صفحة جديدة 1
الخَامسةُ: الصَّحيح أنَّ الجَرْح والتَّعديل يَثْبُتان بواحد، وقيل: لا بد من
اثنين، وإذَا اجتمعَ فيهِ جَرْحٌ وتعديل فالجَرْحُ مُقدَّم.
وقيَّد الفُقهاء ذلك بما إذَا لم يَقُل المُعدِّل عرفت السَّبب الَّذي ذكرهُ
الجارح، ولكنَّه تابَ وحَسُنت حاله، فإنَّه حينئذ يُقدم المُعدِّل..
وقيل: إنْ زادَ المُعدِّلون قُدِّم التَّعديل، وإذا قال: حدَّثني الثِّقة، أو نحوه
لم يُكتف به على الصَّحيح.
وقيلَ: يُكتفى، فإن كانَ القَائل عالمًا كَفَي في حقِّ مُوافقهِ في المَذْهب عندَ
بَعْض المُحَقِّقين
وإذَا رَوَى العدلُ عمَّن سمَّاهُ لم يَكُن تعديلاً عند الأكثرين، وهو الصَّحيح..
وقيلَ: هو تعديلٌ
إذ لو عَلِم فيه جَرْحًا لذَكَره، ولو لم يذكره لكان غاشًّا في الدِّين.
وعملُ العالم وفُتياهُ على وَفْق حديثٍ رَوَاهُ ليسَ حُكمًا بصحَّتهِ، ولا
مُخَالفته قَدحٌ في صِحَّته، ولا في رُوَاته.
السَّادسة: روايةُ مَجْهول العَدَالة ظَاهرًا وباطنًا لا تُقبلُ عند الجَمَاهير،
وروايةُ المَسْتُور- وهو عدل الظَّاهر، خَفِيُّ البَاطن- يَحْتجُّ بها بعض مَنْ
ردَّ الأوَّل؛ وهو قولُ بعض الشَّافعيين.
وقال الشَّيخ: يُشبهُ أن يَكُون العملُ على هذا، في كثيرٍ من كُتب الحديث، في
جَمَاعةٍ من الرُّواةِ تَقَادم العَهْدُ بهم، وتَعَذَّرت خبرتهم باطنًا، وأمَّا
مَجْهُول العين فقد لا يقبلهُ بعض مَنْ يقبلُ مجهولَ العَدَالة، ثمَّ مَنْ رَوَى
عنه عَدْلان عيَّنَاهُ ارْتَفعت جَهَالةُ عينه.
قال الخَطِيب: المَجْهُول عندَ أهل الحديث مَنْ لَمْ يعرفهُ العُلماء، ولا يُعرفُ
حديثهُ إلاَّ من جهةِ واحدٍ، وأقلُّ ما يرفع الجَهَالة روايةُ اثنين مَشْهورين.
ونقلَ ابنُ عبد البر عن أهلِ الحَدِيث نحوهُ.
قال الشَّيخ ردًّا على الخطيب: وقد رَوَى البُخَاري عن مِرْداس الأسْلَمي، ومُسْلم
عن رَبِيعة بن كعب الأسْلَميِّ، ولم يرو عنهُمَا غير واحد، والخلافُ في ذلك
مُتَّجه، كالاكْتفاء بتعديل واحدٍ.
والصَّوابُ: نَقْلُ الخَطِيب، ولا يصحُّ الرَّد عليه بمرْدَاس وربيعة، فإنَّهما
صَحَابيان مَشْهوران، والصَّحابة كُلهم عُدولٌ.
فرعٌ: يُقبلُ تعديل العبدُ والمَرْأة العَارفيْن، ومَنْ عُرِفَت عينُهُ وعدالتُهُ،
وجُهِلَ اسمهُ احتُجَّ به
[ومن عُرفت عينهُ وعدالته، وجهل اسمه] ونسبه [احتجَّ به] وفي «الصَّحيحين» من ذلك
كثير، كقولهم: ابن فُلان، أو والدُ فُلان، وقد جَزمَ بذلك الخطيب في «الكفاية»(722)
ونقله عن القاضي أبي بكر الباقلاني، وعلَّله بأنَّ الجهل باسمه لا يخل بالعلم
بِعَدالتهِ، ومثَّله بحديث ثُمَامة بن حزن القُشَيري: سألتُ عائشة عن النَّبيذ،
فقالت: هذه خَادم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لجارية حَبَشية – فَسَلهَا...
الحديث.
وإذَا قَال: أخْبَرني فُلان، أو فُلان، وهُمَا عَدْلان، احُتْجَّ به، فإن جهلَ
عَدَالة أحدهما، أو قال: فُلانٌ أو غيرهُ، لم يُحتج به.
قاله الخطيب، ومثَّله بحديث شُعبة، عن سَلَمة بن كُهَيل، عن أبي الزَّعْراء، أو عن
زَيْد بن وهب: أنَّ سُويد بن غَفلة دخلَ على عليِّ بن أبي طالب فقال: يا أمير
المُؤمنين إنِّي مررتُ بقومٍ يَذْكُرونَ أبا بكر وعُمر... الحديث
وإذَا قَال: أخْبَرني فُلان، أو فُلان، وهُمَا عَدْلان، احُتْجَّ به.
فإن جهل عَدَالة أحدهما، أو قال: فُلان، أو غيره لم يُحْتَج به.
السَّابعة: مَنْ كُفِّرَ بِبدْعتهِ لَمْ يُحتجَّ به بالاتِّفاقِ، ومن لَمْ يُكفَّر
قيلَ: لا يُحتجُّ به مُطْلقًا، وقيلَ: يُحتجُّ به إنْ لَمْ يَكُن مِمَّن يَسْتحل
الكذب في نُصْرة مَذْهبه، أو لأهْلِ مَذْهبه.
وحُكي عن الشَّافعيِّ، وقيلَ: يُحتجُّ به إن لَمْ يَكُن دَاعية إلى بِدْعته، ولا
يُحتجُّ به إن كانَ دَاعيةً، وهذا هو الأظْهَرُ الأعْدلُ، وقولُ الكثير أو الأكْثر،
وضُعِّف الأوَّل باحتجاجِ صاحبي «الصَّحيحين» وغيرِهمَا بكثيرٍ من المُبْتدعة غير
الدُّعَاة.
[وحُكي] هذا القول [عن الشَّافعي] حَكَاهُ عنهُ الخطيب في «الكِفَاية»(745) لأنَّه
قال: أقبلُ شهادة أهل الأهواء، إلاَّ الخَطَّابية، لأنَّهم يرون الشَّهادة بالزُّور
لمُوافقيهم