صفحة جديدة 18
قال الله تعالى:
﴿وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إن كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ
فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إن كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ﴾..
وقال تعالى:
﴿إن يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا
الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُؤْمِنُونَ﴾..
وقال تعالى:
﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾..
وقال تعالى:
﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إن
أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أو أَرَادَنِي
بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ
يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾.
وقد ذكر الله هذه الكلمة حسبي
الله في جلب المنفعة تارة وفى دفع المضرة أخرى؛
فالأولى في قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ
رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا
اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ﴾[التوبة:59]الآية.
والثانية في قوله: ﴿الَّذِينَ قَالَ
لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ
إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾[آل
عمران:173]
وفى قوله تعالى: ﴿وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ
حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ﴾[الأنفال:62].
وقوله: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
وَرَسُولُهُ ﴾[التوبة:59]
يتضمن الأمر بالرضا والتوكل
والرضا والتوكل
يكتنفان المقدور؛ فالتوكل قبل وقوعه والرضا بعد وقوعه..
ولهذا كان النبي صلى الله عليه
وسلم يقول في الصلاة: «اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحيني ما
كانت الحياة
خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة
خيراً لي اللهم أنى أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الغضب
والرضا وأسألك القصد في الفقـر والغنى وأسألك نعيما لا ينفد وأسألك قرة عين لا
تنقطع اللهم أنى أسألك قرة عيــن لا تنقطع اللهم أني أسالك
الرضا بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر إلى
وجهك وأسألك الشوق إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة
الإيمان واجعلنا هداة مهتدين» رواه احمد والنسائي من حيث عمار
بن ياسر.
وأما ما يكون قبل القضاء فهو عزم
على الرضا لا حقيقة الرضا ولهذا كان طائفة من
المشايخ يعزمون على الرضا قبل وقوع البلاء فإذا وقع انفسخت عزائمهم كما يقع نحو ذلك
في الصبر وغيره..
كما قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أن تَلْقَوْهُ فَقَدْ
رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾..
وقال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ
مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ *إن اللَّهَ يُحِبُّ
الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ نزلت هذه الآية لما قالوا لو علمنا أي الأعمال أحب إلى الله لعملناه
فانزل
الله سبحانه وتعالى آية الجهاد
فكرهه من كرهه.
ولهذا كره للمرء أن يتعرض للبلاء
بأن يوجب على نفسه مالا يوجبه الشارع عليه بالعهد والنذر ونحو ذلك أو يطلب ولاية أو
يقدم على بلد فيه طاعون كما ثبت في
الصحيحين من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر وقال:
«أنه
لا
يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل» وثبت عنه في الصحيحين أنه
قال لعبد الرحمن بن
سمرة: «لا تسأل الإمارة فانك أن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وان أعطيتها من
غير مسألة أعنت عليها إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير
وكفر عن
يمينك»..
وثبت عنه في الصحيحين أنه قال في
الطاعون: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا علية وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا
تخرجوا فرارا منه».
وثبت عنه في الصحيحين أنه قال: «لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية ولكن إذا لقيتموهم فاصبروا
وأعلموا أن
الجنة تحت ظلال السيوف»..
وأمثال ذلك مما يقتضى أن الإنسان
لا ينبغي أن يسعى فيما يوجب عليه أشياء ويحرم عليه أشياء فيبخل بالوفاء كما يفعل
كثير ممن يعاهد الله عهودا على
أمور وغالب هؤلاء يبتلون بنقض
العهود.
ويقتضى أن الإنسان إذا أبتلى فعليه
أن يصبر ويثبت ولا ينكل حتى يكون من الرجال
الموقنين القائمين بالواجبات ولا بد في جميع ذلك من الصبر ولهذا كان الصبر واجباً
باتفاق المسلمين على أداء الواجبات وترك المحظورات.
ويدخل في ذلك الصبر على المصائب عن أن يجزع فيها والصبر عن أتباع أهواء
النفوس فيما
نهى الله عنه.
وقد ذكر الله الصبر في كتابه في
أكثر من تسعين موضعا وقرنه بالصلاة في قوله تعالى:
﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إلا عَلَى
الْخَاشِعِينَ﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ أن اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ وقوله تعالى:
﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ
النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ﴾
إلى قوله تعالى:
﴿وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ
أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد
ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فاصبر أن وعد الله حق واستغفر لذنبك الآية.
وجعل الإمامة في الدين موروثة عن
الصبر واليقين بقوله وجعلنا هم أئمة يهدون بأمر لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون
فإن الدين كله علم بالحق وعمل به والعمل به لا بد فيه من الصبر بل وطلب علمه يحتاج
إلى الصبر.
كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه
عليكم بالعلم فان طلبه لله عبادة ومعرفته خشية والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا
يعلمه صدقة
ومذاكرته تسبيح به يعرف الله ويعبد وبه يمجد الله ويوحد يرفع الله
بالعلم أقواما يجعلهم للناس قادة وأئمة يهتدون بهم وينتهون إلى رأيهم.
فجعل البحث عن العلم من الجهاد ولا
بد في الجهاد من الصبر ولهذا قال تعالى:
﴿والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا
بالصبر﴾..
وقال تعالى:
﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي
وَالْأَبْصَارِ﴾..
فالعلم النافع هو أصل الهدى
والعمل بالحق هو الرشاد وضد الأول الضلال وضد الثاني ألغى فالضلال العمل بغير علم
والغي إتباع الهوى وما غوى فلا ينال الهدى إلا بالعلم ولا ينال الرشاد إلا بالصبر
ولهذا قال
على إلا أن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا انقطع الرأس
بان الجسد ثم
رفع صوته فقال إلا لا إيمان لمـن
لا صبر له.
وأما الرضا فقد تنازع العلماء
والمشايخ من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم في الرضا
بالقضاء هل هو واجب أو مستحب
على قولين:
فعلى
الأول يكون من أعمال المقتصدين.
وعلى الثاني
يكون من أعمال المقربين..
قال عمر بن عبد العزيز الرضا عزيز
ولكن الصبر معول المؤمن.
وقد روى عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال لابن عباس: «إن استطعت أن تعمل لله بالرضا مع اليقين فافعل
فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا»،
ولهذا لم يجئ في القرآن إلا مدح الراضين لا إيجاب ذلك وهذا في الرضا بما يفعله الرب
بعبده من المصائب كالمرض والفقر والزلزال كما قال تعالى: والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس..
وقال تعالى:
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ
خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا﴾ فالبأساء في الأموال والضراء في الأبدان
والزلزال في القلوب.
وأما الرضا بما أمر الله به فأصله
واجب وهو من الإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا» وهو من توابع المحبة كما سنذكره أن شاء الله تعالى..
قال تعالى:
﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ
ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا
تَسْلِيماً﴾..
وقال تعالى:
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا
اللَّهُ...... الآية﴾..
وقال تعالى:
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ
فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾..
وقال تعالى:
﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا
بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إلا وَهُمْ كُسَالَى وَلا
يُنْفِقُونَ إلا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾.
ومن النوع الأول ما رواه أحمد
والترمذي وغيرهما عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من سعادة ابن آدم استخارته لله ورضاه بما قسم الله لـه ومن شقاوة ابن
آدم ترك استخارته لله وسخطه بما يقسم الله له».