صفحة جديدة 1
الثَّالث: التَّعليق الَّذي يذكُرهُ الحُمَيديُّ وغيرهُ في أحاديث من كتاب
البُخَاري، وسَبقَهُم باستعماله الدَّارقُطْني، صورتهُ أن يُحْذَف من أوَّل الإسناد
واحدٌ فأكْثَر، وكأنَّه مأخوذٌ من تعليق الجِدَار لقطع الاتِّصال، واستعملهُ بعضهم
في حَذْفِ كلِّ الإسْنَاد، كقوله: قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، أو قال ابن
عبَّاس، أو عَطَاء، أو غيره كذا، وهذا التَّعليق له حُكْم الصَّحيح كما تقدَّم في
نوع الصَّحيح.
ولَمْ يَسْتعملُوا التَّعليق في غَيْر صِيغة الجَزْمِ، كَيُروى عن فُلان كَذَا، أو
يُقَال عنهُ، ويُذْكر، ويُحْكَى، وشِبهها، بل خَصُّوا به صِيغة الجَزْم، كَقَال،
وفَعَلَ، وأمرَ، ونَهَى، وذَكَر، وحَكَى، ولم يَسْتعملُوه فيما سَقَطَ وسط
إسْنَاده.
الرَّابع: إذا رَوَى بعض الثِّقات الضَّابطينَ الحديث مُرْسلاً، وبعضهم مُتَّصلاً،
أو بعضهم موقوفًا وبعضهم مرفُوعًا، أو وَصَله هو، أو رَفَعَهُ في وَقْتٍ، أو
أرْسلهُ ووقفهُ في وقتٍ، فالصَّحيح أنَّ الحُكْم لِمَنْ وَصَلَهُ أو رَفَعَهُ،
سَوَاء كان المُخَالِف له مثلهُ، أو أكثر، لأنَّ ذلكَ زِيَادة ثقة، وهي مَقْبُولةٌ.
ومنهُم مَنْ قال: الحُكْم لمَنْ أرْسَلهُ، أو وَقَفَه..
قال الخطيب: وهو قول أكثر المُحدِّثين..
وعند بعضهم الحُكْم للأكثر، وبعضهم للأحْفَظ، وعلى هذا لو أرْسَلهُ، أو وَقَفَهُ
الأحفظ لا يَقْدح الوَصْل والرَّفع في عَدَالة راويه، وقيل: يقدح في وصْلهِ ما
أرسلهُ الحُفَّاظ.
النَّوع الثَّاني عَشَر: التَّدليس
وهو قِسْمان:
الأوَّل:
تدليس الإسْنَاد، بأنْ يَرْوى عمَّن عاصرهُ ما لم يسمعهُ منهُ، مُوهمًا سَمَاعهُ
قائلاً: قال فُلان، أو عن فُلان، ونحوه، وربَّما لم يُسْقِط شيخهُ، وأسْقطَ غيره
(ضعيفًا، أو صغيرًا) تحسينًا للحديث.
الثَّاني: تدليس الشَّيوخ، بأن يُسمِّي شيخهُ أو يكَنيه، أو ينسبهُ، أو يَصِفهُ
بِمَا لا يُعْرَف.
أمَّا الأوَّل فمكروهٌ جِدًّا، ذَمَّهُ أكثر العُلماء.
ثمَّ قالَ فريقٌ منهم: مَنْ عُرِفَ به صار مَجْروحًا مردود الرِّواية وإن بَيَّن
السَّماع.
والصَّحيحُ التَّفصيل؛ فمَا رواهُ بلفظٍ مُحتمَل لَمْ يُبيِّن فيه السَّماع
فَمُرْسَل، وما بيَّنه فيه كـ (سمعتُ، وحدَّثنا، وأخبرنا، وشبهها) فمقبولٌ محتَجٌّ
به، وفي «الصَّحيحين» وغيرهما من هذا الضَّرب كثيرٌ، كقتادة والسُّفْيَانين،
وغيرهم، وهذا الحُكْم جاء فيمَنْ دَلَّس مَرَّة، وما كان في «الصَّحيحين» وشبههما
عن المُدَلِّسين بـ (عن) محمولٌ على ثُبوت السَّماع من جهة أُخرى.
وأمَّا
الثَّاني
فكراهته أخفُّ، وسببها تَوْعيرُ طريق معرفتهِ.
وتَخْتلف الحال في كَراهتهِ بِحَسبِ غرضهِ؛ لِكَون المُغَيَّر اسمهُ ضعيفًا أو
صغيرًا، أو متأخِّرَ الوفَاةِ، أو سمعَ منهُ كثيرًا فامتنعَ من تِكْرارهِ على
صُورة، ويسمح الخطيبُ وغيرهُ بهذا