صفحة جديدة 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا، مَنْ يهده الله فلا مُضل له، ومَنْ يُضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله "تسليما".
فصل
فيما يُفَطِّر الصائم وما لا يُفَطّره
وهو الأكل والشرب والجماع قال تعالى:
﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا
وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ
الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾[البقرة:187].
فَأَذِن في المباشرة؛ فَعُقِلَ من ذلك أن المراد: الصيام من المباشرة، والأكل،
والشرب.
ولما قال أولاً:
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ﴾[البقرة:183]
كان معقولاً عندهم أن الصيام هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، ولفظ «الصيام»
كانوا يعرفونه قبل الإسلام ويستعملونه في هذا المعنى، كما في «الصحيحين» عن عائشة
-رضي الله عنها- «أن يوم عاشوراء كان يوماً تصومه قريش في الجاهلية».
وقد ثبت عن غير واحدٍ أنه قبل أن يُفْرَض شهر رمضان أُمِرَ بصوم يوم عاشوراء،
وأَرْسل منادياً ينادي بصومه، فعُلِمَ أن مُسَمّى هذا الاسم كان معروفاً عندهم.
وكذلك ثبت بالسُّنة واتفاق المسلمين أن دم الحيض ينافي الصوم، فلا تصوم الحائض لكن
تقضي الصيام.
وثبت بالسُّنة أيضا من حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال له: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً»؛ فدل على أن إنزال الماء من الأنف
يُفَطّر الصائم وهو قول جماهير العلماء.
وفي «السنن» حديثان:
أحدهما: حديث هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ذَرَعه قيء وهو صائم فليس عليه قضاء، وإن
استقاء فليقض».
وهذا الحديث لم يثبت عند طائفة من أهل العلم، بل قالوا: هو من قول أبي هريرة (رضي
الله عنه)
قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل قال: ليس من ذا شيء.
قال الخطابي: يريد أن الحديث غير محفوظ.
وقال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عنه فلم يعرفه إلا عن عيسى بن يونس،
قال: وما أُراه محفوظاً.
قال: وروى يحيى بن كثير، عن عمر بن الحكم: أن أبا هريرة (رضي الله عنه) كان لا يرى
القيء يُفَطّر الصائم.
قال الخطابي: وذكر أبو داود: أن حفص بن غياث رواه عن هشام، كما رواه عيسى بن يونس.
قال: ولا أعلم خلافاً بين أهل العلم في أن مَنْ ذَرَعَه القيء فإنه لا قضاء عليه،
ولا في أن مَنْ استقاء عامداً فعليه القضاء، ولكن اختلفوا في الكفارة.