فضائل شعبان الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد. – عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال ﷺ «إذا كان ليلة النصف من شعبان اطَّلَع الله إلى خلقه فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يَدَعوه» حديث حَسَن رواه الطبراني والبيهقي وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع (771). – وعن معاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال ﷺ «إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن» رواه ابن ماجه وابن حبان وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع (819). – في هذين الحديثين الشريفين: أن الله تعالى يَطَّلع إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فينظر إليهم نظر رحمة، وجاء في حديث عائشة رضي الله عنها عند أحمد والترمذي والنسائي أنه سبحانه «ينزل إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان»؛ وهو يفسر قوله ﷺ في الحديث الذي معنا «يطلع إلى خلقه». فيغفر للمؤمنين: أي: لجميع المسلمين ما عدا مَنْ كان في قلبه غل وحقد على مسلم، وهو المشاحن: أي المعادي لمسلم صالح بغير عذر شرعي يبيح معاداته ، ولا يدخل في الوعيد مَنْ كان يبغض الفُسَّاق والعصاة لأجل فسقهم ومعصيتهم؛ لأن هذا البُغض هو البغض في الله وهو أوثق عرى الإيمان كما جاء في حديث ابن عباس وغيره رضي الله عنه- قال ﷺ «أوثق عرى الإيمان؛ الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله» أحمد والطبراني والحاكم (صحيح الجامع 2539). ثم إن العاصي قد يُحَبُّ من وَجه ويُبْغَض من وجه، وهذا إذا كان قد جمع بين طاعة ومعصية فهو يُحَبُّ لطاعته ويُبْغَضُ لمعصيته، وأما الكافر فَيُبْغَض من كل وجه. والخلاصة؛ أن المؤمن عليه أن يُسارع قبل ليلة النصف من شعبان بمصالحة إخوانه المسلمين الذين هجرهم أو خاصمهم، وعليه أن يُطَهِّر قلبه من الغِلِّ والحقد ويملأه بالمودة والرحمة للمسلمين. ويملي للكافرين: أي: يمهلهم فلا يغفر لهم، ولا يغفر كذلك لأهل الحقد حتى يتركوا حقدهم. – وهذا الفضل لليلة النصف من شعبان لا يعني أنها تُخَصُّ بصلاة معينة أو يُخَصُّ نهارها بصيام معين أو عبادة معينة، بل هي في ذلك كبقية ليالي شعبان، وقد كان النبي ﷺ يجتهد في العبادة في شعبان عموماً من غير تخصيص ليلة النصف بعبادة خاصة. وإنما المطلوب من المسلم لينال المغفرة في ليلة النصف من شعبان شيئان؛ وهما: 1- اجتناب الشرك بجميع أنواعه؛ ومنه الرياء والحلف بغير الله. 2- اجتناب الشحناء والحقد والمسارعة إلى مصالحة مَنْ بينك وبينه خصومة من المسلمين. فعلينا أن نبادر إلى الصلح والتسامح فيما بيننا؛ قال الله تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}[النساء:128]. وقال تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}[النساء:114]. وقال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الحجرات:9]. وقد بيّن النبي ﷺ منزلة إصلاح ذات البيْن؛ – فعن أبي الدرداء ﭬ قال ﷺ «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البيْن، وفساد ذات البين هي الحالقة» رواه أحمد وأبو داود والترمذي صحيح (صحيح الجامع 2595)، وفي لفظ «لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين» {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}[الأنفال:1]. وقد حذَّر النبي ﷺ من هجران المسلم لأخيه المسلم: – فعن أبي خراش السلمي رضي الله عنه قال ﷺ: «مَنْ هَجَرَ أخاه سنة كان كسفك دمه» رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي والألباني (صحيح الجامع 6581). – وعن أبي أيوب رضي الله عنه قال ﷺ: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» رواه البخاري ومسلم. لكن دلت النصوص الأخرى على أنه يجوز أن تهجر أهل الفسق والعصيان أكثر من ثلاث ليال؛ إما على سبيل التأديب لهم، وإما خوفاً على نفسك وعلى دينك من جلساء السوء أن يفتنوك؛ فحينئذٍ تفر منهم فرارك من الأسد ومن المجذوم لأنهم كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً منتنة. وقد كان أصحاب النبي ﷺ قدوة في التصالح والتسامح إذا أوقع الشيطان بينهم شيئاً من الغضب. – فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: بينما كنت جالساً عند النبي ﷺ إذ أقبل أبو بكر رضي الله عنه آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه فقال النبي ﷺ: «أما صاحبكم فقد غامر» فسلم وقال: يا رسول الله! إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعتُ إليه ثم ندمتُ! فسألته أن يغفر لي، فأبى عليّ! فأقبلتُ إليك… فقال: «يغفر الله لك يا أبا بكر؛ ثلاثاً». ثم إن عمر رضي الله عنه ندم، فأتى منزل أبي بكر، فسأل: أثمَّ أبو بكر؟ فقالوا: لا. فأتى إلى النبي ﷺ، فجعل وجه النبي ﷺ يتمعّر! حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه! فقال: (يا رسول الله! والله أنا كنت أظلم)؛ مرتين. فقال النبي ﷺ: «إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبتَ! وقال أبو بكر: صدق.. وواساني بنفسه وماله، فل أنتم تاركوا لي صاحبي» مرتين.. فما أوذي بعدها. رواه البخاري. – وهذا أبو دجانة رضي الله عنه دخلوا عليه في مرضه ووجهه يتهلل! فقالوا له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: (ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنين: كنت لا أتكلم فيهما لا يعنيني، وكان قلبي للمسلمين سليماً). – لقد كان النبي ﷺ يُوصي بعدم الغفلة عن شهر شعبان وكان يُكثر ﷺ من الصيام فيه لأنه تُرفع فيه أعمال السنة إلى الله تعالى كما تُرفع أعمال الأسبوع يوم الاثنين والخميس. عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: “يا رسول الله ﷺ! إنك تصوم لا تكاد تفطر، وتفطر لا تكاد أن تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما”، قال: «أي يومين؟» قال: يوم الاثنين ويوم الخميس، قال: «ذانك يومان تُعرَض فيهما الأعمال على رب العالمين، وأحب أن يُعرَض عملي وأنا صائم»، قال: “ولم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان”، قال: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر تُرفَع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم». رواه أحمد والنسائي والبيهقي وحسَّنه الألباني، أنظر صحيح الجامع 3711. إلا أنه ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) وفسره أهل العلم بأن المراد به أن من أراد أن يصوم صوما مستحبا في النصف الثاني من شعبان فعليه أن يصوم شيئا من نصفه الأول ، وكذلك نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين وهذا أيضا نهي عن صيام يوم أو يومين قبل رمضان قاصدا الاحتياط لرمضان ، أما الصوم الواجب كقضاء أيام من رمضان الفائت فيصام ولو في آخر شعبان – و نوصي مَنْ كان عليه أو عليها صيام من رمضان السابق أن يبادروا إلى صيامه في شعبان قبل أن يدخل عليهم رمضان. قال بعض السلف: “رجب شهر الزرع وشعبان السقي ورمضان الحصاد، وكان بعض السلف يسمي شعبان شهر القراء لإقبال القراء على مدارسة القرآن وتلاوته استعدادا للقيام به في رمضان اللهم بلِّغنا رمضان وأَعِنَّا فيه على الصيام والقيام وصالح الأعمال. وكتبه وليد بن إدريس المنيسي |