صفحة جديدة 15
وقال في الإرادة الدينية:
﴿يُرِيدُ
اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾[البقرة:185]
﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ
لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ﴾[المائدة:6].
وقال في الإرادة الكونية:
﴿وَلَوْ شَاءَ
اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾[البقرة:253]
وقال:
﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ
لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا
كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾[الأنعام:125]
وقال نوح عليه السلام:
﴿وَلا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ
لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ﴾[هود:34]
وقال تعالى:
﴿إنما أَمْرُهُ إذا أَرَادَ شَيْئاً أن يَقُولَ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ﴾..
وقال تعالى في الإذن الديني:
﴿مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى
أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ﴾..
وقال تعالى في الكوني:
﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾..
وقال تعالى في القضاء الديني:
﴿وَقَضَى رَبُّكَ إلا تَعْبُدُوا إلا إِيَّاهُ﴾ أي أمر..
وقال تعالى في الكوني:
﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ﴾.
وقال تعالى في الحكم الديني:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ
لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي
الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ أن اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾..
وقال تعالى:
﴿ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
حَكِيمٌ﴾..
وقال تعالى في الكوني عن ابن
يعقوب:
﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي
أبي أو يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾..
وقال تعالى:
﴿قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا
تَصِفُونَ﴾.
وقال تعالى في التحريم الديني:
﴿حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ﴾
﴿حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ.....الآية﴾..
وقال تعالى في التحريم الكوني:
﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً
يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾.
وقال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ﴾
﴿المعارج:24﴾
﴿لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾
﴿المعارج:25﴾
وقال تعالى في الكلمات
الدينية:
﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ
رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾﴿البقرة: من الآية124﴾..
وقال تعالى في الكونية: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ
الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا﴾[الأعراف:137]
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم
المستفيض عنه من وجوه في الصحاح والسنن والمسانيد أنه كان يقول في استعاذته:
«أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر» ومن المعلوم أن هذا هو الكوني الذي لا يخرج منه شيء عن مشيئته وتكوينه
وأما الكلمات الدينية فقد خالفها الفجار بمعصيته.
والمقصود هنا انه صلى الله عليه وسلم بيّن أن العواقب التي خلق لها الناس من سعادة
وشقاوة ييسرون لها بالأعمال التي يصيرون بها إلى ذلك كما أن سائر المخلوقات
كذلك فهو سبحانه يخلق الولد وسائر الحيوان في الأرحام بما يقدره من
اجتماع الأبوين على النكاح واجتماع المائين في الرحم فلو قال الإنسان أنا أتوكل ولا
أطأ زوجتي فان
كان قد
قضي لي بولد وجد وإلا لم يوجد ولا
حاجة إلى وطء كان أحمق بخلاف ما إذا وطيء وعزل
الماء فان عزل الماء لا يمنع انعقاد الولد إذا شاء الله إذ قد يسبق الماء بغير
اختياره.
ومن هذا ما ثبت في الصحيحين عن أبي
سعيد الخدري قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق
فأصبنا سبيا من العرب فاشتهينا النساء واشتدت علينا العزبة وأحببنا العزل فسألنا عن
ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما
عليكم
إلا تفعلوا فان الله قد كتب ما هو
خالق إلى يوم القيامة»..
وفى صحيح مسلم عن جابر أن
رجلاً أتى النبي صلى الله عليه سلم فقال أن لي جارية هي خادمتنا
وسانيتنا في النخل
وأنا أطوف عليها واكره أن تحمل
فقال: «أعزل عنها أن شيء فانه سيأتيها ما قدر لها».
وهذا مع أن الله سبحانه قادر على
ما قد فعله من خلق الإنسان من غير أبوين كما
خلق آدم ومن خلقه من أب فقط كما خلق حواء من ضلع آدم القصير ومن خلقه من أم فقط كما
خلق المسيح بن مريم عليه السلام لكن خلق ذلك بأسباب أخرى غير معتادة.
وهذا الموضع وان كان إنما يجحده
الزنادقة المعطلون للشرائع فقد وقع في كثير من
دقه كثير من المشايخ المعظمين يسترسل أحدهم مع القدر.
غير محقق لما أمر به ونهى عنه
ويجعل ذلك من باب التفويض والتوكل والجري مع
الحقيقة القدرية ويحسب أن قول القائل ينبغي للعبد أن يكون مع الله كالميت بين يدي
الغاسل يتضمن ترك العمل بالأمر والنهي حتى يترك ما أمر به ويفعل ما نهى عنه وحتى
يضعف عنده النور والفرقان الذي يفرق به بين ما أمر الله به وأحبه ورضيه
وبين ما نهى
عنه وأبغضه وسخطه فيسوى بين ما فرق
الله بينه..
كما قال تعالى:
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أن نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا
يَحْكُمُونَ﴾..
وقال تعالى:
﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾..
وقال تعالى:
﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي
الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾..
وقال تعالى:
﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُون﴾..
وقال تعالى:
﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ* وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا
الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ أن
اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أنت بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ وأمثال ذلك.
حتى يفضي الأمر بغلاتهم إلى عدم
التمييز بين الأمر بالمأمور النبوي الإلهي
الفرقاني الشرعي الذي دل عليه الكتاب والسنة وبين ما يكون في الوجود من الأحوال
التي تجري على أيدي الكفار والفجار فيشهدون وجه الجمع من جهة كون الجميع بقضاء الله
وقدره وربوبيته وإرادته العامة.
