صفحة جديدة 1
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي التَّوَكُّلِ:
﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا
إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
﴿وَعَلَى اللَّهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
وَقَالَ:
﴿قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ
يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾.
وَقَالَ تَعَالَى:
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا
آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ
مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إنَّا إلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ﴾.
فَقَالَ فِي الْإِتْيَانِ:
﴿مَا آتَاهُمُ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ﴾.
وَقَالَ فِي التَّوَكُّلِ:
﴿وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ﴾ وَلَمْ يَقُلْ: وَرَسُولُهُ؛
لِأَنَّ الْإِتْيَانَ هُوَ الْإِعْطَاءُ الشَّرْعِيُّ وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ
الْإِبَاحَةَ وَالْإِحْلَالَ الَّذِي بَلَغَهُ الرَّسُولُ فَإِنَّ الْحَلَالَ مَا
أَحَلَّهُ وَالْحَرَامَ مَا حَرَّمَهُ وَالدِّينَ مَا شَرَعَهُ..
قَالَ تَعَالَى:
﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ
فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾..
وَأَمَّا الحسب فَهُوَ الْكَافِي وَاَللَّهُ وَحْدَهُ كَافٍ عَبْدَهُ
كَمَا قَالَ تَعَالَى:
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ
النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا
وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾، فَهُوَ وَحْدَهُ حَسْبُهُمْ كُلُّهُمْ.
وَقَالَ تَعَالَى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾؛
- أَيْ حَسْبُك وَحَسْبُ مَنْ اتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ.
- هُوَ اللَّهُ فَهُوَ كَافِيكُمْ كُلُّكُمْ.
- وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ وَالْمُؤْمِنِينَ حَسْبُك كَمَا
يَظُنُّهُ بَعْضُ الغالطين؛ إذْ هُوَ وَحْدَهُ كَافٍ نَبِيَّهُ، وَهُوَ حَسْبُهُ
لَيْسَ مَعَهُ مَنْ يَكُونُ هُوَ وَإِيَّاهُ حسبا لِلرَّسُولِ.
وَهَذَا فِي اللُّغَةِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
فَحَسْبُك وَالضَّحَّاكَ
سَيْفٌ مُهَنَّدُ
وَتَقُولُ الْعَرَبُ:
حَسْبُك وَزَيْدًا دِرْهَمٌ: أَيْ يَكْفِيك وَزَيْدًا جَمِيعًا
دِرْهَمٌ.
وَقَالَ فِي الْخَوْفِ وَالْخَشْيَةِ وَالتَّقْوَى:
﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾؛ فَأَثْبَتَ الطَّاعَةَ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ وَأَثْبَتَ الْخَشْيَةَ
وَالتَّقْوَى لِلَّهِ وَحْدَهُ..
كَمَا قَالَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
﴿إنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾
﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ
وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ﴾؛
- فَجَعَلَ الْعِبَادَةَ وَالتَّقْوَى لِلَّهِ وَحْدَهُ.
- وَجَعَلَ الطَّاعَةَ لِلرَّسُولِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ
فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
﴿فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ
وَاخْشَوْنِ﴾.
وَقَالَ تَعَالَى:
﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
وَقَالَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا
أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ
يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ
إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ
يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا
نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: وَأَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟ فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إنَّمَا
هُوَ الشِّرْكُ أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إلَى قَوْلِ الْعَبْدِ الصَّالِحِ: إنَّ
الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ».
وَقَالَ تَعَالَى:
﴿فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾
﴿وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ:
«مَنْ يُطِعْ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَّا
نَفْسَهُ وَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا».
وَقَالَ:
«وَلَا تَقُولُوا
مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ
شَاءَ مُحَمَّدٌ».
فَفِي الطَّاعَةِ: قَرَنَ اسْمَ الرَّسُولِ بِاسْمِهِ بِحَرْفِ الْوَاوِ.
وَفِي الْمَشِيئَةِ: أَمَرَ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ بِحَرْفِ ثُمَّ؛
- وَذَلِكَ لِأَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ طَاعَةٌ لِلَّهِ، فَمَنْ
أَطَاعَ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ.
- وَطَاعَةُ اللَّهِ طَاعَةُ الرَّسُولِ..
