صفحة جديدة 1
خبر مسيلمة
كان بنو حنيفة ممن وفدوا على رسول
الله صلى الله عليه وسلم في حياته وفيهم مسيلمة بن ثمامة أحد بني عدي بن حنيفة،
فلما ورد المدينة جعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعتُه..
فأقبل إليه النبي صلى الله عليه
وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم قطعة جريد حتى وقف
على مسيلمة في أصحابه وقال: لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن أتعدى أمر الله
فيك، وإن أدبرت ليعقرنك الله، وإني لأراك الذي أُرِيت فيك ما أُرِيت، وهذا ثابت
يجيبك عني ثم انصرف..
فسأل ابن عباس أبا هريرة عما رآه
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم
رأيت في يدي سوارين من ذهب فأهمني شأنهما فأُوحِي إليّ في المنام أن أنفخهما
فنفختهما فطارا فأولتهما كذابين يخرجان من بعدي فكان أحدهما العنسي صاحب صنعاء
والآخر مسيلمة صاحب اليمامة (رواه مسلم)..
فلما رجع مسيلمة ومَنْ معه إلى
منازلهم (وهي اليمامة بين نجد والبحرين كالحجاز بين نجد وتهامة) ادّعى مسيلمة
النبوة وأنه أُشْرِك مع محمد في الأمر فاتبعه قومه، وكتب إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله سلام عليك، فإني قد أُشْرِكْتُ
في الأمر معك وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض ولكن قريش قوم لا يعدلون، فكتب
إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب سلام على
من اتبع الهدى أما بعد فإن الأرض لله يورثها مَنْ يشاء من عباده والعاقبة
للمتقين»..
قال الطبري وذلك بعد منصرف رسول
الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع..
فلما تُوفي عليه الصلاة والسلام
عقد أبو بكر لواء لعكرمة بن أبي جهل وسيّره لقتال مسيلمة، وسيّر على إِثْره شرحبيل
بن حسنة مَدَداً له فلم ينتظر عكرمة مَدَدَه حتى يكون اجتماعهما أشد على عدوهم، بل
تعجّل ليكون له الفضل خاصة فتقدم ولاقى جيش مسيلمة، فنُكِبَ، ولما علم بذلك أبو بكر
غضب عليه ونهاه عن العودة إلى المدينة، وأمره باللحاق إلى اليمن ليكون مع حذيفة
وعرفجة على قتال أهل مهرة فإذا انتهوا سار إلى المهاجر بن أبي أمية لقتال جنود
الأسود العنسي.
وبعث أبو بكر لخالد بن الوليد
يأمره بالمسير إلى مسيلمة وأمدّه بجيش كثيف من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى
شرحبيل يأمره بانتظار خالد حتى يجتمعا على جنود مسيلمة التي تبلغ عِدّتها أربعين
ألفاً فلما علم مسيلمة وبنو حنيفة بِدنُو خالد خرجوا فعسكروا في منتهى ريف اليمامة،
واستنفروا الناس فنفر إليهم عدد كثير، فتقدم خالد وعلى مُقَدِّمته شُرحبيل..
ولما كان على ليلة من معسكر بن
حنيفة التقى بسرية منهم راجعة من بلاد بني تميم وعامر لإدراك ثأر لهم وعليهم مُجاعة
بن مُرارة من سادات بني حنيفة، فأمر بهم خالد فقُتِلوا إلا مُجاعة فإنه استبقاه
لشَرَفِه.
ثم سار خالد حتى التقى بجيش
المرتدين، فتقاتل الفريقان قتالاً شديداً ولمّا حَمِي القتال انكشف المسلمون بادئ
الأمر، حتى وصل المرتدون إلى فسطاط خالد، وأرادوا أَخْذ زوجته فمنعهم من ذلك مجاعة،
وقال: نِعْم الحرة هي..
ثم تداعى المسلمون وأنزل عليهم
سكينته، فحمل خالد في الناس حتى رد المشركين إلى أبعد ما كانوا، وتذامر بنو حنيفة
وقاتَلوا قتالاً شديداً، فعلم خالد أن رحى الحرب تدور على مسيلمة، فطلبه للبِراز
فبَرَزَ إليه فلما اشتد عليه الأمر أدبر وزال أصحابه فنادى خالد في المسلمين فحملوا
حتى هزموا المرتدين شر هزيمة فتحصنوا في بستان لمسيلمة- كان يُسمى حديقة الرحمن-
فقال البراء بن مالك أحد شجعان الأنصار: ألقوني عليهم في الحديقة فألقوه عليهم
فقاتل عن الباب حتى فتحه فدخله المسلمون وأكثروا القتل في بني حنيفة حتى قُتِل
مسيلمة واشترك في قتله وحشي قاتِل حمزة بن عبد المطلب ورجل من الأنصار، فانهزم بنو
حنيفة وركبهم المسلمون يقتلون ويأسرون...
فقال مجاعة لخالد: والله ما جاءك
إلا سَرَعَان الناس، وإن جماهيرهم لفي الحصون، فهَلُمّ أُصالحك على قومي وقد كان
خالد التقط مَنْ دون الحصون من نساء وصبيان ومال..
