صفحة جديدة 3
هُو الَّذي يُروى على أوجهٍ مُخْتلفةٍ مُتَقَاربة، فإن رُجِّحت إحدى الرِّوايتين
بحَفْظ راويها، أو كثرةِ صُحْبته المَرْوي عنه، أو غير ذلك، فالحُكم للرَّاجحة، ولا
يَكُون مُضْطربًا، والاضْطراب يُوجِب ضَعْف الحديث لإشْعَاره بعدم الضَّبط، ويقع في
الإسْنَاد تارةً، وفي المَتْن أُخرى، وفيهما من رَاوٍ أو جَمَاعة
اختُلف فيه على إسماعيل اختلافًا كثيرًا
فرواهُ بِشْر بن المُفضَّل وروح بن القَاسم عنه هكذا.
ورواه سُفيان الثَّوري عنهُ عن أبي عَمرو بن حُريث، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرة.
ورواهُ حُميد بن الأسْود عنه، عن أبي عَمرو بن محمَّد بن عَمرو، عن جدِّه حُريث بن
سُليم، عن أبي هُرَيْرة.
ورواهُ وُهيب بن خالد وعبد الوارث عنهُ، عن أبي عَمرو بن حُريث، عن جده حُريث.
ورواه ابن جُريج عنه، عن حُريث بن عمَّار، عن أبي هُرَيْرة.
النَّوع العِشْرُون: المُدْرج
هو أقْسَامٌ:
أحدُهَا: مُدْرجٌ في حديث النَّبي صلى الله عليه وسلم، بأن يذكر الرَّاوي عُقَيْبهُ
كلامًا لنفسهِ، أو لغَيْرهِ، فيرويهِ مَنْ بَعْدهُ مُتَّصلاً فيُتَوهَّمُ أنَّهُ من
الحديث.
وفي الصَّحيح عن أبي هُرَيْرة مرفُوعًا: «للعَبْد المَمْلُوكِ أجْران»؛ والَّذي
نفسي بيده لَوْلا الجِهَاد في سبيل الله، والحج، وبر أمِّي، لأحببتُ أن أموتَ وأنا
مَمْلُوك.
وكذا حديث ابن مَسْعود رفعهُ: «من مَاتَ لا يُشْرك بالله شيئًا دخلَ الجَنَّة، ومن
ماتَ يُشْرك بالله شيئًا دخلَ النَّار». ففي رِوَاية أُخرى: قال النَّبي صلى الله
عليه وسلم كلمة، وقلتُ أنا أُخرى، فذكرهما.
مثاله: ما رواه الخطيب من رواية أبي قَطَن وشَبَابة، فرَّقهما عن شعبة، عن محمَّد
بن زياد، عن أبي هُرَيْرة قال: قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم «أسبغُوا
الوضُوء، ويلٌ للأعْقَاب من النَّار»
والثَّاني: أن يَكُون عندهُ مَتْنانِ بإسْنَادين فيرويهمَا بأحدهمَا.
مثالُ ذلك حديث رواهُ سعيد بن أبي مريم، عن مالك، عن الزُّهْري، عن أنس أنَّ رَسُول
الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَبَاغضُوا، ولا تَحَاسَدُوا، ولا تَدَابرُوا،
ولا تَنَافَسُوا...» الحديث
فقوله: ولا تنافَسُوا، مُدْرج، أدرجهُ ابن أبي مريم من حديث آخر لمالك، عن أبي
الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هُرَيْرة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم : «إيَّاكم
والظَّن، فإنَّ الظَّن أكْذَب الحديث، ولا تَجَسَّسوا، ولا تنافَسُوا، ولا
تحاسَدُوا».
وكِلاَ الحديثين مُتَّفق عليه من طريق مالك، وليسَ في الأوَّل: ولا تنافَسُوا، وهي
في الثاني، وهكذا الحديثان عند رُواة الموطأ.
الثَّالث: أن يَسْمع حَدِيثًا من جَمَاعة مُخْتلفين في إسْنَاده، أو مَتْنه،
فيَرْويه عنهم باتِّفَاق.
ومثال اخْتلاف السَّند حديث التِّرمذي عن بُنْدار، عن ابن مَهْدي، عن سُفيان
الثَّوري، عن واصل ومنصُور والأعْمَش، عن أبي وائل، عن عَمْرو بن شُرَحْبيل، عن عبد
الله قال: قلتُ يا رَسُول الله أي الذَّنب أعْظم؟... الحديث
وكلُّهُ حرامٌ، وصَنَّف فيه الخَطيبُ كِتَابًا شَفَى وكَفَى.
النَّوع الحَادي والعِشْرُون: المَوْضُوع
هو المُخْتلَق المَصْنُوع، وشَرُّ الضَّعيف، وتَحْرُم رِوَايته مع العِلْم به في أي
معنى كان، إلاَّ مُبيَّنًا، ويُعْرف الوضعُ بإقْرَار واضعه أو مَعَنى إقْرَاره
لحديث مسلم: «من حَدَّثَ عنِّي بحديثٍ يَرَى أنَّه كَذِبٌ فهو أحدُ الكذّابين».
وروى ابن حبَّان في «الضعفاء» عن ابن مهدي قال: قلتُ لميسرة بن عبد ربِّه: من أين
جئت بهذه الأحاديث: مَنْ قرأ كذا فَلَه كذا؟ قال: وضعتها أُرغِّبُ النَّاس فيها.
ومن أمثلة ما وُضع حِسْبة ما رواهُ الحاكم بِسَنده إلى أبي عَمَّار المَرْزوي،
أنَّه قيلَ لأبي عِصْمة نُوح بن أبي مَرْيم: من أينَ لكَ: عن عِكْرمة، عن ابن
عبَّاس في فضائل القرآن سُورة سُورة، وليسَ عندَ أصحاب عِكْرمة هذا؟ قال: إنِّي
رأيتُ النَّاس قد أعرضُوا عن القُرآن واشتغلُوا بفقه أبي حنيفة ومَغَازي ابن
إسْحَاق، فوضعتُ هذا الحديث حِسْبة.
وكان يُقَال لأبي عِصْمة هذا: نُوحٌ الجَامع، قال ابن حبَّان: جمعَ كل شيء إلاَّ
الصِّدق.
أو مَعَنى إقْرَاره
كأن يُحدِّث بحديث عن شَيْخٍ، ويسأل عن مولده، فيذكُر تاريخًا يعلمُ وفَاة ذلك
الشَّيخ قبلهُ، ولا يُعرف ذلك الحديث إلاَّ عندهُ، فهذا لم يعترف بوضعه، ولكن
اعْترافه بوقتِ مَوْلده يتنزَّل مَنْزلة إقْرَاره بالوضع، لأنَّ ذلك الحديث لا
يُعرف إلاَّ عن ذلك الشَّيخ، ولا يعرف إلاَّ برواية هذا عنه