صفحة جديدة 1
تسيير الجيوش إلى أهل الردة
الأول: سيف الله خالد بن الوليد
ووجهه إلى طليحة بن خويلد الأسدي فإذا فرغ منه قصد مالك بن نويرة بالبُطَاح.
الثاني: عكرمة بن أبي جهل ووجهه
إلى مسيلمة باليمامة.
الثالث: شرحبيل بن حسنة ووجهه في
إِثْر عكرمة.
الرابع: المهاجر ابن أبي أمية
ووجهه إلى جنود العنسي ومعاونة الأبناء (قوم من الفرس سكنوا اليمن) ثم يمضي إلى
كندة..
الخامس: حذيفة بن محصن الغلفاني
(الغطفاني) ووجهه إلى أهل دبا.
السادس: عرفجة بن هرثمة ووجهه إلى
أهل مَهَرة وأمر هذا ومن قبله أن يجتمعا وكل واحد أمير على صاحبه في عمله.
السابع: سُويد بن مُقَرِّن ووجهه
إلى تهامة اليمن.
الثامن: العلاء بن الحضرمي ووجهه
إلى البحرين.
التاسع: طُريفة ابن حاجز ووجهه إلى
بني سُليم ومَنْ معهم من هوازن.
العاشر: عمرو بن العاص ووجهه إلى
قضاعة..
(الحادي عشر:) خالد بن سعيد بن
العاص ووجهه إلى مشارف الشام.
كتاب أبي بكر للأمراء
وكتب للأمراء عهداً هذه صورته:
(بسم الله الرحمن الرحيم) هذا عهد
من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لفلان حين بعثه فيمَنْ بعثه لقتال
مَنْ رجع عن الإسلام، وعَهِد إليه أن يتقي الله ما استطاع في أمره كله سره وجهره،
وأمره بالجد في أمر الله، ومجاهدة مَنْ تولى عنه ورجع عن الإسلام إلى أماني الشيطان
بعد أن يُعذِر إليهم فيدعوهم بدعاية الإسلام فإن أجابوه أمسك عنهم وإن لم يجيبوه شن
غارته عليهم حتى يُقرُّوا له، ثم ينبئهم بالذي عليهم والذي لهم، فيأخذ ما عليهم
ويعطيهم الذي لهم لا ينظرهم ولا يرد المسلمين عن قتال عدوهم، فمَنْ أجاب إلى أمر
الله وأقر له قبل ذلك منه وأعانه عليه بالمعروف، وإنما يقاتل مَنْ كفر بالله على
الإقرار بما جاء من عند الله فإذا أجاب الدعوة لم يكن عليه سبيل وكان الله حسيبه
بعد فيما استسر به، ومَنْ لم يُجب إلى داعية الله قُتِل وقوتل حيث كان، وحيث بلغ
مُرَاغَمُه، لا يقبل الله من أحد شيئاً مما أعطى إلا الإسلام، فمَنْ أجابه وأقرَّ
قَبِل منه وأعانه، ومَنْ أَبَى قاتله، فإن أظهره الله عز وجل عليه قتلهم فيه كل
قِتْلة بالسلاح والنيران، ثم قسم ما أفاء الله إلا الخمس فإنه يبلغناه، ويمنع
أصحابه العجلة والفساد، وأن لا يُدخل فيهم حشواً حتى يعرفهم ويعلم ما هم لئلا
يكونوا عيوناً ولئلا يُؤتَى المسلمون من قِبَلِهم، وأن يقتصد بالمسلمين ويرفق بهم
في السير والمنزل ويتفقدهم ولا يعجل بعضهم عن بعض ويستوصي بالمسلمين في حسن الصحبة
ولين القول..
وكتب إلى المرتدين جميعهم كُتباً
صورتها واحدة وهذا نصها:
كُتب أبي بكر إلى المرتدين
(بسم الله الرحمن الرحيم) من أبي
بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى مَنْ بلغه كتابي هذا من عامة أو خاصة،
أقام على الإسلام أو رجع عنه، سلام على مَنْ اتبع الهُدى ولم يرجع بعد الهدى إلى
الضلالة والهوى، فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له وأن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله وأومن بما جاء به (أما
بعد) فإن الله أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق من عنده إلى خلقه بشيراً
ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ليُنذِر مَنْ كان حياً ويحق القول
على الكافرين، يهدي الله للحق من أجاب إليه وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم
بإذنه مَنْ أدبر عنه حتى صار إلى الإسلام طوعاً أو كرهاً، ثم تُوفي رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقد نفذ لأمر الله ونصح لأمته وقضى الذي عليه وكان الله قد بيّن ذلك
لأهل الإسلام..
