هل فقه الأئمة الأربعة يرجع إلى جعفر الصادق ؟
يزعم الرافضة أن أبا حنيفة رحمه الله تفقه على جعفر الصادق رحمه الله ويروون في ذلك خبرا مكذوبا أنه جلس عنده سنتين وقال لولا السنتان لهلك النعمان.
ثم يزعمون أن مالكا تفقه على أبي حنيفة ، وحيث إن الشافعي أخذ عن مالك وأحمد أخذ عن الشافعي فيكون بهذا فقه أهل السنة كله مرجعه إلى جعفر الصادق رحمهم الله جميعا.
وهنا بعض الوقفات في الرد على ادعاءات الرافضة في هذا المجال :
الوقفة الأولى : أبو حنيفة رحمه الله لم يتفقه على جعفر الصادق رحمه الله ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة في رده على من زعم تفقه أبي حنيفة على جعفر أو على ابنه موسى رحمهما الله (هذا كذب بين فليس في الأئمة الأربعة ولا غيرهم من أئمة الفقهاء من يرجع إليه في فقهه ) وقال أيضا (وجعفر بن محمد هو من أقران أبي حنيفة ولم يكن أبو حنيفة ممن يأخذ عنه مع شهرته بالعلم فكيف يتعلم من موسى بن جعفر ؟ ) اهـ
الوقفة الثانية : مالك رحمه الله لم يأخذ عن أبي حنيفة رحمه الله شيئًا ، بل العكس هو الصحيح فرغم أن أبا حنيفة كان أكبر من مالك بـ 13 أو 15 سنة ، فإن أبا حنيفة هو الذي تتلمذ على مالك ، وقد أثبت بعض الحفاظ أن أبا حنيفة روى عن مالك حديثين ، ومسألة رواية أبي حنيفة عن مالك محل نقاش بين المحدثين ، لكن لم يقل أحد إن مالكا روى عن أبي حنيفة شيئا .
ثم إن القول الراجح عند الحنفية في معظم أبواب الفقه هو قول محمد بن الحسن الشيباني ، حتى إن الحنفية يقدمون قول محمد على قول أبي حنيفة عند الاختلاف ، ومحمد بن الحسن كما هو معلوم هو تلميذ مالك وراوي موطئه ، وهذا يثبت أن أثر مالك على فقه الحنفية أكبر بكثير من أثر أبي حنيفة على فقه المالكية ، لو سلمنا جدلا بوجود شيء من هذا الأثر .
وبهذا تنهدم حجة الرافضي من أساسها ويخر عليه السقف من فوقه ، إذ يتبين أن الأئمة الثلاثة الذين أخذ بعضهم عن بعض ( مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله ) لم يأخذوا عن أبي حنيفة رحمه الله ، الذي يزعم الرافضة أنه تفقه على جعفر الصادق .
الوقفة الثالثة : المذاهب الثلاثة ( المالكي والشافعي والحنبلي ) معروف أنها مدرسة مستقلة في الفقه يعرف أصحابها بأهل الحديث ، بخلاف المذهب الحنفي فهو مدرسة أخرى في الفقه يعرف أصحابها بأهل الرأي ، وهذا يؤيد عدم أخذ الأئمة مالك والشافعي وأحمد عن أبي حنيفة .
بل الإمام أحمد بالذات كان له موقف شديد من أبي حنيفة ، وكان يحذر أصحابه منه بسبب الاختلاف في بعض مسائل الاعتقاد ، مما يؤكد أن المذهب الحنبلي ليس مأخوذا عن أبي حنيفة .
الوقفة الرابعة : لو سلمنا جدلا أن المذاهب الأربعة مأخوذة عن جعفر الصادق ، فهذا في الحقيقة حجة على الرافضي لا له ، لأن ما رواه الأئمة الأربعة حينئذ من فقه جعفر الصادق مباين لما ينسبه الرافضة إليه ، والأئمة الأربعة عند أهل السنة بلا شك أوثق وأجل من الرافضة الذين يروون عن جعفر ، وعليه فلو أراد السني أن يكون جعفري الفقه فما عليه إلا أن يتبع أحد المذاهب السنية الأربعة لأنها مأخوذة عن جعفر الصادق ! وهذا عكس ما يريده الرافضي الخبيث .
الوقفة الخامسة : بخصوص قولهم قرأ أبو حنيفة على جعفر ، إذا كانوا يعنون أنه قرأ عليه القرآن فليس بصحيح إذ شيوخ أبي حنيفة في القرآن هم الأعمش وعاصم وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، فقد قرأ أبو حنيفة ختمة على كل منهم ، كما ذكر ابن الجزري وغيره ، ولم ينقل أن أبا حنيفة قرأ القرآن على جعفر الصادق . وإنما قرأ حمزة بن حبيب الزيات أحد القراء السبعة القرآن على عدد من الشيوخ ، منهم جعفر الصادق رحمه الله .
الوقفة السادسة : مما لا يحتاج إلى تأكيد أننا _ أهل السنة _ نجلّ جعفرًا الصادق ونبجله ونعرف له فضله وحرمته ، كعالم من علماء المسلمين ، وكإمام من آل بيت نبينا ، لكن لا نقول كما تدعي الرافضة أن كل علوم الإسلام من قرآن وحديث وفقه مردها إلى جعفر فهذا من غلوهم المذموم قبحهم الله .
هذا وتواريخ ميلاد ووفاة الأئمة الأربعة رحمهم الله هي كما يلي : (1) الإمام أبو حنيفة ولد سنة ثمانين ، وتوفى سنة خمسين و مئة هـ (2) الإمام مالك ولد سنة ثلاث وتسعين أو خمس وتسعين ومات سنة تسع و سبعين ومئة هـ (3) الإمام الشافعي ولد سنة خمسين و مئة ، وتوفى سنة مئتين وأربع هـ (4)الإمام أحمد بن حنبل ولد سنة أربع وستين و مئة ، وتوفى سنة إحدى وأربعين ومئتين هـ .
|