صفحة جديدة 12
وكذلك من أعرض عن اتباع الحق الذي يعلمه تبعا لهواه فان ذلك يورثه الجهل والضلال
حتى يعمى قلبه عن الحق الواضح..
كما قال تعالى:
﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا
يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾..
وقال تعالى:
﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً﴾..
وقال تعالى:
﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ
آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إنما الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ
أنها إذا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ أفئدتهم وأبصارهم كَمَا لَمْ
يُؤْمِنُوا بِهِ أول مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾..
وهذا استفهام نفي وإنكار، أي وما
يدريكم أنها إذا جاءت لا يؤمنون وأنا نقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول
مرة على قراءة من قرأ أنها بالكسر تكون جزما بأنها إذا جاءت لا يؤمنون ونقلب
أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة
ولهذا قال من قال من السلف كسعيد بن جبير أن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها وان من
عقوبة السيئة السيئة بعدها.
وقد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«عليكم بالصدق فان الصدق يهدى إلى البر وأن البر يهدى إلى الجنة ولا
يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فان الكذب
يهدي إلى
الفجور وأن الفجور يهدي إلى
النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً»..
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم
أن الصدق أصل يستلزم البر وأن الكذب
يستلزم الفجور.
وقد قال تعالى:
﴿إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم﴾..
ولهذا كان بعض المشايخ إذا أمر بعض
متبعيه بالتوبة وأحب أن لا ينفره ولا يشعب قلبه أمره بالصدق ولهذا كان يكثر في كلام
مشايخ الدين وأئمته ذكر الصدق والإخلاص حتى يقولون: قل لمن لا يصدق لا
يتبعني.
ويقولون: الصدق سيف الله في الأرض
وما وضع على شيء إلا قطعه.
ويقول يوسف بن أسباط وغيره: ما صدق
الله عبد إلا صنع له وأمثال هذا كثير.
والصدق والإخلاص هما في الحقيقة
تحقيق الإيمان والإسلام..
فان
المظهرين الإسلام ينقسمون إلى:
مؤمن ومنافق.
والفارق بين المؤمن والمنافق
هو: الصدق فإن أساس النفاق الذي يبنى عليه هو الكذب،
ولهذا إذا ذكر الله حقيقة الإيمان نعته بالصدق..
كما في قوله تعالى:
﴿قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا إلى قوله إنما
المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل
الله أولئك هم الصادقون وقال تعالى للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم
وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله هم الصادقون﴾.
فأخبر أن الصادقين في دعوى الإيمان
هم المؤمنون الذين لم يتعقب إيمانهم ريبة وجاهدوا في سبيـله بأموالهم وأنفسهم وذلك
أن هذا هو العهد المأخوذ على الأولين
والآخرين..
كما قال تعالى:
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ
وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ
وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي
قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وأنا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾..
قال ابن عباس: ما بعث الله نبيا
إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره أن يأخذ
الميثاق
على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه.
وقال تعالى:
﴿لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم
الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله
بالغيب إن الله قوي عزيز﴾..
فذكر تعالى أنه أنزل الكتاب
والميزان، وأنه أنزل الحديد لأجل القيام بالقسط وليعلم الله من ينصره ورسله ولهذا
كان قوام الدين بكتاب يهدي
وسيف ينصر وكفى بربك هاديا ونصيرا،
والكتاب والحديد وإن اشتركا في الإنزال فلا يمنع أن يكون أحدهما نزل من حيث لم ينزل
الآخر حيث نزل الكتاب من الله..
كما قال تعالى:
﴿تنزيل الكتـاب مـن الله العزيز الحكيم﴾..
وقال تعالى:
﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ
حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾..
وقال تعالى:
﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ والحديد أنزل من
الجبال التي خلق فيها.
وكذلك وصف الصادقين في دعوى البر
الذي هو جماع الدين في قوله تعالى:
﴿ليس البر أن
تولوا وجوهكم قبل المشرق
والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين﴾ إلى قوله:
﴿أولئك الذين صدقوا وأولئك هم
المتقون﴾..
وأما المنافقون فوصفهم سبحانه
بالكذب في آيات متعددة كقوله تعالى:
﴿في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا
ولهم عذاب أليم بما كانوا
يكذبون﴾
وقوله تعالى:
﴿إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد أنك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد
أن المنافقين لكاذبون﴾..
وقوله تعالى:
﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ
بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ﴾..
ونحو ذلك في القرآن كثير ومما
ينبغي أن يعرف أن الصدق والتصديق يكون في
الأقوال وفى الأعمال كقول النبي صلى الله عليه وسلم وآله وسلم في الحديث الصحيح:
«كتب على ابن آدم حظه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة فالعينان تزنيان
وزناهما النظر، والأذنان تزنيان وزناهما السمع، واليدان تزنيان وزناهما البطش،
والرجلان تزنيان وزناهما المشي، والقلب يتمنى ويشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه»..
ويقال: حملوا على العدو حملة صادقة
إذا كانت إرادتهم للقتال ثابتة جازمة..
ويقال: فلان صادق الحب والمودة
ونحو ذلك ولهذا يريدون بالصادق الصادق في إرادته وقصده وطلبه وهو الصادق في عمله،
ويريدون الصادق في خبره وكلامه.
والمنافق ضد المؤمن الصادق وهو
الذي يكون كاذبا في
خبره أو كاذباً في عمله كالمرائي
في عمله..
قال الله تعالى:
﴿أن الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وإذا
قَامُوا إلى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ
اللَّهَ إلا قَلِيلاً﴾ الآيتين.