فقال:
﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾[الزمر:30]..
وقال:
﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ
فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾[الأنبياء:34]
..
وقال للمؤمنين:
﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ
أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ
عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ
الشَّاكِرِينَ﴾[آل
عمران:144]..
فمَنْ كان يعبد محمداً فإن محمداً
قد مات، ومَنْ كان يعبد الله وحده لا شريك له فإن الله له بالمرصاد حي قيوم لا يموت
ولا تأخذه سنة ولا نوم حافظ لأمره مُنتقم من عدوه بحزبه..
وإني أوصيكم بتقوى الله وحظِّكم
ونصيبكم من الله، وما جاء به نبيكم، وأن تهتدوا بهديه، وأن تعتصموا بدين الله عز
وجل فإن مَنْ لم يهده الله ضل، وكل مَنْ لم يعافه مُبتلَى، وكل مَنْ لم ينصره مخذول
فمَنْ هداه الله كان مهدياً ومَنْ أضلّه كان ضالاً
﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ
يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾[الكهف:17]
ولم يُقبَل منه في الدنيا عمل حتى يُقِرّ به، ولم يُقبَل
له في الآخرة صرْف ولا عدل..
وقد بلغني رجوع
مَنْ رجع منكم عن دينه بعد أن أقرّ بالإسلام وعمل به اغتراراً بالله عز وجل وجهالةً
لأمره وإجابةً للشيطان وقال جل ثناؤه: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ
فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ
أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ
بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾[الكهف:50]..
وقال جل ذِكْره:
﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا
يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾[فاطر:6]..
وإني
بعثتُ إليكم فلاناً في جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، وأمْرته أن لا
يُقاتل أحداً، ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله، فمَنْ استجاب وأقرَّ وكفَّ وعمل
صالحاً قَبِل منه وأعانه عليه، ومَنْ أبى.. أن يُقاتِله على ذلك، ولا يُبقِي على
أحد منهم قدر عليه، وأن يُحرِّقهم بالنيران ويقتلهم كل قِتْلة ويسبي النساء
والذراري، ولا يقبل من أحد إلا الإسلام..
فمَنْ آمن فهو خير له، ومَنْ تركه
فلن يُعجِز الله..
وقد أمرتُ رسولي أن يقرأ كتابي في
كل مَجْمَعٍ لكم والداعية الأذان، فإن أَذَّن المسلمون فأذَّنوا كفُّوا عنهم، وإن
لم يُؤذِّنوا فسألوهم بما عليهم، فإن أَبوا عاجِلوهم، وإن أَقَرّوا قَبِل منهم
وحملهم على ما ينبغي لهم..
وسيَّر هذه الكتب قبل مسير الأمراء
ثم خرجت الأمراء معهم العهود كل إلى وجهته والله ناصره.
خبر طليحة
كان طليحة بن خويلد الأسدي رجلاً
كاهناً ادعى النبوة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبعه أفاريق من بني
إسرائيل..
ونزل سميراء من بلاد بني أسد شرقي
نجد مما يلي العراق فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرار بن الأزور الأسدي
لمقاتلته..
فسار إليه ولما همّ بمناجزته جاءت
الأخبار بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستطار أمر طليحة واجتمعت إليه غطفان
وهوازن وطيء فرجع ضرار إلى المدينة، وحينئذ سيّر أبو بكر خالد بن الوليد لقتال
طليحة ومَنْ معه، وكان في جيش خالد عدي بن حاتم الطائي فاستأذن خالداً في أن يتعجل
حتى يدعو قومه بني طيء إلى الرجوع لدين الله فسار إليهم ودعاهم فأجابوه لذلك وتركوا
طليحة وانضموا إلى جيش المسلمين..
ودعا عدي أيضاً مَنْ مع طليحة مِن
بني جديلة فأجابوه، ثم سار خالد حتى التقى بالمرتدين ببزاخة فقاتلهم قتالاً شديداً،
ولما رأى طليحة أن لا قِبَل له بالحرب هرب هو وزوجته على فرسين كان قد أعدهما لذلك
ولحق بالشام فانهزم جيشه، وقد أسلم طليحة بعد ذلك حينما علم بإسلام بني أسد وغطفان،
وله ذِكْر جميل في فتْح العراق..
