعاً بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ:
مَا تَحْتَ ظِلِّ اَلسَّمَاءِ إِلَهٌ يُعْبَدُ أَعْظَمُ عِنْدَ اَللَّهِ مِنْ هَوَى
مُتَّبَعٍ.
وَفَي حَدِيثٍ آخَرَ: لَا تَزَالُ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ تَدْفَعُ عَنْ
أَصْحَابِهَا حَتَّى يُؤْثِرُوا دُنْيَاهُمْ عَلَى دِينِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا
ذَلِكَ رُدَّتْ عَلَيْهِمْ، وَقِيلَ: كَذَبْتُمْ
وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ اَلْحَدِيثُ
اَلصَّحِيحُ عَنْ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:
«تَعِسَ
عَبْدُ اَلدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ اَلدِّرْهَمِ، تَعِسَ عَبْدُ اَلْقَطِيفَةِ،
تَعِسَ عَبْدُ اَلْخَمِيصَةِ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ, وَإِذَا شِيكَ فَلَا اِنْتَقَشَ»
فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئاً وَأَطَاعَهُ, وَكَانَ
غَايَةَ قَصْدِهِ وَمَطْلُوبِهِ، وَوَالَى لِأَجْلِهِ، وَعَادَى لِأَجْلِهِ، فَهُوَ
عَبْدُهُ، وَذَلِكَ اَلشَّيْءُ مَعْبُودُهُ وَإِلَهُهُ.