صفحة جديدة 1
بَلْ هُمُ الْوَسَطُ فِي
فِرَقِ الأُمَّةِ، كَمَا أَنَّ الأُمَّةَ هِيَ الْوَسَطُ فِي الأُمَمِ
فَهُمْ وَسَطٌ فِي بَابِ صِفَاتِ الله سبحانه وتعالى بَيْنَ
أهْلِ التَّعْطِيلِ الْجَهْمِيَّةِ، وَبين أَهْلِ التَّمْثِيلِ الْمُشَبِّهَة،
وَهُمْ وَسَطٌ
- فِي بَابِ أَفْعَالِ الله بَيْنَ الْجَبْرِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ
(وغيرهم).
-
وَفِي
بَابِ وَعِيدِ الله بَيْنَ الْمُرْجِئَةِ والْوَعِيدِيَّةِ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ
وَغِيْرِهِمْ
- وَفِي بَابِ أسماء الإِيمَانِ والدِّينِ بَيْنَ الْحَرُورِيَّةِ
وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَبَيْنَ الْمرجِئَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ
- وَفِي أَصْحَابِ رسول الله
صلى الله عليه وسلم
بَيْنَ الرافضة والْخَوَارِجِ.
فصل
وَقَدْ دَخَلَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الإِيمَانِ بِالله:
الإِيمَانُ بِمَا أَخْبَرَ اللهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ، وَتَوَاتَرَ عَن رَّسُولِه
صلى الله عليه وسلم،
وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الأُمَّةِ؛ مِنْ أَنَّهُ سبحانه وتعالى
فَوْقَ
سَمَاوَاتِهِ، عَلَى عَرْشِهِ، عَلِيٌّ عَلَى خَلْقِهِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ
مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا، يَعْلَمُ مَا هُمْ عَامِلُونَ؛ كَمَا جَمَعَ بَيْنَ
ذَلِكَ في َقَوْلِهِ: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ
يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ
السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ
بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾[الحديد:4].
وَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ:
﴿وَهُوَ مَعَكُمْ﴾[الحديد:4]
أَنَّهُ مُخْتَلِطٌ بِالْخَلْقِ؛
فَإِنَّ هَذَا لاَ تُوجِبُهُ اللُّغَةُ، وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة وخلاف ما
فطر الله عليه الخَلْق، بَلِ الْقَمَرُ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ الله
مِنْ أَصْغَرِ مَخْلُوقَاتِهِ، وَهُوَ مَوْضُوعٌ فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ مَعَ
الْمُسَافِرِ وغير المسافر أَيْنَمَا كَانَ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ فَوْقَ
عرشه، رَقِيبٌ عَلَى خَلْقِهِ، مُهَيْمِنٌ عَلَيْهِمْ، مُطَّلِعٌ علَيْهِم، إِلَى
غَيْرِ ذَلِكَ مِن مَّعَانِي رُبُوبِيَّتِهِ.
وَكُلُّ هَذَا الْكَلامِ
الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ؛ مِنْ أَنَّهُ فَوْقَ
الْعَرْشِ وَأَنَّهُ مَعَنَا حَقٌّ
عَلَى حَقِيقَتِهِ، لاَ يَحْتَاجُ إَلَى تَحْرِيفٍ، وَلَكِنْ
يُصَانُ عَنِ
الظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ، مثل: أن يُظَنّ أن ظاهر قوله في السماء أن
السماء تظله أو تُقِله، وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان.
فصل
ودخَلَ فِي ذَلِكَ الإِيمَانُ بِأَنَّهُ قَرِيبٌ مجيب كما جمع بين
ذلك في قوله:
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي
عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾[البقرة:186].
وقوله
صلى الله عليه وسلم:
«إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ
إِلَى أَحَدِكُم مِّن عُنقِ رَاحِلَتِهِ»
وَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتِابِ
وَالسُّنَّةِ مِنْ قُرْبِهِ وَمَعِيَّتِهِ لاَ
يُنَافِي مَا ذُكِرَ مِنْ عُلُوِّهِ
وَفَوْقِيَّتِهِ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فِي جَمِيعِ نُعُوتِهِ، وَهُوَ عَلِيٌّ فِي دُنُوِّه، قَرِيبٌ
فِي عُلُوِّهِ.
فصل
وَمِنَ الإِيمَانِ بالله وِكُتُبِهِ: الإيمانُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ
كَلامُ الله سبحانه وتعالى، مُنَزَّلٌ، غَيْرُ مَخْلُوقٍ، مِنْهُ بَدَأَ،
وَإِلَيْهِ يَعُودُ،
وَأَنَّ اللهَ تَكَلَّمَ بِهِ حَقِيقَةً، وَأَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ
الَّذِي
أَنْزَلَهُ عَلَى نَبيِّه مُحَمَّدٍ
صلى الله عليه وسلم
هُوَ كَلامُ الله حَقِيقَةً،
لاَ
كَلامَ غَيْرِهِ وَلا يَجُوزُ إِطْلاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ
كَلاَمِ الله، أَوْ عِبَارَةٌ عنه؛ بَلْ إِذَا قَرَأَهُ النَّاسُ أَوْ كَتَبُوهُ
فِي
الْمَصَاحِفِ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ كَلامَ الله سبحانه وتعالى
حَقِيقَةً
فَإِنَّ الْكَلاَمَ إِنَّمَا يُضَافُ حَقِيقَةً إِلَى مَنْ
تَكَلَّم به مُبْتَدِئاً، لاَ إلَى مَنْ قَالَهُ مُبَلِّغاً مُؤَدِّياً وهو كلام
الله حروفه ومعانيه، ليس كلام الله الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف.