والكلابية وَالْأَشْعَرِيَّةُ
والكلابية وَالْأَشْعَرِيَّةُ:
خَيْرٌ
مِنْ هَؤُلَاءِ فِي بَابِ الصِّفَاتِ فَإِنَّهُمْ يُثْبِتُونَ لِلَّهِ الصِّفَاتِ
الْعَقْلِيَّةَ.
وَأَئِمَّتُهُمْ يُثْبِتُونَ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةَ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا
فُصِّلَتْ أَقْوَالُهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَأَمَّا
فِي بَابِ الْقَدَرِ وَمَسَائِلِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ فَأَقْوَالُهُمْ
مُتَقَارِبَةٌ.
والكلابية:
هُمْ أَتْبَاعُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كِلَابٍ الَّذِي
سَلَكَ الْأَشْعَرِيُّ خُطَّتَهُ وَأَصْحَابُ ابْنُ كِلَابٍ كَالْحَارِثِ
الْمُحَاسَبِيِّ، وَأَبِي الْعَبَّاسِ القلانسي وَنَحْوِهِمَا.
خَيْرٌ مِنْ الْأَشْعَرِيَّةِ فِي هَذَا وَهَذَا فَكُلَّمَا كَانَ الرَّجُلُ إلَى
السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ أَقْرَبَ كَانَ قَوْلُهُ أَعْلَى وَأَفْضَلَ.
والكرامية
قَوْلُهُمْ فِي الْإِيمَانِ قَوْلٌ مُنْكَرٌ لَمْ يَسْبِقْهُمْ إلَيْهِ أَحَدٌ
حَيْثُ جَعَلُوا الْإِيمَانَ قَوْلَ اللِّسَانِ وَإِنْ كَانَ مَعَ عَدَمِ تَصْدِيقِ
الْقَلْبِ فَيَجْعَلُونَ الْمُنَافِقَ مُؤْمِنًا؛ لَكِنَّهُ يَخْلُدُ فِي النَّارِ
فَخَالَفُوا الْجَمَاعَةَ فِي الِاسْمِ دُونَ الْحُكْمِ.
وَأَمَّا
فِي الصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ وَالْوَعِيدِ فَهُمْ أَشْبَهُ مِنْ أَكْثَرِ طَوَائِفِ
الْكَلَامِ الَّتِي فِي أَقْوَالِهَا مُخَالَفَةٌ لِلسُّنَّةِ.
وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ:
- فَهُمْ يَنْفُونَ الصِّفَاتِ وَيُقَارِبُونَ قَوْلَ جَهْمٍ لَكِنَّهُمْ يَنْفُونَ
الْقَدَرَ.
-
فَهُمْ وَإِنْ عَظَّمُوا الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ؛
وَغَلَوْا فِيهِ؛ فَهُمْ يُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ.
فَفِيهِمْ
نَوْعٌ مِنْ الشِّرْكِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْأَمْرِ
وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ مَعَ إنْكَارِ الْقَدَرِ خَيْرٌ مِنْ
الْإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ مَعَ إنْكَارِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ
وَالْوَعِيدِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مَنْ
يَنْفِي الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ.
وَكَانَ
قَدْ نَبَغَ فِيهِمْ الْقَدَرِيَّةُ كَمَا نَبَغَ فِيهِمْ الْخَوَارِجُ: الحرورية
وَإِنَّمَا يَظْهَرُ مِنْ الْبِدَعِ أَوَّلًا مَا كَانَ أَخْفَى.
وَكُلَّمَا ضَعُفَ مَنْ يَقُومُ بِنُورِ النُّبُوَّةِ قَوِيَتْ الْبِدْعَةُ.
فَهَؤُلَاءِ
الْمُتَصَوِّفُونَ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الْحَقِيقَةَ الْكَوْنِيَّةَ مَعَ
إعْرَاضِهِمْ عَنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ: شَرٌّ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ
الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ: أُولَئِكَ يُشْبِهُونَ الْمَجُوسَ وَهَؤُلَاءِ
يُشْبِهُونَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا:
﴿لَوْ
شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾..
