صفحة جديدة 1
خبر عمان
لما أسلم أهل عمان في حياة رسول
الله صلى الله عليه وسلم ولّى عليهم الأخوين جيفراً وعبداً ابني الجُلَندَى، وكان
يُسامي الجُلندى في الجاهلية: ذو التاج لقيط ابن مالك الأزدي من رؤساء عمان..
فلما تُوفي رسول الله صلى الله
عليه وسلم ادّعى لقيط النبوة فتبعه كثير من أهل عمان فخافه ابنا الجُلَنْدَى فالتجآ
إلى الجبال، وكاتب جيفر أبا بكر فبعث إليه حذيفة بن محصن وعرفجة بن هرثمة؛ الأول
إلى عمان والثاني إلى مهرة، وكل منهما أمير على صاحبه في عمله.. فإذا قاربا عمان
كاتبا جيْفراً..
وأرسل في إِثرهما عكرمة بن أبي جهل
بعد هزيمته في اليمامة فلحقهما قبل أن يصلا عمان، فلما قاربوها كاتبوا جيْفراً
فأتاهم وعسكروا بصحار (عاصمة عمان)، أما لقيط فإنه جمع جموعه وعسكر بدبا، فالتقى
الفريقان واقتتلا قتالاً شديداً كاد المسلمون ينهزمون فيه لولا أن مَنّ الله عليهم
بمدد عظيم من بني ناجية، فاستظهروا بهم وهزموا المشركين بعد أن قتلوا منهم مقتلة
عظيمة ثم سبوا الذرية وقسموا الغنيمة، وبعثوا إلى أبي بكر بالخُمس مع عرفجة، وأقام
حذيفة بعُمان يُسَكِّن الناس..
أما عكرمة فسار ومعه جمْع من بني
ناجية إلى مهرة ولما وصلها وجد أهلها قسمين مختلفين كل قسم له رئيس، فكاتب رئيس أحد
القسمين فأجابه وراجع الإسلام ولم يُجِب الآخر فقاتله حتى هزمه.
أخبار الأسود
لما فُتحت اليمن في عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولّى عليها باذان الفارسي الذي كان عاملاً للأكاسرة على اليمن
ثم دان بالإسلام، وكان مركزه صنعاء..
فلما مات قسم عليه السلام عمله
فولّى على صنعاء ابنه شهر بن باذان، وعلى مأرب أبا موسى الأشعري، وعلى همدان-
وكانوا يقيمون شرقي اليمن- عامر بن شهر الهمداني، وعلى عك والأشعريين الطاهر بن أبي
هالة «بنو عك كانوا يقيمون بين زبيد ورِمَع، وعك هو ابن عدنان، والأشعريون كانوا
يقيمون شمالي زبيد ويُنسَبون إلى أشعر بن أَدد بن زيد ابن يَشْجُب بن عُريْب بن زيد
بن كهلان» وعلى ما بين نجران ورمع وزبيد خالد بن سعيد بن العاص، وعلى نجران عمرو بن
حزم، وعلى حضرموت زياد ابن لبيد البياضي، وعلى السكاسك والسكون- وهما قبيلتان من
كندة كانتا شمالي حضرموت- عكاشة بن ثور، وعلى بني معاوية من كندة المهاجر بن أبي
أمية أخا أم المؤمنين أم سلمة، ولم يذهب إلى عمله حتى تُوفي رسول الله صلى الله
عليه وسلم لمرض كان به، وكان زياد بن لبيد يقوم بعمله..
وعلى الْجَنَد يعلى ابن أمية..
وكان معاذ بن جبل معلماً ينتقل في
كل بلد..
فقَبْل وفاة رسول الله صلى الله
عليه وسلم ثار باليمن رجل من عنس- اسمه عبهلة ولقبه ذو الخمار وشهرته الأسود-
فادّعى النبوة، فأجابته مُذْحِج، ووثبوا على نجران، فأخرجوا منها عاملها عمرو بن
حزم، وأخرجوا خالد بن سعيد بن العاص فلحقا بالمدينة..
