صفحة جديدة 1
جلْسَةُ الاسْتِراحَةِ
ثم يستوي قاعداً على رجله اليسرى معتدلاً؛ حتى يرجع كل عظم إلى موضعه.
الاعتماد على اليدين في النُّهوض إلى الركعة
ثم كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهض - مُعتمداً على الأرض - إلى الركعة
الثانية.
وكان صلى الله عليه وسلم يعجن في الصلاة: يعتمد على يديه إذا قام.
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا نهض في الركعة الثانية استفتح بـ:
الحَمْدُ لِلَّهِ، ولم يسكت.
وكان يصنع في هذه الركعة مثل ما يصنع في الأولى؛ إلا أنه كان يجعلها أقصر من الأولى
- كما سبق -.
وجوبُ قراءة الفَاتِحَة في كُلِّ ركعةٍ
وقد أَمَر (المسيء صلاته) بقراءة الفَاتِحَة في كل ركعة؛ حيث قال له بعد أن أمره
بقراءتها في الركعة الأولى: «ثم افعل ذلك في صلاتك كلها (وفي رواية: في كل ركعة)»،
وقال: «في كل ركعة قراءة».
التشهد الأول
جلسة التشهد
ثم كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجلس للتشهد بعد الفراغ من الركعة
الثانية، فإذا كانت الصلاة ركعتين- كالصبح- جلس مفترشاً، كما كان يجلس بين
السجدتين، وكذلك يجلس في التشهد الأول من الثلاثية أو الرباعية.
وأمر به (المسيء صلاته)؛ فقال له: «فإذا جَلَسْتَ في وسَط الصلاة فاطمئن، وافترش
فخذك اليسرى، ثم تَشَهّد».
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: «ونهاني خليلي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن
اقعاء كإقعاء الكلب»، وفي حديث آخر: «كان ينهى عن عُقْبَةِ الشيطان».
الإقعاء: هو أن يلزق الرجل أليتيه بالأرض وينصب ساقيه، ويضع يديه بالأرض
وكان إذا قعد في التشهد وضع كَفّه اليمنى على فخذه (وفي رواية: ركبته) اليمنى، ووضع
كفه اليسرى على فخذه (وفي رواية: ركبته) اليسرى؛ باسطها عليها.
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضع حَدَّ مَرْفقِهِ الأيمن على فخذه
اليمنى.
ونهى رجلاً وهو جالس معتمد على يده اليسرى في الصلاة؛ فقال: «إنها صلاةُ اليهود
(وفي لفظ:
لا تجلسْ هكذا)؛ إنما هذه جِلْسَة الذين يُعَذَّبون».
وفي حديث آخر: «هي قعْدَة المغضوب عليهم».
تحريكُ الإصْبَعِ في التشهد
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبسط كفه اليسرى على ركبته اليسرى، ويقبضُ
أصابعَ كفِّه اليمنى كلها، ويشير بإصبعه التي تلي الإبهام إلى القِبْلة، ويرمي
ببصره إليها.
وكان إذا أشار بإصبعه وضع إبهامه على إصبعه الوسطى، وتارة كان يُحَلِّق بهما حلقة.
وكان يرفع أصبعه يحركها يدعو بها. ويقول: «لهي أشد على الشيطان من الحديد» يعني:
السبابة.
وكان أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأخذ بعضهم على بعض- يعني:
الإشارة بالإصبع في الدعاء.
(حَدّثني رجل أنه رأى الأنبياء مُمثلين في كنيسة في الشام في صلاتهم قائلين هكذا –
ونصب الحميدي إصبعه)؛ وهذه فائدة نادرة غريبة، وسندها إلى الرجل صحيح.
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل ذلك في التشهدين جميعاً.
ورأى رجلاً يدعو بأصبعيه، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أحِّدْ أحِّدْ»، وأشار بالسبابة.
وجوبُ التشهد الأول، ومشروعيةُ الدعاءِ فيه
ثم كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في كل ركعتين (التحية).
وكان أول ما يتكلم به عند القعدة: (التحيات لله).
وكان إذا نسيها في الركعتين الأوليين يسجد للسهو.
وكان يأمر بها فيقول: «إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا: (التحيات لله... إلخ)،
وليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه، فَلْيَدْعُ الله عز وجل به»، وفي لفظ: (قولوا
في كل جلسة: التحيات)، وأَمَر به (المسيء صلاته) أيضاً - كما تقدم آنفاً-.
