صفحة جديدة 1
باب ما جاء أن سبب كفر
بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين
وقول الله عز وجل:
﴿يَا
أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾[النساء:171]
وفي (الصحيح) عن ابن عباس رضي
الله عنهما في قول الله تعالى:
﴿وَقَالُوا
لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ
وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾[نوح:23]
قال: (هذه أسماء رجال صالحين من قوم
نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون
فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم، ففعلوا، ولم تُعبد، حتى إذا هلك أولئك ونُسي العلم
عُبدت).
وقال ابن القيم رحمه الله: قال غير واحد من السلف: (لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا
تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم).
وعن عمر
رضي الله عنه
أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال:
«لا
تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله»
[أخرجاه].
قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:
«إياكم والغلو،
فإنما أهلك مَنْ كان قبلكم الغلو».
ولمسلم عن ابن مسعود
رضي الله عنه
أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
قال:
«هلك المتنطعون»
قالها ثلاثاً.
فيه مسائل:
الأولى: أن مَن فهم هذا الباب وبابين بعده، تبين له غربة الإسلام، ورأى من
قدرة الله وتقليبه للقلوب العجب.
الثانية: معرفة أول شرك حدث في الأرض أنه بشبهة الصالحين.
الثالثة: معرفة أول شيء غُيّر به دين الأنبياء، وما سبب ذلك مع معرفة أن
الله أرسلهم.
الرابعة: قبول البدع مع كون الشرائع والفِطَر تردها.
الخامسة: أن سبب ذلك كله مزج الحق بالباطل:
فالأول: محبة الصالحين.
والثاني: فعْل أناس من أهل
العلم والدين شيئاً أرادوا به خيراً، فظن مَن بعدهم أنهم أرادوا به غيره.
السادسة: تفسير الآية التي في سورة نوح.
السابعة: جبلة الآدمي في كون الحق ينقص في قلبه، والباطل يزيد.
الثامنة: فيه شاهد لما نُقل عن السلف أن البدعة سبب الكفر.
التاسعة: معرفة الشيطان بما تؤول إليه البدعة ولو حسُن قصد الفاعل.
العاشرة: معرفة القاعدة الكلية، وهي النهي عن الغلو، ومعرفة ما يؤول إليه.
الحادية عشرة: مضرة العكوف على القبر لأجل عمل صالح.
الثانية
عشرة: معرفة النهي عن التماثيل، والحكمة في إزالتها.
الثالثة
عشرة: معرفة عِظم شأن هذه القصة، وشدة الحاجة إليها مع الغفلة عنها.
الرابعة
عشرة: وهي أعجب وأعجب: قراءتهم إياها في كتب التفسير والحديث، ومعرفتهم
بمعنى الكلام، وكون الله حال بينهم وبين قلوبهم حتى اعتقدوا أن فعْل قوم نوح هو
أفضل العبادات، واعتقدوا أن ما نهى الله ورسوله
صلى الله عليه وسلم
عنه هو الكفر المبيح للدم والمال.
الخامسة
عشرة: التصريح أنهم لم يريدوا إلا الشفاعة.
السادسة
عشرة: ظنهم أن العلماء الذين صوروا الصور أرادوا ذلك.
السابعة
عشرة: البيان العظيم في قوله
صلى الله عليه وسلم:
«لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم»
فصلوات الله وسلامه عليه على أن بلغ البلاغ المبين.
الثامنة
عشرة: نصيحته إيانا بهلاك المتنطعين.
التاسعة
عشرة: التصريح بأنها لم تُعبد حتى نُسي العلم، ففيها بيان معرفة قدر
وجوده ومضرة فُقْده.
العشرون: أن سبب فَقْد العلم موت العلماء.