صفحة جديدة 1
أو قرينة في الرَّاوي، أو المَرْوي، فقد وُضِعَت أحاديث يَشْهد بوَضْعها رَكَاكة
لفْظْها ومَعَانيها.
وقال ابن الجَوْزي: الحديث المُنْكر يَقْشعر لهُ جلد الطَّالب للعلم، وينفرُ منهُ
قلبه في الغالب.
وقال البُلْقيني: وشاهد هذا أنَّ إنْسَانًا لو خدمَ إنسانًا سنينَ، وعرف ما يُحب
وما يكره، فادَّعى إنسان أنَّه كان يكره شيئاً، يعلم ذلك أنَّه يُحبه، فبمجرد
سَمَاعه يُبادر إلى تَكْذيبه.
وقال شيخُ الإسلام: المَدَار في الرِّكة على رِكَة المعنى، فحيثُما وُجِدتْ دلَّ
على الوضع، وإن لم ينضم إليه ركة اللفظ، لأنَّ هذا الدِّين كله محاسن، والرِّكة
ترجع إلى الرَّداءة.
وقال: أمَّا رَكَاكة اللَّفظ فقط، فلا تدل على ذلك، لاحتمال أن يَكُون رواهُ
بالمعنى، فغيَّر ألفاظهُ بغير فصحيح، ثمَّ إن صرَّح بأنَّه من لَفْظ النَّبي صلى
الله عليه وسلم فكاذب.
قال: ومِمَّا يدخل في قرينة حال المَرْوي ما نُقل عن الخَطِيب، عن أبي بكر بن
الطَّيب: أنَّ من جُمْلة دلائل الوَضْع أن يَكُون مُخَالفًا للعقل، بحيث لا يقبل
التأويل، ويلتحق به ما يدفعهُ الحس والمُشَاهدة، أو يَكُون مُنَافيًا لدلالة الكتاب
القَطْعية، أو السُّنة المُتواترة، أو الإجماع القَطْعي، أمَّا المُعَارضة مع
إمْكَان الجَمْع فلا.
ومن أمْثلةِ ما دلَّ على وَضْعهِ قرينة في الرَّاوي، ما أسندهُ الحاكم، عن سيف بن
عُمر التَّميمي، قال: كنتُ عند سَعْد بن طريف، فجَاء ابنهُ من الكُتَّاب يبكي،
فقال: ما لك؟ قال: ضَرَبَني المُعلِّم. قال: لأُخزينهم اليوم، حدَّثني عكرمة، عن
ابن عبَّاس مرفوعًا: «معلمُوا صِبْيانكم شِرَاركُم، أقلهُم رحمة لليتيم، وأغْلظهُم
على المِسْكين».
وقيل لمأمون بن أحمد الهَرَوي: ألا تَرَى إلى الشَّافعي ومَنْ تَبِعهُ بخُرَاسان،
فقال: حدَّثنا أحمد بن عبد الله، حدَّثنا عُبيد الله بن معدان الأزدي، عن أنس
مرفوعًا: «يَكُون في أمَّتي رجُل يقال له محمَّد بن إدريس، أضَر على أمَّتي من
إبليس، ويَكُون في أمَّتي رجُل يقال له أبو حنيفة، هو سِرَاج أمَّتي».
ومن المُخَالف للعقل ما رواه ابن الجَوْزي من طريق عبد الرَّحمن بن زيد بن أسْلم،
عن أبيه، عن جدِّه مرفوعًا: أنَّ سفينة نوح طافت بالبيت سبعًا، وصلَّت عند المُقَام
ركعتين.
وقد أكثرَ جامع المَوْضُوعات في نحو مُجَلدين، أعني أبا الفَرَج بن الجَوْزي، فذكر
كثيرًا مِمَّا لا دليل على وَضْعهِ، بل هو ضعيفٌ
قال الذَّهبي: ربما ذكر ابن الجوزي في «الموضُوعات» أحاديث حِسَانًا قوية.
وقال شيخُ الإسْلام: غالب ما في كِتَاب ابن الجوزي موضوع، والذي يُنتقد عليه
بالنسبة إلى ما لا يُنتقد قليل جدًّا.
قال: وفيه من الضَّرر أن يُظَنّ ما ليس بموضوع موضُوعًا، عكس الضَّرر «بمستدرك»
الحاكم؛ فإنَّه يُظَنّ ما ليسَ بصحيح صحيحًا.