وأنه داخل في ملكه ولا يشهدون وجه
الفرق الذي فرق الله به بين أوليائه وأعدائه
والأبرار والفجار والمؤمنين والكافرين وأهل الطاعة الذين أطاعوا أمره الديني وأهل
المعصية الذين عصوا هذا الأمر ويستشهدون في ذلك بكلمات نقلت عن بعض الأشياخ أو ببعض
غلطات بعضهم.
وهذا أصل عظيم من أعظم ما يجب
الاعتناء به على أهل طريق الله السالكين سبيل الإرادة إرادة الذين يريدون وجهه فانه
قد دخل بسبب إهمال ذلك على طوائف منهم من الكفر والفسوق والعصيان مالا يعلمه إلا
الله حتى يصيروا معاونين على البغي والعدوان
للمسلطين في الأرض من أهل الظلم والعلو كالذين يتوجهون بقلوبهم في معاونة من يهوونه
من أهل العلو في الأرض والفساد ظانين أنهم إذا كانت لهم أحوال أثروا بها في ذلك
كانوا بذلك من أولياء الله فان القلوب لها من التأثير أعظم مما للأبدان لكن أن كانت
صالحة كان تأثيرها صالحا وإن كانت فاسدة كان تأثيرها فاسداً فالأحوال يكون تأثيرها
محبوبا لله تارة ومكروها لله أخرى وقد تكلم الفقهاء على وجوب القود على
من يقتل
غيره في الباطن حيث يجب القود في
ذلك ويستشهدون ببواطنهم وقلوبهم الأمر الكوني ويعدون مجرد خرق العادة لأحدهم بكشف
يكشف له أو تأثير يوافق إرادته هو كرامة من
الله له ولا يعلمون أنه في الحقيقة إهانة وأن الكرامة لزوم الاستقامة وإن الله لم
يكرم عبده بكرامة أعظم من موافقته فيما يحبه ويرضاه وهو طاعته وطاعة رسوله وموالاة
أوليائه ومعاداة أعدائه وهؤلاء هم أولياء الله الذين قال الله فيهم: ﴿أَلا إِنَّ
أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[يونس:62]
فإن كانوا موافقين له فيما أوجبه
عليهم فهم من المقتصدين وإن كانوا موافقين فيما
أوجبه وأحبه فهم من المقربين مع أن كل واجب محبوب وليس كل محبوب واجباً.
وأما ما
يبتلي الله به عبده من السراء بخرق العادة أو بغيرها أو بالضراء فليس ذلك لأجل
كرامة العبد على ربه ولا هوانه عليه بل قد يسعد بها قوم إذا أطاعوه في
ذلك وقد يشقى
بها قوم إذا عصوه في ذلك
قال الله تعالى:
﴿فَأَمَّا الإنسان إذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ
وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وأما إذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ
عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾
كلا ولهذا كان الناس في هذه
الأمور على ثلاثة اقسام:
قسم ترتفع درجاتهم بخرق العادة إذا
استعملوها في طاعة الله.
وقوم يتعرضون بها لعذاب الله إذا
استعملوها في معصية الله كبلعام وغيره وقوم تكون في حقهم بمنزلة المباحات.
والقسم الأول هم المؤمنون حقاً
المتبعون لنبيهم سيد ولد آدم الذي إنما كانت خوارقه لحجة يقيم بها دين الله أو
لحاجة يستعين بها على طاعة الله ولكثرة الغلط في هذا الأصل نهى رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن الاسترسال مع القدر بدون الحرص على فعل المأمور الذي ينفع العبد فروى
مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفى كل خير أحــرص
على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن وان أصابك شيء فلا تقل لو أنى فعلت كان
كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فان لو تفتح عمل الشيطان».
وفي سنن أبي داود أن رجلين اختصما
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضي على أحدهما فقال المقضي عليه حسبي الله ونعم
الوكيل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يلوم على العجز ولكن عليك
بالكيس فإذا غلبك أمر فقل حسبي الله ونعم الوكيل» فأمر النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى:
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[الفاتحة:5]
وقوله تعالى:
﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾
فان الحرص على ما ينفع العبد هو
طاعة الله وعبادته إذ النافع له هو طاعة الله ولا شيء
أنفع له من ذلك وكل ما يستعان به على الطاعة فهو طاعة وان كان من جنس المباح.
قال النبي صلى الله عليه وسلم في
الحديث الصحيح لسعد: «إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه
الله إلا ازددت بها درجة ورفعه حتى اللقمة تضعها في في امرأتك» فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يلوم على العجز الذي هو ضد
الكيس وهو التفريط فيما يؤمر بفعله فان ذلك ينافى القدرة المقارنة للفعل وإن كان لا
ينافي القدرة المتقدمة التي هي مناط الأمر والنهي.
فإن الاستطاعة التي توجب الفعل
تكون مقارنة له ولا تصلح إلا لمقدورها كما ذكرها
الله تعالى في قوله:
﴿مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ
السَّمْع﴾..
وفى قوله:
﴿وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً﴾..
وأما
الاستطاعة التي يتعلق بها الأمر والنهي فتلك قد يقترن بها الفعل وقد لا يقترن كما
في قوله تعالى:
﴿وَلِلَّهِ عَلَى
النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إليه سَبِيلاً﴾..
وقول النبي صلى الله عليه وسلم
لعمران ابن حصين: «صل قائما فان لم تستطع فقاعدا فان لم تستطيع فعلى
جنب».