وَالْمُشْرِكُونَ
شَرٌّ مِنْ الْمَجُوسِ فَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَعْرِفَهُ؛
فَإِنَّهُ أَصْلُ الْإِسْلَامِ الَّذِي يَتَمَيَّزُ بِهِ أَصْلُ الْإِيمَانِ مِنْ
أَهْلِ الْكُفْرِ وَهُوَ الْإِيمَانُ بالوحدانية وَالرِّسَالَةِ: شَهَادَةِ أَنْ
لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
وَقَدْ
وَقَعَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فِي الْإِخْلَالِ بِحَقِيقَةِ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ
أَوْ أَحَدِهِمَا مَعَ ظَنِّهِ أَنَّهُ فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ وَالتَّوْحِيدِ
وَالْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ.
فَإِقْرَارُ الْمُشْرِكِ بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ
وَخَالِقُهُ: لَا يُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ
إقْرَارُهُ بِأَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ
أَحَدٌ إلَّا هُوَ؛ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَيَجِبُ تَصْدِيقُهُ
فِيمَا أَخْبَرَ وَطَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ
فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَلَامِ فِي هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ:
الْأَصْلُ الْأَوَّلُ:
تَوْحِيدُ الْإِلَهِيَّةِ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ
كَمَا تَقَدَّمَ بِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا وَسَائِطَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ
يَدْعُونَهُمْ وَيَتَّخِذُونَهُمْ شُفَعَاءَ بِدُونِ إذْنِ اللَّهِ قَالَ تَعَالَى:
﴿وَيَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ
شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي
السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾؛
فَأَخْبَرَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا هَؤُلَاءِ شُفَعَاءَ مُشْرِكُونَ.
وَقَالَ
تَعَالَى عَنْ مُؤْمِنِ يس:
﴿وَمَا
لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾
﴿أَأَتَّخِذُ
مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي
شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ﴾
﴿إنِّي
إذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾
﴿إنِّي
آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ﴾.
وَقَالَ
تَعَالَى:
﴿وَلَقَدْ
جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا
خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ
زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ
عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾؛
فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ شُفَعَائِهِمْ أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ فِيهِمْ
شُرَكَاءُ.
وَقَالَ
تَعَالَى:
﴿أَمِ
اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ
شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ﴾
﴿قُلْ
لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ
إلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.
وَقَالَ
تَعَالَى:
﴿مَا
لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ﴾.
وَقَالَ
تَعَالَى:
﴿وَأَنْذِرْ
بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ
دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ﴾.
وَقَالَ
تَعَالَى:
﴿مَنْ
ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ﴾.
وَقَالَ تَعَالَى:
﴿وَقَالُوا
اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ﴾
﴿لَا
يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾
﴿يَعْلَمُ
مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إلَّا لِمَنِ ارْتَضَى
وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾.
وَقَالَ
تَعَالَى:
﴿وَكَمْ
مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إلَّا مِنْ
بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾.
وَقَالَ
تَعَالَى:
﴿قُلِ
ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ
وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ﴾
﴿وَلَا
تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾.
وَقَالَ
تَعَالَى:
﴿قُلِ
ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ
عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا﴾
﴿أُولَئِكَ
الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ
وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ
مَحْذُورًا﴾.
قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ: كَانَ قَوْمٌ يَدْعُونَ الْعُزَيْرَ وَالْمَسِيحَ
وَالْمَلَائِكَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ يُبَيِّنُ فِيهَا أَنَّ
الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْبِيَاءَ يَتَقَرَّبُونَ إلَى اللَّهِ وَيَرْجُونَ
رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ وَمِنْ تَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ: أَنْ يَعْلَمَ
أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْبَتَ لَهُ حَقًّا لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ مَخْلُوقٌ؛
كَالْعِبَادَةِ وَالتَّوَكُّلِ وَالْخَوْفِ وَالْخَشْيَةِ وَالتَّقْوَى..
كَمَا
قَالَ تَعَالَى:
﴿لَا
تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا﴾.
وَقَالَ
تَعَالَى:
﴿إنَّا
أَنْزَلْنَا إلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ
الدِّينَ﴾.
وَقَالَ
تَعَالَى:
﴿قُلْ
إنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾.
وَقَالَ
تَعَالَى:
﴿قُلْ
أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ﴾
إلَى قَوْلِهِ:
﴿الشَّاكِرِينَ﴾
وَكُلٌّ مِنْ الرُّسُلِ يَقُولُ لِقَوْمِهِ:
﴿اعْبُدُوا
اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ﴾.