فقال مُجاعة: أُصالحك على ما دون
النفوس وانطلق كأنه يشاورهم فأفرغ السلاح على النساء ووقفهن بالأسوار، ثم رجع إليه
وقال: أبوا أن يجيزوا ذلك، فنظر خالد إلى الحصون فوجدها ممتلئة بالجيوش والمسلمون
قد نهكتهم الحرب وقُتِل من الأنصار ما يُنيف على ثلاثمائة وستين، ومن المهاجرين
مثلهم، ومن التابعين لهم مثلهم أو يزيدون، وقد فشت الجراحات فيمَنْ بقي، فجنح للسلم
فصالحه على الصفراء والبيضاء ونصف السبي والسلاح وحائط ومزرعة من كل قرية فأبوا،
فصالحهم على الربع فصالحوه، وفُتِحت الحصون فلم يجد بها خالد إلا النساء
والمستضعفين، فقال لمُجاعة: خدعتني، فقال: قومي ولم أستطع إلا ما صنعت..
وبعد هذا الصلح جاءه كتاب من أبي
بكر يأمره فيه بقتل كل محتلم فوفى لهم بصلحه ولم يغدر..
ثم أرسل وفداً منهم لأبي بكر
بإسلامهم فلقيهم وسألهم عن أسجاع مسيلمة، فقصوها عليه، فقال: سبحان الله! هذا
الكلام ما خرج من إل ولا بر فأين يُذهَب بكم عن أحلامكم وردَّهم إلى قومهم.
خبر البحرين
كانت أرض البحرين مقراً لكثير من
قبائل ربيعة، منهم عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة، ومنهم بنو
بكر بن وائل بن قاسط بن هَنْب بن أفصى، وكان أهل البحرين قد وفدوا على رسول الله
صلى الله عليه وسلم في حياته وأسلموا، فأمّر عليهم المنذر بن ساوى..
فلما تُوفي عليه الصلاة والسلام
تُوفي عقبه المنذر بن ساوى فارتد أهل البحرين؛ فأما بكر فتمت على رِدّتها، وأما عبد
القيس فراجعت الإسلام بِهِمّة الجارود بن المعلّى العبدي؛ فإنه جمعهم حينما قالوا:
لو كان محمد نبياً لم يمت، فقال لهم: أتعلمون أنه كان لله أنبياء فيما مضى؟، قالوا:
نعم، قال: فما فعلوا؟، قالوا: ماتوا، قال: فإن محمداً قد مات كما ماتوا وأنا أشهد
أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فأسلموا وثبتوا على إسلامهم...
فاجتمعت ربيعة بالبحرين على الردة
إلا الجارود ومَنْ تبعه، وخرج الحطم بن ضبيعة من بكر بن وائل فاجتمع إليه كثير من
المشركين والمرتدين حتى نزل القطيف وهجر وحصر أصحاب الجارود، فأرسل أبو بكر العلاء
بن الحضرمي لأهل البحرين..
فلما كان بحيال اليمامة لحق به
ثمامة بن أُثال الحنفي في مسلمة بني حنيفة، وقيس بن عاصم المنقري في قومه، وأتاه
كثير من أهل اليمن؛ فسلك بهم الدهناء حتى إذا كانوا في بحبوحتها «وسطها» نزل وأمرهم
بالنزول فنفرت إبلهم بأحمالها فغُمّوا لذلك غماً شديداً...
فقال لهم العلاء: ما الذي حل بكم؟
فقالوا: كيف نُلام ونحن إن بلغنا غداً لم تحمَ الشمس حتى نهلك؟ فقال: لن تُراعوا
أنتم المسلمون وفي سبيل الله وأنصار الله فأبشروا فوالله لن تُخْذَلوا..
فلما صلوا الصبح دعا العلاء ودعوا
فلمع الماء، فمشوا إليه فشربوا واغتسلوا فما تعالى النهار حتى أقبلت الإبل تُجمع من
كل وجه فأناخوها وسقوها..
ثم أرسل العلاء إلى الجارود يأمره
أن ينزل بالحطم مما يليه، وسار هو فيمَنْ معه حتى نزل عليه مما يلي هجر فاجتمع
المشركون إلى الحطم واجتمع المسلمون إلى العلاء وخندق كُلٌّ على نفسه، وكانوا
يتراوحون القتال فإذا أمسوا رجع كُلٌّ إلى خندقه، حتى إذا كانت ليلة سمع المسلمون
فيها ضوضاء في عسكر المشركين فأرسل العلاء مَنْ يستعلم الخبر فجاء بأنهم سكارى،
فبيّتهم المسلمون شر بيات حتى هربوا فمِنْ بين مقتول ومأسور، وقُتِل الحطم، ثم قصد
فَلُّهُم دارين «جزيرة في الخليج الفارسي قريبة من سواحل البحرين» فعبر خلفهم
المسلمون خوضاً وقاتلوهم هناك فظفروا بهم وأكثروا فيهم القتل ثم أرسل العلاء إلى
أبي بكر بهذا الفتح المبين.