صفحة جديدة 1
وَقَد دَّخَلَ أيْضاً فِيمَا
ذَكَرْنَاهُ مِنَ الإِيمَانِ بِهِ وَبِكُتُبِهِ وبملائكته، وبرُسُلِهِ:
الإيمَانُ بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
عيَاناً
بِأَبْصَارِهِمْ كَمَا يَرَوْنَ
الشَّمْسَ صَحْواً لَيْسَ دونها سَحَابٌ، وَكَمَا
يَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لاَ يُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ يَرَوْنَهُ
سُبْحَانَهَ وَهُمْ فِي عَرَصَاتِ يوم الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَرَوْنَهُ بَعْدَ
دُخُولِ الْجَنَّةِ؛ كَمَا يَشَاءُ اللهُ.
فصل
وَمِنَ الإِيمَانِ
بِالْيَوْمِ الآخِرِ: الإيمَانُ بِكُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ
صلى الله عليه وسلم
مِمَّا يَكُونُ بَعْدَ
الْمَوْتِ، فَيُؤْمِنُونَ بِفِتْنَةِ الْقَبْرِ،
وَبِعَذَابِ الْقَبْرِ وَنَعِيمِهِ؛
فَأَمَّا الْفِتْنَةُ: فَإِنَّ النَّاسَ
يُفتنُونَ فِي قُبُورِهِمْ، فَيُقَالُ للرِّجُلِ: مَن رَّبُكَ؟
وَمَا دِينُكَ؟
وَمَن نَّبِيُّك؟
فيُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ
الثَّابِتِ في الحياة الدنيا وفي الآخرة
﴿يُثَبِّتُ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي
الآخِرَةِ﴾[إبراهيم:27]،
فَيَقُولُ الْمؤْمِنُ: رَبِّيَ،اللهُ، وَالإِسْلاَمُ دِينِي،
وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم نَبِيِّي.
وَأَمَّا الْمُرْتَابُ؛ فَيَقُولُ: ها ها؛ لاَ أَدْري، سَمِعْتُ
النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئاً فَقُلْتُهُ، فَيُضْرَبُ بِمِرْزَبَةٍ مِنْ حَدِيدٍ،
فَيَصِيحُ
صَيْحَةً يَسْمَعُهَا كُلُّ
شَيْءٍ إلاَّ الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهَا
الإِنْسَانُ لَصَعِقَ.
ثُمَّ بَعْدَ هّذِهِ الْفِتْنَةِ إمَّا نَعِيمٌ
وَإِمَّا
عَذَابٌ إِلَى يوم الْقِيَامَةُ الْكُبْرى، فَتُعَادُ الأَرْوَاحُ إِلَى
الأجْسَادِ، وَتَقُومُ الْقِيَامَةُ الَّتِي أَخْبَرَ اللهُ بِهَا
فِي
كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ
رَسُولِهُ
صلى الله عليه وسلم، وَأَجْمَعَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ، فَيَقُومُ النَّاسُ مِنْ
قُبُورِهِمْ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ حُفَاةً عُرَاةً
غُرْلاً، وَتَدْنُو مِنْهُمُ الشَّمْسُ، وَيُلْجِمُهُمُ الْعَرَقُ فَتُنْصَبُ
الْمَوَازِينُ، فَتُوزَنُ فيهَا أَعْمَالُ الْعِبَاد..
﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ
فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[المؤمنون:102]
﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ
فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ﴾[المؤمنون:103].
وَتُنْشَرُ الدَّوَاوِينُ، وَهِيَ صَحَائِفُ
الأَعْمَالِ، فَآخِذٌ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وآخِذٌ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ أَوْ
مِنْ وَّراءِ ظَهْرِهِ؛
كَمَا
قَالَ سبحانه وَتَعَالَى:
﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ
طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ
مَنشُورًا﴾[الإسراء:13]
﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ
الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾[الإسراء:14]
وَيُحَاسِبُ اللهُ الخَلائِقَ، وَيَخْلُو بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ،
فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ؛ كَمَا وُصِفَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ
وَالسُّنَّةِ؛ وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَلا يُحَاسَبُونَ مُحَاسَبَةَ مَنْ تُوزَنُ
حَسَنَاتُهُ
وَسَيِّئَاتُهُ؛ فَإِنَّهُ لاَ
حَسَنَات لَهُمْ، وَلَكِنْ تُعَدّ أَعْمَالُهُمْ فَتُحْصَى، فَيُوقَفُونَ عَلَيْهَا
وَيُقَرَّرُونَ بِهَا ويُجزَون بها.
وَفِي
عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ
الْحَوضُ الْمَوْرُودُ للنبي
صلى الله عليه وسلم،
ماؤُه أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ،آنِيَتُهُ
عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ، طُولُهُ شَهْرٌ، وَعَرْضُهُ شَهْرٌ، مَن
يَّشْرَبُ
مِنْهُ شَرْبَةً لا يَظْمَأُ
بَعْدَهَا أَبَداً.
وَالصِّرَاطُ
مَنْصُوبٌ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ، وَهُوَ الْجِسْرُ الَّذِي بَيْنَ
الْجَنَّةِ
وَالنَّارِ، يَمُرُّ النَّاسُ
عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ
مَنْ يَمُرُّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ، وَمِنْهُم مَن يَمُرُّ كَالْبَرْقِ، وَمِنْهُم
مَن يَمُرُّ كَالرِّيحِ، ومِنْهُم مَن يَمُرُّ كَالْفَرَسِ
الْجَوَادِ، وَمِنْهُم
مَن يَمُرُّ كَرِكَابِ
الإِبِلِ، ومِنْهُم مَن يَعْدُو عَدْواً، وَمِنْهُم مَن
يَمْشِي مَشْياً، وَمِنْهُم مَن يَزْحَفُ زَحْفاً، وَمَنْهُم مَن يُخْطَفُ خَطْفاً
وَيُلْقَى فِي جَهَنَّمَ؛ فَإِنَّ الْجِسرَ عَلَيْهِ كَلاَلِيبُ تَخْطِفُ النَّاسَ
بِأَعْمَالِهِم، فَمَنْ مَرَّ عَلَى الصِّرَاطِ دَخَلَ الْجَنَّةَ،
فَإِذَا
عَبَرُوا عَلَيْهِ وُقِفُوا
عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ،
فَيُقْتَصَّ لِبَعْضِهِم مِن بَعْضٍ، فَإِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ
فِي دُخُولِ الْجَنَّة.