ثم اجتمعت قبائل غطفان إلى سلمى
بنت مالك بن حذيفة بالحوأب..
وكانت سلمى هذه قد سُبيَت في مدة
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعتقتها أم المؤمنين عائشة، وقال لها عليه الصلاة
والسلام يوماً وقد دخل عليها وهي في نسوة في بيت عائشة رضي الله عنها: إن إحداكن
تستنبح كلاب الحوأب، فكان فِعْلها هذا مصداقاً لقوله عليه الصلاة والسلام (عن ابن
خلدون)..
ولما علم بذلك خالد سار إليها
وقاتل جيشها وهي راكبة على جمل قُتِل دونه نحو مائة رجل ثم قُتِلت هي أيضاً فانهزم
جيشها.
أما بنو عامر فإنهم لما رأوا ما حل
بأسد وغطفان أتوا خالداً وقالوا: ندخل فيما خرجنا منه ونؤمن بالله ورسوله، فقَبِل
منهم، وبايعهم على أن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ويبايعوا على ذلك أبناءهم
ونساءهم، ثم طلب مَنْ أحدثوا حدثاً في الإسلام فأُتي بهم وجازاهم بمثل ما فعلوا.
(أما بنو سليم) فقد كان الفجاءة بن
عبد ياليل سار إلى أبي بكر وطلب منه المعونة ليقاتل أهل الردة فأعطاه أبو بكر
وأمَّرَه، فلما رجع إلى قومه ارتد، وأرسل نجية بن المثنى ليشن الغارة على المسلمين،
فسار إليه طُريفة بن حاجز أحد أمراء جيوش الردة وقاتله فقُتِل نجية وهرب الفجاءة،
فأُدْرِك وأُرْسِل إلى أبي بكر فقتله ورجعت بنو سُليم للإسلام..
خبر مالك بن نويرة
كان رسول صلى الله عليه وسلم قد
أمَّر على بني تميم ستة أمراء وهم: الزِّبرقان بن بدر، وقيس بن عاصم، وصفوان بن
صفوان، وسبرة بن عمرو، ووكيع بن مالك، ومالك بن نويرة..
فلما تُوفي عليه الصلاة والسلام
سيَّر الزكاة إلى أبي بكر صفوان بن صفوان والزبرقان بن بدر ومنعها قيس بن عاصم
ومالك بن نويرة؛ فقام مَنْ بقي على إسلامه في وجه مَنْ ارتدَّ ومنع الزكاة.
وبينما هُم علي اختلافهم إذ
جاءتهم امرأة اسمها سجاح من أرض الجزيرة ثم من بني تغلب، وكانت نصرانية فلما تُوفي
رسول الله صلى الله عليه وسلم ادّعت النبوة فتبعها كثير من أوباش العرب فقصدت بهم
غزو أبي بكر فلما وصلت بلاد تميم (وكانت منازلهم بأرض نجد دائرة من هنالك على
البصرة واليمامة) أرسلت إلى مالك بن نويرة تطلب موادعته فوادعها وردَّها عن غزو
المدينة، وأغراها على المسلمين من تميم ففروا أمامها..
أما هي فسارت تريد المدينة حتى
بلغت النِّباج (قرية بالبادية) فاعترضها قوم من تميم فحاربوها وأسروا بعض رجالها تم
تحاجزوا على أن تطلق أسراهم ويطلقوا أسراها وترجع فلا تجتاز عليهم فيئست بذلك من
الذهاب إلى المدينة وانقلبت تريد اليمامة.
أما بنو تميم فإنهم راجعوا
الإسلام وندموا على ما فعلوا إلا مالك بن نويرة؛ فإنه ظل متحيراً، واجتمع إليه قومه
بالبطاح، فسار إليه خالد بعد أن انتهى من أمر طليحة.
فلما علم مالك بمسيره أمر قومه
فتفرقوا في المياه فبث خالد السرايا في إِثْرهم فأتى بكثير منهم أسرى وبينهم مالك
بن نويرة فأمر بقتْلهم وتزوج امرأة مالك، وقد نقم عليه عمر بن الخطاب قَتْل مالك
وزواج امرأته لأن جماعة شهدوا عنده أن مالكاً قد راجع الإسلام، فطلب من أبي بكر أن
يقتص منه، فقال أبو بكر: تأوّل فأخطأ فارفع لسانك عن خالد، فإني لا أُشيم سيفاً سله
الله على الكافرين.