بِخِلَافِ الْمَشِيئَةِ؛ فَلَيْسَتْ مَشِيئَةُ أَحَدٍ مِنْ الْعِبَادِ مَشِيئَةً لِلَّهِ،
وَلَا مَشِيئَةُ اللَّهِ مُسْتَلْزِمَةً لِمَشِيئَةِ الْعِبَادِ؛ بَلْ مَا شَاءَ
اللَّهُ كَانَ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ النَّاسُ، وَمَا شَاءَ النَّاسُ لَمْ يَكُنْ إنْ
لَمْ يَشَأْ اللَّهُ.
الْأَصْلُ الثَّانِي:
حَقُّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
فَعَلَيْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِهِ وَنُطِيعَهُ وَنَتَّبِعَهُ
وَنُرْضِيَهُ وَنُحِبَّهُ وَنُسَلِّمَ لِحُكْمِهِ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ قَالَ
تَعَالَى:
﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾.
وَقَالَ تَعَالَى:
﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ
أَنْ يُرْضُوهُ﴾.
وَقَالَ تَعَالَى:
﴿قُلْ إنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ
وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ
اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا
أَحَبَّ إلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا
حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾.
وَقَالَ تَعَالَى:
﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا
يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي
أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
وَقَالَ تَعَالَى:
﴿قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ
اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾..
وَأَمْثَالُ ذَلِكَ
فَصْلٌ
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا: فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يَجِبُ الْإِيمَانُ
بِخَلْقِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ: بِقَضَائِهِ وَشَرْعِهِ.
وَأَهْلُ الضَّلَالِ الْخَائِضُونَ فِي الْقَدَرِ
انْقَسَمُوا إلَى ثَلَاثِ
فِرَقٍ:
- مَجُوسِيَّةٍ.
- ومشركية.
- وإبليسية.
فَالْمَجُوسِيَّةُ:
الَّذِينَ كَذَّبُوا بِقَدَرِ اللَّهِ وَإِنْ آمَنُوا بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ؛
- فَغُلَاتُهُمْ أَنْكَرُوا الْعِلْمَ وَالْكِتَابَ.
-وَمُقْتَصِدُوهُمْ أَنْكَرُوا عُمُومَ مَشِيئَتِهِ وَخَلْقِهِ
وَقُدْرَتِهِ.
وَهَؤُلَاءِ هُمْ
الْمُعْتَزِلَةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ..
وَالْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ: المشركية الَّذِينَ أَقَرُّوا بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ وَأَنْكَرُوا
الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ؛
قَالَ تَعَالَى:
﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا
لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾..
فَمَنْ احْتَجَّ عَلَى تَعْطِيلِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِالْقَدَرِ
فَهُوَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَذَا قَدْ كَثُرَ فِيمَنْ يَدَّعِي الْحَقِيقَةَ مِنْ
الْمُتَصَوِّفَةِ.
وَالْفِرْقَةُ الثَّالِثَةُ: وَهُمْ الإبليسية الَّذِينَ أَقَرُّوا بِالْأَمْرَيْنِ لَكِنْ
جَعَلُوا هَذَا مُتَنَاقِضًا مِنْ الرَّبِّ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وَطَعَنُوا
فِي حِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ كَمَا يُذْكَرُ ذَلِكَ عَنْ إبْلِيسَ مُقَدِّمِهِمْ؛
كَمَا نَقَلَهُ أَهْل الْمَقَالَاتِ، وَنُقِلَ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَالْمَقْصُودُ:
- أَنَّ هَذَا مِمَّا تَقَوَّلَهُ أَهْلُ الضَّلَالِ.
- وَأَمَّا أَهْلُ الْهُدَى وَالْفَلَاحِ:
** فَيُؤْمِنُونَ بِهَذَا وَهَذَا.
** وَيُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ
وَمَلِيكُهُ.
** وَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.
** وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
** وَأَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا.
** وَكُلُّ شَيْءٍ أَحْصَاهُ فِي إمَامٍ مُبِينٍ.
وَيَتَضَمَّنُ هَذَا الْأَصْلُ:
- مِنْ إثْبَاتِ عِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ
وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ.
- وَأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ..
مَا هُوَ مِنْ أُصُولِ الْإِيمَانِ.