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمهم التشهد كما يُعَلِّمهم السورة
من القرآن؛ والسُّنة إخفاؤه.
صِيَغُ التشهد
وعَلّمهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنواعاً من صيغ التشهد:
1- تشهد ابن مسعود:
قال: علَّمني رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التشهد، وكَفِّي بين
كَفَّي؛ كما يعلمني السورة من القرآن: «التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام
عليك أيها النبي، ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» فإنه
إذا قال ذلك أصاب كُلَّ عبدٍ صالح في السماء والأرض، «أشهد أن لا إله إلا الله،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله»؛ وهو بين ظهرانينَا، فلما قُبِضَ صلى الله عليه وسلم
قلنا: السلام على النبي.
2- تشهد ابن عباس:
قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلّمنا التشهد كما
يُعَلِّمنا السورة من القرآن؛ فكان يقول: «التحيات، المباركات، الصلوات، الطيبات
لله، السلام (وفي رواية: سلام) عليك أيها النبي! ورحمة الله وبركاته، السلام (وفي
رواية: سلام) علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن
محمداً رسول الله (وفي رواية: عبده ورسوله)».
3- تشهد ابن عمر:
عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال في التشهد: «التحيات لله،
الصلوات، الطيبات (والصلوات، والطيبات) السلام عليك أيها النبي ورحمة الله»- قال
ابن عمر: زدت فيها: (وبركاته) – السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا
إله إلا الله - قال ابن عمر: وزدت فيها: وحده لا شريك له -، وأشهد أن محمداً عبده
رسوله.
4- تشهد أبي موسى الأشعري:
قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «... وإذا كان عند القعدة؛
فليكن من أول قول أحدكم: التحيات، الطيبات، الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي!
ورحمة الله وبركاته، السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، سبع كلمات هن تحية الصلاة».
5- تشهد عمر بن الخطاب:
كان رضي الله عنه يُعلِّم الناس التشهد وهو على المنبر؛ يقول: «قولوا: التحيات لله،
الزاكيات لله، الطيبات لله، السلام عليك... (والباقي مثل تشهد ابن مسعود).
6- تشهد عائشة:
قال القاسم بن محمد: كانت عائشة رضي الله عنها ُتعلِّمنا التشهد، وتشيرُ بيدها،
تقول: (التحيات، الطيبات، الصلوات، الزاكيات لله، السلام على النبي.. إلى آخر تشهد
ابن مسعود.
الصلاةُ على النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومَوْضِعُها، وصِيَغُها
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلّي على نفسه في التشهد الأول وغيره،
وسَنَّ ذلك لأمته؛ حيث أَمَرهم بالصلاة عليه بعد السلام عليه، وعَلَّمَهم أنواعاً
من صيغ الصلاة عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
1- «اللهم صلِّ على محمدٍ، وعلى أهلِ بيتِهِ، وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل
إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل بيته وعلى أزواجه وذريته كما باركت
على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد»، وهذا كان يدعو به هو نفسه صلى الله عليه وسلم.
3- اللهم! صلِّ على محمدٍ، وعلى آلِ محمدٍ كما صليتَ على إبراهيمَ، وآلِ إبراهيمَ،
إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ، وعلى آلِ محمدٍ؛ كما باركتَ على إبراهيمَ، و آلِ
إبراهيمَ، إنك حميدٌ مجيد.
4- اللهم صلِّ على محمدٍ النبيِّ الأميِّ، وعلى آل محمدٍ؛ كما صليتَ على آلِ
إبراهيمَ، وباركْ على محمدٍ النبي الأميّ، وعلى آل محمدٍ؛ كما باركتَ على آلِ
إبراهيمَ، في العالمين إنك حميدٌ مجيد.
5- اللهم صلِّ على محمدٍ عبدِك ورسولِك، كما صليت على آل إبراهيمَ، وباركْ على
محمدٍ عبدِك ورسولِك، وعلى آلِ محمدٍ؛ كما باركتَ على إبراهيمَ، وعلى آلِ إبراهيمَ.
6- اللهمَّ صلِّ على محمدٍ، وعلى أزواجِهِ، وذرّيّتِه؛ كما صليتَ على آلِ إبراهيمَ،
وباركْ على محمدٍ، وعلى أزواجِهِ، وذرّيّتِه؛ كما باركتَ على آلِ إبراهيمَ، إنك
حميدٌ مجيد.
