HTML Editor - Full Version
وَأَمَّا مَنْ زَاغَ وَحَادَ عَنْ سَبِيلِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ، وَاَلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، وَمَنْ دَخَلَ فِي هَؤُلَاءِ مِنْ الصَّابِئَةِ والمتفلسفة والجهمية وَالْقَرَامِطَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّهُمْ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ؛
- يَصِفُونَهُ بِالصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ،
- وَلَا يُثْبِتُونَ إلَّا وُجُودًا مُطْلَقًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ عِنْدَ التَّحْصِيلِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إلَى وُجُودٍ فِي الْأَذْهَانِ يَمْتَنِعُ تَحَقُّقُهُ فِي الْأَعْيَانِ،
فَقَوْلُهُمْ يَسْتَلْزِمُ غَايَةَ التَّعْطِيلِ وَغَايَةَ التَّمْثِيلِ؛
فَإِنَّهُمْ يُمَثِّلُونَهُ بِالْمُمْتَنِعَاتِ، وَالْمَعْدُومَاتِ وَالْجَمَادَاتِ؛
وَيُعَطِّلُونَ الْأَسْمَاءَ وَالصِّفَاتِ تَعْطِيلًا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الذَّاتِ.
فَغُلَاتُهُمْ يَسْلُبُونَ عَنْهُ النَّقِيضَيْنِ؛ فَيَقُولُونَ:
لَا مَوْجُودَ، وَلَا مَعْدُومَ، وَلَا حَيَّ، وَلَا مَيِّتَ، وَلَا عَالِمَ، وَلَا جَاهِلَ؛
لِأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ إذَا وَصَفُوهُ بِالْإِثْبَاتِ شَبَّهُوهُ بِالْمَوْجُودَاتِ،
وَإِذَا وَصَفُوهُ بِالنَّفْيِ شَبَّهُوهُ بِالْمَعْدُومَاتِ؛
فَسُلِبُوا النَّقِيضَيْنِ وَهَذَا مُمْتَنِعٌ فِي بَدَاهَةِ الْعُقُولِ؛
وَحَرَّفُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْكِتَابِ، وَمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ؛ فَوَقَعُوا فِي شَرٍّ مِمَّا فَرُّوا مِنْهُ،
فَإِنَّهُمْ شَبَّهُوهُ بِالْمُمْتَنِعَاتِ؛ إذْ سَلْبُ النَّقِيضَيْنِ كَجَمْعِ النَّقِيضَيْنِ، كِلَاهُمَا مِنْ الْمُمْتَنِعَاتِ.
وَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الْوُجُودَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُوجِدٍ وَاجِبٍ بِذَاتِهِ غَنِيٍّ عَمَّا سِوَاهُ؛ قَدِيمٍ أَزَلِيٍّ؛ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْحُدُوثُ وَلَا الْعَدَمُ فَوَصَفُوهُ بِمَا يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ فَضْلًا عَنْ الْوُجُوبِ أَوْ الْوُجُودِ أَوْ الْقِدَمِ.
وَقَارَبَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَأَتْبَاعَهُمْ فَوَصَفُوهُ بِالسُّلُوبِ وَالْإِضَافَاتِ دُونَ صِفَاتِ الْإِثْبَاتِ،
وَجَعَلُوهُ هُوَ الْوُجُودَ الْمُطْلَقَ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ،
وَقَدْ عُلِمَ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ أَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي الذِّهْنِ لَا فِيمَا خَرَجَ عَنْهُ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ ،
وَجَعَلُوا الصِّفَةَ هِيَ الْمَوْصُوفَ، فَجَعَلُوا الْعِلْمَ عَيْنَ الْعَالِمِ مُكَابَرَةً لِلْقَضَايَا الْبَدِيهَاتِ، وَجَعَلُوا هَذِهِ الصِّفَةَ هِيَ الْأُخْرَى؛
فَلَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْمَشِيئَةِ جَحْدًا لِلْعُلُومِ الضَّرُورِيَّاتِ.