ثم توجه الأسود في سبعمائة من قومه
إلى صنعاء فقتل شهر بن باذان، واستولى على المدينة، وتزوج امرأة شهر، ثم استولى على
ما بين صنعاء وحضرموت من الجنوب.. إلى أعمال الطائف من الشمال.. إلى البحرين من
الشرق، واستفحل أمْره فخرج معاذ بن جبل هارباً، ومرّ بأبي موسى وهو بمأرب فخرج معه
ولحقا بحضرموت، فنزل معاذ في قبيلة السكاسك، ونزل أبو موسى في قبيلة السكون، وأقام
الطاهر بن أبي هالة ببلاد عك..
فلما بلغ خبر ذلك إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم أرسل إلى مَنْ باليمن من الأبناء وأبي موسى ومعاذ والطاهر أن
يقوموا بقتال الأسود وقتْله إما غِيلة أو مُصادَمَةً، فقام بذلك من الأبناء فيروز
وداذوَيْه واهتموا بقتْله، وساعدتهم زوجه التي كانت تحت شهر ابن باذان فقتلوه
ليلاً.. قتله فيروز..
فلما أصبح الصبح نادوا بشعائر
المسلمين وهو الأذان فماج الناس بعضهم في بعض، واختطف بعض أصحاب الأسود صبياناً من
أبناء المسلمين وخرجوا من المدينة تاركين فيها كثيراً من صبيانهم، ثم تَرَاسَل
الفريقان في أن يَرُدَّ كُلٌّ ما بيده، وأقام أصحاب الأسود يترددون بين صنعاء وعدن
لا يأوون إلى أحد وتَرَاجَع عُمّال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أعمالهم،
واتفقوا على أن يصلي معاذ بالناس في صنعاء لقتْل عاملها شهر حتى يأتيهم أمْر رسول
الله صلى الله عليه وسلم..
وبعثوا إلى المدينة بالخبر فوصل
البريد وقد تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت هذه أول بشارة أتت أبا بكر..
فلما شاع خبر الوفاة ارتدّ قيس بن
عبد يغوث وكَاتَبَ المنهزمين من جنود الأسود فاجتمعوا إليه وأراد أن يَتحيّل في
قتْل كبار الأبناء وهم فيروز وداذويه وخشنش، فهيّأ لهم طعاماً وجمعهم ليغدر بهم
فظفر بداذويه ونجا الآخران، فخرج في إثرهما فامتنعا بقبيلة خولان، فرجع قيس إلى
صنعاء فاستأثر بها وعمد إلى عيالات الأبناء فغرّبَهم وأخرجهم من اليمن في البر
والبحر، وعرضهم للنُّهْبَى، فلما علِم بذلك فيروز هَمَّ بحربه واستمد بني عقيل بن
ربيعة وعك فساروا إليه، واستخلصوا عيالات الأبناء التي سَيَّرها قيس وقتلوا مَنْ
معها من الرجال..
ثم توجهوا إلى فيروز فقاتل بهم
قيساً ورجاله حتى هزموهم..
وحينذاك أتاهم المهاجر بن أبي أمية
والذي عقد له أبو بكر لواء وسَيَّره لقتال جنود الأسود ومعاونة الأبناء..
وجاء على إِثره عكرمة بن أبي جهل
بعد أن انتهى من عُمان ومَهرة، فساعدا الأبناء على قتال جنود قيس بن عبد يغوث حتى
انهزموا، وأَسَرُوا قيساً وعمرو بن معدي كَرِب الزبيدي الذي كان ارتدّ وتَبِع
الأسود، فَسَيَّرَاهما إلى أبي بكر.. فقال أبو بكر: يا قيس! قتلتَ عباد الله
واتخذتَ المرتدين وليجةً من دون المؤمنين، فأنكر قيس أن يكون قَارَفَ من أمْر
داذويه شيئاً، ولم يكن هناك دليل ظاهر على قتْلِه له لأن القتل كان خِلسة فتجافى له
عن دمه...