7- اللهمَّ صلِّ على محمدٍ، وعلى آلِ محمدٍ، وباركْ على محمدٍ، وعلى آلِ محمدٍ، كما
صليتَ وباركتَ على إبراهيمَ، وآلِ إبراهيمَ، إنك حميدٌ مجيد.
فَوائدُ مهمَّة في الصَّلاةِ على نبيِّ الأُمَّة صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الفائدة الأولى: من الملحوظ: أن أكثر هذه الأنواع من صِيَغ الصلاة عليه صلى الله
عليه وسلم ليس فيها ذِكْر إبراهيم نفسه مستقلاً عن آله، وإنما فيها [كما صليت على
آل إبراهيم].
والسبب في ذلك: أن (آل الرجل) في اللغة: يتناول (الرجل) كما يتناول غيره ممَّنْ
يؤوله.
كما في قوله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ
عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾[آل
عمران:33]
وقوله سبحانه تعالى:
﴿إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ﴾[القمر:34].
ومنه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهم صل على آل أبي أوفى».
وكذلك لفظ: (أهل البيت)؛ كقوله تعالى:
﴿رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾[هود:73]،
فإن إبراهيم داخل فيهم.
ولهذا جاء في أكثر الألفاظ: كما صليت على آل إبراهيم، و كما باركت على آل إبراهيم،
وجاء في بعضها إبراهيم نفسه؛ لأنه هو الأصل في الصلاة والزكاة، وسائر أهل بيته إنما
يُحَصِّل ذلك تبعاً.
وجاء في بعضها ذِكْر هذا وهذا؛ تنبيهاً على هذين.
إذا علمت ذلك، فقد اشتهر التساؤل بين العلماء عن وجه التشبيه في قوله: (كما صليت
على إبراهيم.. إلى آخره) لأن المقرر أن الْمُشَبّه دون الْمُشَبَّه به، والواقع هنا
عكسه؛ إذ أن محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم.
وقضية كونه أفضل أن تكون الصلاة المطلوبة أفضل من كل صلاة حَصَلت أو تحصل.
وأجاب العلماء عن ذلك بأجوبة كثيرة؛ تراها في «الفتح»، و«الجلاء».
وقد بلغت نحو عشرة أقوال، بعضها أشد ضعفاً من بعض، إلا قولاً واحداً؛ فإنه قوي،
واستحسنه شيخ الإسلام وابن القيم.
وهو قول مَنْ قال: (إن آل إبراهيم فيهم الأنبياء الذين ليس في آل محمد مثلهم، فإذا
طلب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولآله من الصلاة عليه مثل ما لإبراهيم
وآله، وفيهم الأنبياء حصل لآل محمد من ذلك ما يليق بهم؛ فإنهم لا يبلغون مراتب
الأنبياء، وتبقى الزيادة التي للأنبياء وفيهم إبراهيم لمحمد صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فيحصل له من المزية ما لا يحصل لغيره.
قال ابن القيم رحمه الله: وهذا أحسن من كل ما تقدم.
وأحسن منه أن يقال: محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو من آل إبراهيم، بل
هو خير آل إبراهيم؛ كما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله
تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ
عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾[آل
عمران:33]،
قال ابن عباس رضي الله عنهما: محمد من آل إبراهيم.
وهذا نَصٌّ، إذا دخل غيره من الأنبياء - الذين هم من ذرية إبراهيم - في آله فدخول
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى، فيكون قولنا: (كما صليت على
آل إبراهيم) متناولاً للصلاة عليه، وعلى سائر النبيين من ذرية إبراهيم، ثم قد
أَمَرَنا الله أن نُصلي عليه وعلى آله خصوصاً بقدر ما صلينا عليه مع سائر آل
إبراهيم عموماً، وهو فيهم، ويحصل لآله، من ذلك ما يليق بهم، ويبقى الباقي كله له
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال: ولا ريب أن الصلاة الحاصلة لآل إبراهيم ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ معهم أكمل من الصلاة الحاصلة له دونهم، فيُطلَب له من الصلاة هذا الأمرُ
العظيم الذي هو أفضل مما لإبراهيم عليه السلام قطعاً.
ويظهر حينئذٍ فائدة التشبيه، وَجَرْيه على أصله وأن المطلوب له من الصلاة بهذا
اللفظ أعظم من المطلوب له بغيره؛ فإنه إذا كان المطلوب بالدعاء إنما هو مثل
المشبَّه به- وله أوفر نصيب منه -؛..