قال: ويتعيَّن الاعتناء بانتقاد الكِتَابين، فإنَّ الكلام في تساهلهما أعدم
الانتفاع بهمَا، إلاَّ لعالم بالفنِّ، لأنَّه ما من حديث إلاَّ ويمكن أن يَكُون قد
وقع فيه تساهل.
والوَاضعونَ أقْسامٌ، أعظمهُم ضررًا قومٌ يُنسَبون إلى الزُّهد، وضَعُوهُ حِسْبة في
زَعْمهم، فقُبلت موضُوعَاتهم ثِقةً بهم
وروى ابن حبَّان في «الضعفاء» عن ابن مهدي قال: قلتُ لميسرة بن عبد ربِّه: من أين
جئت بهذه الأحاديث: من قرأ كذا فله كذا؟ قال وضعتها أُرغِّبُ النَّاس فيها(650)،
وكان غُلامًا جليلاً يتزهَّد، ويَهْجُر شهوات الدُّنيا، وغُلِّقت أسواقُ بغداد
لموته، ومع ذلك كان يضع الحديث، وقيل له عند موته: حسن ظنَّك؟ قال: كيف لا، وقد
وضعتُ في فَضْلِ عليِّ سبعينَ حديثًا.
وكان أبو داود النَّخعي أطْول النَّاس قيامًا بليل، وأكثرهم صيامًا بنهار، وكان
يضع.
وجوَّزت الكَرَامية الوضع في التَّرغيب والتَّرهيب.
وقال بعضهم: إنَّما نكذبُ له لا عليه
وقال محمَّد بن سعيد المَصْلُوب الكذَّاب الوضَّاع: لا بأس إذَا كان كلام حسن أن
يضعَ لهُ إسنادًا.
وقال بعض أهل الرَّأي فيما حكاهُ القُرْطبي: ما وافقَ القِيَاس الجلي جازَ أن يُعزى
إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم.
وهو خِلافُ إجْمَاع المُسْلمين الَّذين يُعتدُّ بهم، ووضَعت الزَّنادقة جُملاً،
فبيَّن جَهابذة الحديث أَمْرَهَا، ولله الحمدُ
عبد الكريم بن أبي العَوْجَاء الَّذي قُتلَ وصُلب في زمن المَهْدي، قال ابن عَدِي:
لمَّا أُخِذ ليُضْرب عُنقه قال: وضعتُ فيكُم أربعة آلاف حديث، أحرِّم فيها الحلال،
وأحلِّ الحرام.
ومنهم قسمٌ يضعُون انتصارًا لمَذْهبهم، كالخطَّابية، والرَّافضة، وقومٌ من
السَّالمية.
وقِسْمٌ تقرَّبوا لبعض الخُلفاء والأُمراء بوضع ما يُوافق فِعْلهم وآراءهم، كغِيَاث
بن إبراهيم، حيثُ وَضَع للمهدي في حديث: «لا سَبْق إلاَّ في نَصْلٍ أو خُفِّ أو
حَافرٍ»(658). فزادَ فيه: أو جناح. وكان المهدي إذ ذاكَ يلعبُ بالحَمَام، فتركهَا
وأَمَر بذبحها وقال: أنَا حملتهُ على ذلكَ، وذكرَ أنَّه لمَّا قام قال: أشهدُ أن
قفاكَ قفا كذاب. أسندهُ الحاكم.
وأسند عن هارون بن أبي عُبيد الله، عن أبيه قال: قال المَهْدي ألاَّ ترى ما يَقُول
لي مُقَاتل؟ قال: إن شئتَ وضعت لكَ أحاديث في العبَّاس؟ قلتُ: لا حَاجة لي فيها.
وَضَرْبٌ كانُوا يتكسَّبُون بذلكَ ويرتزقُون به في قصصهم، كأبي سعيد المَدَائني.
وضربٌ امتُحنُوا بأولادهم، أو ربائب، أو ورَّاقين، فوضعوا لهم أحاديث، ودَسُّوها
عليهم، فحدَّثُوا بها من غير أن يَشْعرُوا، كعبد الله بن محمَّد بن ربيعة القدامي،
وكحمَّاد بن سلمة ابْتُلى بربيبه ابن أبي العَوْجَاء.