وَمَعَ هَذَا فَلَا يُنْكِرُونَ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ
الْأَسْبَابِ الَّتِي يَخْلُقُ بِهَا الْمُسَبِّبَاتِ؛
كَمَا قَالَ تَعَالَى:
﴿حَتَّى إذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا
ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا
بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾.
وَقَالَ تَعَالَى:
﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ
اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾.
وَقَالَ تَعَالَى:
﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا
وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا﴾؛
فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَفْعَلُ بِالْأَسْبَابِ.
وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ يَفْعَلُ عِنْدَهَا لَا بِهَا فَقَدْ خَالَفَ
مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَأَنْكَرَ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ الْقُوَى
وَالطَّبَائِعِ، وَهُوَ شَبِيهٌ بِإِنْكَارِ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ الْقُوَى
الَّتِي فِي الْحَيَوَانِ الَّتِي يَفْعَلُ الْحَيَوَانُ بِهَا مِثْلَ قُدْرَةِ
الْعَبْدِ..
كَمَا أَنَّ مَنْ جَعَلَهَا هِيَ الْمُبْدِعَةَ، لِذَلِكَ فَقَدْ
أَشْرَكَ بِاَللَّهِ وَأَضَافَ فِعْلَهُ إلَى غَيْرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَا مِنْ
سَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ إلَّا وَهُوَ مُفْتَقِرٌ إلَى سَبَبٍ آخَرَ فِي حُصُولِ
مُسَبِّبِهِ، وَلَا بُدّ مِنْ مَانِعٍ يَمْنَعُ مُقْتَضَاهُ إذَا لَمْ يَدْفَعْهُ
اللَّهُ عَنْهُ فَلَيْسَ فِي الْوُجُودِ شَيْءٌ وَاحِدٌ يَسْتَقِلُّ بِفِعْلِ
شَيْءٍ إذَا شَاءَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ..
قَالَ تَعَالَى:
﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا
زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾؛
أَيْ فَتَعْلَمُونَ أَنَّ خَالِقَ الْأَزْوَاجِ وَاحِدٌ..
وَلِهَذَا مَنْ قَالَ: إنَّ اللَّهَ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ إلَّا
وَاحِدٌ - لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ إلَّا وَاحِدٌ - كَانَ جَاهِلًا
فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْوُجُودِ وَاحِدٌ صَدَرَ عَنْهُ وَحْدَهُ شَيْءٌ - لَا
وَاحِدَ وَلَا اثْنَانِ - إلَّا اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا
مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ..
فَالنَّارُ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا حَرَارَةً لَا يَحْصُلُ
الْإِحْرَاقُ إلَّا بِهَا وَبِمَحَلِّ يَقْبَلُ الِاحْتِرَاقَ؛ فَإِذَا وَقَعَتْ
عَلَى السمندل وَالْيَاقُوتِ وَنَحْوِهِمَا لَمْ تُحْرِقْهُمَا.
وَقَدْ يُطْلَى الْجِسْمُ بِمَا يَمْنَعُ إحْرَاقَهُ، وَالشَّمْسُ
الَّتِي يَكُونُ عَنْهَا الشُّعَاعُ لَا بُدَّ مِنْ جِسْمٍ يَقْبَلُ انْعِكَاسَ
الشُّعَاعِ عَلَيْهِ فَإِذَا حَصَلَ حَاجِزٌ مِنْ سَحَابٍ أَوْ سَقْفٍ: لَمْ
يَحْصُلْ الشُّعَاعُ تَحْتَهُ..
وَقَدْ بُسِطَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا:
أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ؛ فَإِنَّ الْإِيمَانَ
بِالْقَدَرِ مِنْ تَمَامِ التَّوْحِيدِ..
كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
- هُوَ نِظَامُ التَّوْحِيدِ فَمَنْ وَحَّدَ اللَّهَ وَآمَنَ
بِالْقَدَرِ تَمَّ تَوْحِيدُهُ.
- وَمَنْ وَحَّدَ اللَّهَ وَكَذَّبَ بِالْقَدَرِ نَقَضَ تَوْحِيدَهُ..
وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِيمَانِ بِالشَّرْعِ وَهُوَ الْإِيمَانُ
بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ كَمَا بَعَثَ اللَّهُ بِذَلِكَ
رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ.