صفحة جديدة 2
والإيمان بالقدر خيره وشره، حلوه ومُرّه، وكل ذلك قد قَدّره الله
ربنا، ومقادير الأمور بيده ومصدرها عن قضائه، علم كل شيء قبل كونه فجرى على قدره،
لا يكون من عباده قول ولا عمل إلا وقد قضاه وسبق علمه به، ألا يعلم مَنْ خلق وهو
اللطيف الخبير.
﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ
اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾[الملك:14]
يضل مَنْ يشاء فيخذله بعدله، ويهدي مَنْ يشاء فيُوَفّقه بفضله،
فكلٌّ مُيَسّر بتيسيره إلى ما سبق من علمه وقدره من شقي أو سعيد، تعالى الله أن
يكون في مُلكه ما لا يريد، ولا يكون لأحد عنه غنى، أو يكون خالقاً لكل شيء، ألا هو
رب العباد ورب أعمالهم، والْمُقَدّر لحركاتهم وآجالهم..
الباعث الرسل إليهم لإقامة الحجة عليهم، ثم ختم الرسالة والنذارة
والنبوة بمحمد نبيّه صلى الله عليه وسلم، فجعله آخر المرسلين بشيراً ونذيراً،
وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وأنزل عليه كتابه الحكيم وشرح به دينه
القويم، وهدى به الصراط المستقيم..
وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث مَنْ يموت كما بدأهم
يعودون، وأن الله سبحانه ضاعف لعباده المؤمنين الحسنات، وصفح لهم بالتوبة عن كبائر
السيئات، وغفر لهم الصغائر باجتناب الكبائر، وجعل مَنْ لم يتب من الكبائر صائراً
إلى مشيئته..
إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ومَنْ عاقبه
بناره أخرجه منها بإيمانه فأدخله به جنته، فمَنْ يعمل مثقال ذرة خيراً يره،
ويُخْرِج منها بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم مَنْ شفع له من أهل الكبائر من
أمته..
وأن الله سبحانه قد خلق الجنة فأعدها دار خلود لأوليائه، وأكرمهم
فيها بالنظر إلى وجهه الكريم، وهي التي أهبط منها آدم نبيّه وخليفته إلى أرضه بما
سبق في سابق علمه.
وخلق النار فأعدّها دار خلود لِمَنْ كَفَرَ به، وألحد في آياته
وكتبه ورسله، وجعلهم محجوبين عن رؤيته، وأن الله تبارك وتعالى يجئ يوم القيامة
والملك صفاً صفاً لعرض الأمم وحسابها وعقوبتها وثوابها..
وتوضع الموازين لوزن أعمال العباد؛ فمَنْ ثقلت موازينه فأولئك هم
المفلحون، ويؤتون صحائفهم بأعمالهم، فمَنْ أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً
يسيراً، ومَنْ أُوتي كتابه وراء ظهره فأولئك يُصْلَون سعيراً..
وأن الصراط حقٌ، يجوزه العباد بقدر أعمالهم؛ فناجون متفاوتون في
سرعة النجاة عليه من نار جهنم، وقوم أوبقتهم فيها أعمالهم.
والإيمان بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ترده أمته، لا يظمأ
مَنْ شَرِبَ منه ويُذاد عنه مَنْ بَدّلَ وَغَيّرَ.
وأن الإيمان: قولٌ باللسان، وإخلاصٌ بالقلب، وعَمَلٌ بالجوارح، يزيد
بزيادة الأعمال وينقص بنقصها فيكون فيها النقص، ولا يَكْمُل قَوْل الإيمان إلا
بالعمل، ولا قولٌ وعَمَلٌ إلا بنيّة، ولا قول وعمل ونية إلا بموافقة السُّنة.