وربَّما أسْندَ الواضعُ كلامًا لنفسهِ، أو لبعضِ الحُكَماء، ورُبَّما وقعَ في
شِبْهِ الوَضْعِ بغيرِ قَصْدٍ.
وقال ابن حبَّان: إنَّما هو قول شَريك، فإنَّه قاله عقب حديث الأعمش، عن أبي
سُفيان، عن جابر: «يَعقد الشَّيطان على قَافيةِ رأسِ أحدكُم». فأدرجهُ ثابت في
الخبر، ثمَّ سَرَقهُ منهُ جماعة من الضُّعفاء وحَدَّثوا به عن شَريك، كعبد الحميد
بن بجر، وعبد الله بن شبرمة، وإسحاق بن بِشْر الكاهلي وجَمَاعة آخرين.
ومن الموضُوع الحديث المَرْوي عن أُبيِّ بن كَعْب في فَضْلِ القرآن سُورة سُورة،
وقد أخْطَأ مَنْ ذَكَرهُ من المُفسِّرين.
فروينَا عن المُؤمل بن إسْمَاعيل قال: حدَّثني شيخ به، فقلتُ للشَّيخ: مَنْ
حدَّثكَ؟ فقال: حدَّثني رَجُل بالمدائن، وهو حيٌّ، فصرتُ إليه فقلتُ: مَنْ حَدَّثك
به؟ فقال: حدَّثني شيخ بواسط، وهو حي، فصرتُ إليه، فقال: حدَّثني شيخ بالبَصْرة،
فصرتُ إليه فقال: حدَّثني شيخٌ بعبادان، فصرتُ إليه، فأخذَ بيدي فأدْخلني بيتًا،
فإذا فيه قومٌ من المتصوفة ومعهم شيخ، فقال: هذا الشَّيخ حدَّثني، فقلتُ: يا شيخ
مَنْ حدَّثك؟ فقال: لم يُحدِّثني أحد، ولكنَّا رأينا النَّاس قد رَغبُوا عن القرآن،
فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن..
وقد أخطأ من ذكرهُ من المُفسِّرين..
في تفسيره، كالثَّعلبي، والواحدي، والزَّمخشري، والبَيْضَاوي.
النَّوع الثَّاني والعِشْرون: المَقْلُوب
هو نَحْو حديثٍ مَشْهُور عن سَالمٍ، جُعِلَ عن نافع ليُرْغَبَ فيه، وقلَبَ أهل
بغداد على البُخَاري مِئة حديث امتحانًا، فردَّها على وجُوهها، فأذْعنُوا
بِفَضْلهِ.
وذلك فيما رواهُ الخطيب: حدَّثني محمَّد بن أبي الحسن السَّاحلي، أخبرنا أحمد بن
حسن الرَّازي، سمعت أبا أحمد بن عَدِي يقول: سمعتُ عدَّة مشايخ يحكُون: أنَّ محمَّد
بن إسماعيل البُخَاري قَدِمَ بغداد، فسمعَ به أصحاب الحديث، فاجتمعُوا وعمدُوا إلى
مائة حديث، فقلبُوا مُتونها وأسَانيدها، وجعلُوا متن هذا الإسْنَاد لإسْنَاد آخر،
وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوهُ إلى عَشْرة أنفس، إلى كلِّ رجل عشرة، وأَمَروهم
إذا حضرُوا المَجْلس يُلْقون ذلك على البُخَاري، وأخذوا الوعد للمجلس، فَحَضَر
المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغُرَباء، من أهل خُرَاسان وغيرهم من البغداديين،
فلمَّا اطمأن المجلس بأهله، انتدب إليه رَجُل من العشرة، فسألهُ عن حديث من تلك
الأحاديث، فقال البُخَاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه، فما زال يُلْقي
عليه واحدًا بعد واحد، حتَّى فرغَ من عشرته، والبُخَاري يَقُول: لا أعرفه، فكان
الفُهماء مِمَّن حضرَ المَجْلس يلتفتُ بعضهم إلى بعض ويقولُون: الرَّجُل فَهِم،
ومَنْ كان منهم غير ذلك يقضي على البُخَاري بالعَجْزِ والتَّقصير وقِلَّة الفهم،
