لك خالص شكري منع بعض أهل العلم من استعمال عبارة ( لك خالص شكري ) ونحوها مثل خالص مودتي أو خالص تحيتي في خطاب مخلوق ، والذي يظهر لي هو جواز استعمال هذه العبارات إذا لم يقصد المتكلم صرف عبادة لغير الله ، وعنى بالخالص الخالي من الغش والخداع وإرادة الشر ، ونحو ذلك من المعاني اللائقة بالبشر ، ولكن يظل اجتناب هذه العبارات أولى وأبعد عن الشبهة .
وذلك لأنها من خلص خلوصا بمعنى صفي من الشوائب ، وهي في كل شيء بحسبه ، والأعمال بالنيات ، فأنت لا تقصد صرف عبادة الشكر إلى المشكور ، ولا صرف عبادة الحب إلى المحبوب ، وإلا لكان خالص الشكر ومشوبه شركا ، وكان خالص الود ومشوبه شركا ، وللزم من تحريم عبارة ( لك خالص شكري ) تحريم عبارة ( لك شكري ، أو لك مودتي أو تحيتي ) ، وحيث إن العبارة الأخيرة جائزة ونتأول لقائلها أنه أراد شكرا يليق بالمخلوق ومودة وتحية تليق بالمخلوق ، فكذلك ينبغي أن نبيح الأولى ونتأول لقائلها أنه عنى شكرا خالصا من الشوائب التي ينبغي أن يخلص منها شكر المخلوق ، ولم يعن به الإخلاص الذي لا يصرف إلا لله سبحانه .
والخلوص يأتي بمعنى النصح فالعرب تقول نصح العسل إذا خلص من الشمع ، وعسل خالص أي صاف من الشوائب ، ومع أن النصيحة تأتي بمعنى الخلوص فقد جاء في الحديث الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم
فالنصيحة للرسول هي بمعنى أن تكون طاعته خالصة مما يشوبها ومحبته خالصة مما يشوبها وتصديقه خالصا مما يشوبه ، فتكون طاعتك له غير مشوبة بمعصية ومحبتك له غير مشوبة بكراهية وتصديقك له غير مشوب بتردد ونحو هذا
والنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم أن تكون إرادتك الخير لهم خالصة عما يشوبها من غش وخداع وأثرة عليهم وإرادة شر بهم .
فاستعمال النصيحة في الحديث هو بمعنى قريب من الخلوص الذي يعنيه قائل ( خالص شكري ومحبتي ) قال تعالى (أن اشكر لي ولوالديك ) الشكر لله لا بد أن يكون خالصا
والشكر للوالدين هل لا بد أن يكون مغشوشا ؟ ألا يصح أن يشكر لهما شكرا خالصا لائقا بالمخلوق ؟ ثم لو قال في خطاب مخلوق ( أكن لك ودا صادقا ) هل سنقول الصدق عبادة والود الصادق لا يكون إلا لله سبحانه ، ومودتك للمخلوق لا بد أن تكون كاذبة ؟ إن كان الجواب بجواز الود الصادق للمخلوق ، فلماذا جوّزنا الصادق ومنعنا الخالص ؟ ثم لو تأملنا الأحاديث الآتية : ــ قال أحمد في مسنده : حدثنا إسماعيل أخبرنا ابن جريج عن عطاء قال جابر بن عبد الله أهللنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالحج خالصا ليس معه غيره خالصا وحده
ــ في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع من كن فيه كان منافقا خالصا
ــ قال الترمذي حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان قال سمعت عمر بن الخطاب يقول كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصا وما أشبهها ، بالإضافة إلى قوله تعالى في خطاب رسوله ( خالصة لك من دون المؤمنين )
لوجدنا أن الحج الخالص أي الذي لم تقرن به العمرة ، والمنافق يوصف بأنه خالص ، والمال خالص لرسول الله ، ونحو ذلك مما يبين استعمالات لفظ خالص ، وأنه ليس بالضرورة أن يراد به إخلاص العبادة ، وإنما هو في كل سياق بحسبه ، وأنه يجوز استعماله في حق المخلوق إذا قصد به معنى لا ئقٌ بالمخلوق.
والله أعلم . |