صفحة جديدة 2
فُروعٌ:
الأوَّلُ: إذا كانَ أصلُ الشَّيخ حال القرَاءةِ، بيد موثُوقٍ به، مُرَاعٍ لما
يَقْرأ، أهلٌ لَهُ، فإن حَفِظَ الشَّيخُ ما يُقرأ فهو كَإمسَاكِهِ أَصلَهُ
وَأَوْلَى، وإن لم يحفظ فَقِيلَ: لا يَصِحُّ السَّمَاعُ.
والصَّحِيحُ المُختارُ الَّذي عليهِ العَمَلُ أنَّهُ صحيح.
فإن كان بيدِ القَارِئ المَوْثُوقِ بدينهِ ومعرفَتِهِ فأَوْلَى بالتَّصْحِيح، ومتَى
كانَ الأصلُ بيدِ غيرِ مَوْثُوقٍ به لم يَصِحَّ السَّمَاعُ، إن لم يحفظهُ الشَّيخُ.
الثَّاني: إذا قرَأ على الشَّيخ قائِلاً: أخبركَ فُلان، أو نحوهُ، والشَّيخُ مُصْغٍ
إليه، فاهمٌ لهُ، غير مُنْكرٍ، صَحَّ السَّمَاع، وجازَتِ الرِّوَايَةُ به، ولا
يُشْتَرَطُ نُطقُ الشَّيخِ، على الصَّحيحِ الَّذي قطعَ به جماهِيرُ أصحَابِ
الفُنُونِ.
وشَرَطَ بعضُ الشَّافِعيِّينَ والظَّاهِريِّينَ نُطقَهُ.
وقالَ ابن الصبَّاغِ الشَّافعيُّ: ليسَ له أن يقولَ: حدَّثني، ولهُ أن يَعْمَلَ به،
وأن يروِيَهُ، قائلاً: قُرِئَ عَلَيْهِ وهو يسمَعُ.
الثَّالثُ: قال الحَاكِمُ: الَّذي أختَارُهُ، وعَهِدْتُ عليهِ أكْثَرَ مشَايخي،
وأئمَّةِ عصري أن يقول:
فيما سَمِعَهُ وحدَهُ من لفظِ الشَّيخ: حَدَّثني.
وَمَعَ غَيْرِهِ: حدَّثَنَا.
وَمَا قَرَأ عَلَيْهِ: أخْبَرَنِي.
وَمَا قُرِئ بحَضرتِهِ: أخْبَرَنا.
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عن ابن وَهْبٍ، وَهُو حَسَنٌ.
فَإن شَكَّ فالأظْهَرُ أن يَقُولَ: حَدَّثَنِي، أو يَقولَ: أخْبَرَني، لا حَدَّثنَا
وَأخْبَرَنَا.
وكُلُّ هذا مستحَبٌ باتِّفَاقِ العُلَمَاءِ.
ولا يَجُوزُ إبدَالُ: (حدَّثنا) بـ (أخبرنا)، أو عَكْسُهُ في الكُتُبِ
المُؤَلَّفَةِ.
وما سَمِعْتهُ من لفظِ المُحَدِّثِ فهو على الخِلافِ في الرِّوَايَة بالمعنَى، إن
كان قائلُهُ يُجَوِّز إطْلاقَ كليهما، وإلاَّ فَلا يَجُوزُ.
الرَّابع: إذا نَسَخَ السَّامع أو المُسمِع حال القِرَاءة، فقال إبراهيم
الحَرْبيُّ، وابن عَدي، والأسْتَاذ أبو إسْحَاق الإسْفراييني الشَّافعي: لا يَصحُّ
السَّماع، وصَحَّحه الحافظ مُوسى بن هارون الحَمَّال وآخَرُون.
وقال أبو بكر الصِّبغيُّ الشَّافعيُّ: يَقُول: (حضرتُ)، ولا يَقُول: (أخبرنا).
والصَّحيح: التَّفصيل، فإن فَهم المقرُوء صَحَّ، وإلاَّ لَمْ يصح.
ويَجْري هذا الخِلافُ فيما إذا تَحدَّث الشَّيخ أو السَّامع، أو أفْرطَ القَارئ في
الإسْراعِ، أو هَيْنمَ القَارئ، أو بَعُدَ بحيث لا يُفْهَمُ، والظَّاهر أنَّهُ
يُعفَى عن نحو الكَلمتين
[ويَجْري هذا الخلاف] والتَّفصيل [فيما إذا تحدَّث الشَّيخ أو السَّامع، أو أفرط
القارئ في الإسراع] بحيث يخفي بعض الكلام [أو هينم القارئ] أي أخفى صوته [أو بَعُد]
السَّامع [بحيث لا يُفهم] المقروء [والظَّاهر أنَّه يعفى] في ذلك [عن] القدر اليسير
الَّذي لا يخل عدم سماعه بفهم الباقي [نحو] الكلمة و[الكلمتين].