ثمَّ انتدبَ إليه رَجُل آخر من العَشْرة، فسَألهُ عن حديثٍ من تلكَ الأحاديث
المقلُوبة، فقال البُخَاري: لا أعرفهُ، فلم يَزَل يُلقي إليه واحدًا بعد واحد،
حتَّى فرغ من عَشرته، والبُخَاري يقول: لا أعرفهُ، ثمَّ انتدبَ إليه الثَّالث
والرابع، إلى تمام العَشْرة، حتَّى فرغُوا كلهم من الأحاديث المقلُوبة، والبُخَاري
لا يَزيدهُم على: لا أعرفه، فلمَّا عَلم البُخَاري أنَّهم قد فرغُوا، التفتَ إلى
الأوَّل منهم فقال: أمَّا حديثكَ الأوَّل فهو كذا، وحديثك الثَّاني فهو كذا،
والثالث والرابع على الولاء، حتَّى أتى على تَمَامِ العَشْرة، فردَّ كل مَتْن إلى
إسْنَاده، وكل إسْنَاد إلى متنهِ، وفعل بالآخرين مثلَ ذلك وردَّ مُتُون الأحاديث
كلها إلى أسَانيدها وأسَانيدها إلى مُتُونها، فأقرَّ له النَّاس بالحِفْظ،
وأذْعنُوا له بالفَضْل.
قال العِرَاقي: في جَوَاز هذا الفعل نَظَر؛ لأنَّه إذَا فعلهُ أهل الحديث لا
يَسْتقر حديثًا.
وقد أنكر حرمي على شُعبة لما قلبَ أحاديث على أبان بن أبي عيَّاش وقال: يا بئسَ ما
صنع، وهذا يحل؟
وفي المتن بحديث مُسلم في السَّبعة الَّذين يُظلهم الله: «ورجل تصدَّق بِصَدقة
أخفَاهَا، حتَّى لا تعلم يمينهُ ما تُنْفق شِمَالهُ». قال: فهذا مِمَّا انقلبَ على
أحد الرُّواة، وإنَّما هو: «حتَّى لا تعلم شِمَاله ما تُنْفق يمينهُ». كما في
«الصَّحيحين».
فرعٌ: إذَا رأيت حديثًا بإسْنادٍ ضعيف فَلَكَ أن تَقُول: هو ضعيفٌ بهذا الإسْنَاد،
ولا تَقُل: ضعيفُ المَتْن لمُجَرَّد ضعف ذلكَ الإسْناد، إلاَّ أن يَقُول إمامٌ:
إنَّه لم يُرْو من وجْهٍ صحيح، أو إنَّه حديثٌ ضعيف، مُفسِّرًا ضَعْفه، فإن أطلقَ
ففيه كلامٌ يأتي قريبًا.
وإذَا أردتَ رِوَايةَ الضَّعيف بغير إسْنادٍ فلا تَقُل: قال رَسُول الله صلى الله
عليه وسلم كذا، وما أشبههُ من الجَزْم، بل قُل: رُوي كذا، أو بلغنا كذا، أو وَرَدَ،
أو جَاء، أو نُقلَ، وما أشْبَههُ، وكذا تقول في ما تَشُك في صِحَّته، ويَجُوز عِنْد
أهل الحديث وغيرهم التَّساهُل في الأسَانيد، ورِوَاية ما سِوَى الموضُوع من
الضَّعيف، والعمل به من غير بَيَان ضَعْفه، في غير صِفَات الله تعالى، والأحْكَام،
كالحَلالِ والحَرَام، ومِمَّا لا تعلُّق له بالعَقَائد والأحْكَام، والله أعلم.
ومِمَّا نُقل عنه ذلك ابن حنبل، وابن مَهْدي، وابن المُبَارك، قالُوا: إذَا روينا
في الحلال والحرام شَدَّدنا، وإذا روينَا في الفَضَائل ونحوها تساهلنا
لم يذكُر ابن الصَّلاح والمُصنِّف هُنَا، وفي سائر كُتبه لما ذكر سِوَى هذا
الشَّرط، وهو كونهُ في الفَضَائل ونحوها، وذكر شيخُ الإسْلام له ثلاثة شروط:
أحدها: أن يَكُون الضَّعف غير شديد، فيَخْرُج من انفرد من الكذَّابين والمُتَّهمين
بالكذب، ومَنْ فَحُش غلطه، نقل العلائي الاتفاق عليه.