وقال لعمرو بن معدي كَرِب: أما
تستحيي أنك كل يوم مهزوم أو مأسور، لو نصرت هذا الدين لرفعك الله، فقال: لا جَرَم
لأقبلن ولا أعود، ورجعا إلى عشائرهما مؤمنين، ثم تتبع المهاجر بن أبي أمية بقية
جنود الأسود بكل مكان وقتلهم بكل سبيل حتى لم تعد لهم قائمة..
وكانت مدة الأسود إلى أن هلك
قريباً من أربعة أشهر.
أخبار كندة
كانت كندة قد ارتدت في عهد الأسْود
بسبب ما وقع بينهم وبين زياد في أمر فريضة من فرائض الصدقة، أطلقها بعض بني عمرو بن
معاوية من كندة بعد أن وقع عليهم ميسم الصدقة غلطاً فقاتلهم زياد وهزمهم، فاتفق بنو
معاوية في كندة على منْع الصدقة إلا شرحبيل بن السمط وابنه؛ فإنهما قالا لبني
معاوية: إنه لقبيح بالأحرار التنقل، إن الكرام ليلزمون الشُّبْهة فيتكرمون أن
ينتقلوا إلى أوضح منها مخافة العار، فكيف الانتقال من الأمر الحسن الجميل والحق إلى
الباطل القبيح؟! اللهم إنّا لا نمالئ قومنا على ذلك، وانتقلا ونزلا مع زياد، وقالا
له: بيِّت القوم، فإن لم تفعل خشينا أن يتفرق القوم عنّا، فطرقهم في محاجرهم فأصاب
ملوكهم فقتلهم، وهرب من قومهم مَنْ أطاق الهرب وعاد المسلمون بالغنائم والسبي،
فمروا على بني الحارث بن معاوية في محاجرهم وفيهم الأشعث بن قيس، فنزل واستخلص
السبي منهم فكتب زياد إن المهاجر يستحثه فاستخلف على جنده عكرمة وتعجل هو في
سَرَعان الناس، وقدِم على زياد فالتقوا بالأعداء فانهزم بنو الحارث، وتحصنوا
بالنجير «وهو حصن لهم» فحصرهم المسلمون، ولما اشتد عليهم الحصار خرجوا فقاتلوا
قتالاً لم يغنهم شيئاً، فعادوا إلى الحصن، ثم أرسل الأشعث في طلب الصلح على تسليم
الحصن بمَنْ فيه مشترطاً الأمان لتسعة نفر من الرؤساء، وكتب بذلك كتاباً ولكنه نسي
نفسه فدخل المسلمون الحصن وقتلوا المقاتلة، وسبوا وغنموا، ثم عرضوا مَنْ أُمِّنوا
فإذا الأشعث ليس فيهم فأراد المهاجر قتْله ولكن أشار عليه أصحابه أن يرسله إلى أبي
بكر ليرى فيه رأيه فأرسله إليه فعفا عنه أبو بكر رضي الله عنه، وهو ممَّنْ أبلى
بلاءً حسناً في فتح العراق.
وإلى هنا انتهت أخبار أهل الردة
ومنها يفهم المسلمون الذين يريدون الاقتداء بسلفهم الصالح أن المؤمن لا ينبغي أن
يهِن مهما كثُرت أعداؤه لأن المسلمين لا يُغلَبون من قِلة ولا يُخذَلون إلا من
اتباعهم الهوى وحيادهم عن الصراط السوي..
هذا أبو بكر أول خليفة للمسلمين
كان العرب كلهم أعداءه فصار هو ومَنْ معه كالشعرة البيضاء في الثور الأدهم، فلم
يُعِقْه ذلك عن إعزاز دين الله وقتال مَنْ كفر بالله بمن معه من المسلمين بل وثق
بوعد الله حيث قال: ﴿إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ
أَقْدَامَكُمْ﴾[محمد:7] فجازاه الله على ذلك
بالنصر العظيم والفتح المبين ودانت له أمم العرب، فهكذا يكون الإسلام والإيمان.
هذي المكارم لا قعبان من لبن شيبا بماء فعادا بعد أبوالا