ويُسْتحب للشَّيخ أن يُجيز للسَّامعين رِوَاية ذَلك الكِتَاب، وإن كَتَبَ لأحَدَهم
كتبَ: سمعهُ منِّي، وأجَزتُ لهُ رِوَايتهُ، كَذَا فعلَ بعضهُم.
ولو عَظُم مَجْلسُ المُمْلي، فَبَلَّغ عنهُ المُسْتملي، فذهبَ جَمَاعةٌ من
المُتقدِّمين وغيرهم إلى أنَّهُ يَجُوز لِمَنْ سمِعَ المُسْتملي أن يَرْوي ذلك عن
المُمْلي، والصَّواب الَّذي قالهُ المُحقِّقون: أنَّه لا يَجُوز ذلك.
وقال الأعمش: كُنَّا نجلس إلى إبراهيم النَّخعي مع الحلقة، فربَّما يُحدِّث بالحديث
فلا يسمعهُ من تنحَّى عنهُ فيَسْأل بعضهم بعضًا عمَّا قال، ثمَّ يروونه، وما سمعوه
منه.
فعن ابن عُيينة، أنَّه قال له أبو مسلم المُسْتملي: إنَّ النَّاس كثير لا يسمعون،
قال: أسْمِعهُم أنت.
قال ابن الصَّلاح: وهذا تَسَاهلٌ مِمَّن فعلهُ [والصَّواب الَّذي قاله المُحققون:
أنَّه لا يَجُوز ذلك].
وقال العِرَاقيُّ في الأوَّل: هو الَّذي عليه العمل، لأنَّ المُستملي في حُكم مَنْ
يقرأ على الشَّيخ ويعرض حديثه عليه، ولكن يُشترط أن يسمع الشَّيخ المُمْلي لفظ
المُسْتملي، كالقارئ عليه، والأحوط أن يُبين حالة الأدَاء أنَّ سماعه لذلك، أو لبعض
الألفاظ من المُسْتملي، كما فعلهُ ابن خُزيمة وغيره، بأن يقول: أخبرنا بتبليغ
فُلان.
وقد ثبتَ في «الصَّحيحين» عن جابر بن سَمُرة: سمعتُ النَّبي صلى الله عليه وسلم
يقول: «يَكُون اثْنَا عشر أميرًا...» فقال كَلمة لم أسْمَعها، فسألت أبي فقال:
«كُلهم من قُرَيش».
وقد أخرجهُ مسلم عنه كاملاً من غير أن يُفَصّل جابر الكَلمة الَّتي استفهمها من
أبيه.
وقال أحمدُ في الحَرْف يدغمهُ الشَّيخ فلا يُفْهم، وهو معروفٌ: أرجُو أن لا تضيق
روايتهُ عنهُ.
وقال في الكَلمةِ تُسْتفهم من المُسْتملي: إن كانت مُجْتمعًا عليها فلا بأسَ، وعن
خَلَف بن سالم مَنْعُ ذلكَ.
[وعن خلف بن سالم] المخرمي(828) [منع ذلك] فإنَّه قال: سمعتُ ابن عُيينة يقول: نا
عَمرو بن دينار، يريد حدَّثنا، فإذا قيل له: قُل حدَّثنا، قال: لا أقول، لأنِّي لم
أسمع من قوله حدَّثنا ثلاثة أحرف لكثرة الزِّحام، وهي: ح د ث.
الخامسُ: يَصحُّ السَّماع من وراء حِجَاب إذا عرف صوتهُ إن حدَّث بلفظهِ، أو
حُضُوره بِمَسْمعٍ منهُ إن قُرئ عليه، ويكفي في المَعْرفة خبرُ ثقةٍ، وشَرَطَ شُعبة
رؤيتهُ، وهو خِلاف الصَّواب وقَوْل الجمهُور.
[وهو خِلاف الصَّواب وقول الجمهور] فقد أمرَ النَّبي صلى الله عليه وسلم بالاعْتماد
على سماع صَوْت ابن أمِّ مَكْتُوم المؤذن في حديث: «إنَّ بلالاً يُؤذِّن بليل
...»(830) الحديث مع غَيْبة شخصهِ عمَّن يَسْمعهُ، وكان السَّلف يسمعُون من عَائشة
وغيرها من أمَّهات المؤمنين، وهُنَّ يُحدِّثن من وراء حجاب.
السَّادس: إذا قال المُسمِع عند السَّماع: لا ترو عنِّي، أو رجعتُ عن إخْبَارك،
ونحو ذلك، غيرَ مُسْند ذلكَ إلى خطأ، أو شَكٍّ، ونحوه، لم تمتنع روايتهُ، ولو خصَّ
بالسَّماع قومًا، فسمعَ غيرُهُم بغيرِ عِلْمه، جَازَ لهم الرِّواية عنهُ، ولو قال:
(أُخْبركُم، ولا أُخبر فُلانًا) لم يَضُر، قالهُ الأستاذ أبو إسْحَاق.