الثاني: أن يَنْدرج تحت أصل مَعْمُول به.
الثَّالث: أن لا يعتقد عند العَمَل به ثُبوته، بل يعتقد الاحتياط.
النَّوع الثَّالث والعِشْرُون: صِفَة مَنْ تُقبل رِوَايته وما يتعلقُ به
وفيه مسائل:
إحْدَاها: أجمعَ الجَمَاهير من أئمة الحديث والفِقْه، أنَّه يُشْترطُ فيه أن يَكُون
عدلاً ضابطًا، بأن يَكُون مُسْلمًا، بالغًا، عَاقلاً، سَليمًا من أسْبَاب الفِسْق،
وخَوَارم المروءة مُتيقِّظًا حافظًا إنْ حدَّثَ من حِفْظه، ضَابطًا لكتابهِ إنْ
حدَّث منهُ، عالمًا بما يُحيل المَعْنَى إنْ رَوَى به.
الثَّانية: تثبت العَدَالة بتنصيص عَدْلين عليها، أو بالاسْتفاضةِ، فمَن اشْتُهرت
عَدَالتهُ بين أهل العِلْم، وشَاعَ الثَّناء عليهِ بها، كَفَى فيها، كمالك،
والسُّفْيانين، والأوْزَاعي، والشَّافعي، وأحمد، وأشْباههم.
وتوسَّع ابن عبد البرِّ فيه، فقال: كلُّ حامل علم مَعْرُوف العِنَاية بهِ، محمولٌ
أبدًا على العَدَالة حتَّى يتبيَّن جَرْحهُ. وقولهُ هذا غيرُ مَرْضي.
الثَّالثة: يُعرف ضبطهُ بِمُوافقته الثِّقات المُتْقنينَ غالبًا، ولا تَضُر
مُخَالفته النَّادرة، فإن كَثُرت اختلَّ ضبطهُ، ولم يُحتجَّ به.
الرَّابعة: يُقبل التَّعديلُ من غير ذِكْر سَببهِ على الصَّحيح المَشْهور، ولا
يُقبلُ الجَرْحُ إلاَّ مُبَيَّن السَّبب، وأمَّا كُتب الجرح والتعديل الَّتي لا
يُذكر فيها سببُ الجرحِ ففائدتها التَّوقُّف فيمَنْ جَرحوهُ، فإن بحثنا عن حَالهِ
وانْزَاحت عنهُ الرِّيبة، وحَصَلت الثِّقة به، قَبلنا حديثهُ، كَجَماعة في
«الصَّحيحين» بهذه المَثَابة.
[الرَّابعة: يُقبل التَّعديل من غير ذكر سببه على الصَّحيح المشهور] لأنَّ أسْبَابه
كثيرة، فيَثْقل ويشق ذكرها، لأنَّ ذلك يُحوج المُعدِّل إلى أن يَقُول لم يفعل كذا،
لم يرتكب كذا، فعل كذا وكذا، فيُعدِّد جميع ما يفسق بفعله، أو بتركه، وذلك شاق
جدًّا.
[ولا يقبل الجَرْح إلاَّ مُبين السَّبب] لأنَّه يحصل بأمر واحد، ولا يَشُق ذِكْره،
ولأنَّ النَّاس مُختلفون في أسْبَاب الجرح، فيُطلِق أحدهم الجَرْح بناء على ما
اعتقده جرحًا، وليسَ بجرح في نفس الأمر، فلا بد من بيان سببه، لينظُر هل هو قادح أو
لا؟
لذلك بابًا روى فيه عن محمد بن جعفر المَدَائني قال: قيل لشُعبة: لِمَ تركتَ حديث
فُلان؟ قال: رأيتهُ يركض على برذون، فتركت حديثه.
ورُوي عن مسلم بن إبراهيم أنَّه سُئل عن حديث صالح المُرِّي، فقال: وما تصنع بصالح،
ذكرُوه يومًا عند حمَّاد بن سَلَمة فامتخطَ حمَّاد.
وروينا عن شُعبة قال: قلتُ للحكم بن عُتيبة: لِمَ لمْ ترو عن زَاذان؟ قال: كان كثير
الكلام، وأشْبَاه ذلك.