صفحة جديدة 1
الفائدة الثانية:
هذه الصيغ على اختلاف أنواعها فيها كلها الصلاة على آل النبي عليه الصلاة والسلام
وأزواجه وذريته معه صلى الله عليه وسلم، فليس من السُّنة ولا يكون مُنَفّذاً للأمر
النبوي مَنْ اقتصر على قوله: [اللهم صَلِّ على محمد] فحسب، بل لا بد من الإتيان
بإحدى هذه الصِّيَغ كاملةً كما جاءت عنه صلى الله عليه وسلم.
قال الإمام الشافعي رحمه الله في كتاب «الأم»:
والتشهد في الأولى والثانية لفظ واحد لا يختلف، ومعنى قولي: (التشهد): التشهد
والصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا يُجزيه أحدهما عن الآخر.
وأما حديث: «كان صلى الله عليه وسلم لا يزيد في الركعتين على التشهد» فهو حديث
منكر.
وإن من غرائب هذا العصر أن يتجرأ بعض الناس على إنكار ما ثبت عنه صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من طرق مستفيضة صحيحة؛ ألا وهو الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى آله معاً، مع اطلاعه ووقوفه عليها في كتب السنة عن جمع من
الصحابة؛ منهم كعب بن عجرة، وأبو حميد الساعدي، وأبو سعيد الخدري، وأبو مسعود
الأنصاري، وأبو هريرة، وطلحة ابن عبيد الله، وفي أحاديثهم أنهم سألوا النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كيف نصلي عليك؟، فعلمهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ هذه الصيغ، ألا وهو: الأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي في كتابه «الإسلام
الصحيح».
وحجته في الإنكار: أن الله تعالى لم يذكر في قوله:
﴿صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[الأحزاب:56]
مع النبي صلى الله عليه وسلم أحداً!!
ثم أنكر وبالَغ في الإنكار أن يكون الصحابة رضي الله عنهم قد سألوه
صلى الله عليه وسلم ذلك السؤال.
وأما حُجته المشار إليها فلا شيء
لأنه من المعلوم عند المسلمين أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو
الْمُبَيِّن لكلام رب العالمين؛ كما قال تعالى:
﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ
إِلَيْهِمْ﴾[النحل:44]..
فقد بين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيفية الصلاة عليه وفيها ذِكْر الآل.
لقوله تعالى
﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾[الحشر:7]
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه».
وليت شعري! ماذا يقول النشاشيبي - ومَنْ قد يغتر ببهرج كلامه - فيمَنْ عسى أن ينكر
التشهد في الصلاة، أو أنكر على الحائض تَرْك الصلاة والصوم في حيضها؟!
..
فحذار أيها المسلم! أن تحاول فَهْم القرآن مُستقلاً عن السُّنة؛ فإنك لن تستطيع
ذلك..
الفائدة الثالثة:
ويرى القارئ أيضاً أنه ليس في شيء منها لفظ: (السيادة)، ولذلك اختلف المتأخرون في
مشروعية زيادتها في الصلوات الإبراهيمية.
ولا يتسع المجال الآن لنُفَصِّل القول في ذلك، وذِكْر مَنْ ذهب إلى عدم مشروعيتها
اتباعاً لتعليم النبي صلى الله عليه وسلم الكامل لأُمته حين سُئِل عن كيفية الصلاة
عليه صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب آمرا بقوله : «قولوا : اللهم صل على محمد . . . ».
ولكني أريد أن أنقل إلى القراء الكرام هنا رأي الحافظ ابن حجر العسقلاني في ذلك
باعتباره أحد كبار علماء الشافعية الجامعين بين الحديث والفقه، فقد شاع لدى متأخري
الشافعية خلاف هذا التعليم النبوي الكريم..
وسُئل الحافظ ابن حجر رحمه الله عن صفة الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ في الصلاة أو خارج الصلاة، سواء قيل بوجوبها أو بندبيتها؛ هل يُشترط فيها
أن يَصِفَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسيادة؛ كأن يقول مثلاً: اللهم! صل
على سيدنا محمد، أو على سيد الخلق، أو على سيد ولد آدم، أو يقتصر على قوله: اللهم!
صل على محمد؟ وأيهما أفضل: الإتيان بلفظ السيادة لكونها صفة ثابتة له صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو عدم الإتيان به لعدم ورود ذلك في الآثار؟.
فأجاب رضي الله عنه: نعم؛ اتّباع الألفاظ المأثورة أرجح، ولا يقال: لعله تَرَكَ ذلك
تواضعاً منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما لم يكن يقول عند ذِكْره صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صلى الله عليه وسلم، وأمته مندوبة إلى أن تقول ذلك
كلما ذُكِر.
لأنّا نقول: لو كان ذلك راجحاً لجاء عن الصحابة ثم عن التابعين، ولم نقف في شيء من
الآثار عن أحد من الصحابة ولا التابعين لهم قال ذلك؛ مع كثرة ما ورد عنهم من ذلك..
وهذا الإمام الشافعي - أعلى الله درجته، وهو من أكثر الناس تعظيماً للنبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في خُطبة كتابه الذي هو عمدة أهل مذهبه: اللهم!
صلِّ على محمد، إلى آخر ما أدّاه إليه اجتهاده، وهو قوله: كلما ذَكَرَه الذاكرون،
وكلما غَفَل عن ذِكْره الغافلون؛ وكأنه استنبط ذلك من الحديث الصحيح الذي فيه:
«سبحان الله عدد خلقه»..
فقد ثبت أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأم المؤمنين - ورآها قد أكثرت
التسبيح وأطالته -: «لقد قلتُ بعدكِ كلماتٍ لو وُزِنَتْ بما قُلْتِ لوَزَنَتْهُن،
فذكر ذلك».
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعجبه الجوامع من الدعاء.
وقد عَقَد القاضي عياض باباً في صفة الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ في كتاب «الشفا»، ونَقَل فيه آثاراً مرفوعة عن جماعة من الصحابة
والتابعين، ليس في شيء منها عن أحد من الصحابة وغيرهم لفظ: (سيدنا)؛
منها: حديث علي: أنه كان يُعَلّمهم كيفية الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: (اللهم داحي المَدْحُوَّات، وباري المسموكات، اجعل سوابق صلواتك، ونوامي
بركاتك، وزائد تحيتك على محمد عبدك ورسولك، الفاتح لما أُغْلِق).
وعن علي أنه كان يقول: صلوات الله البر الرحيم، والملائكة المقربين، والنبيين
والصدِّيقين والشهداء الصالحين، وما سَبّح لك من شيء يا رب العالمين على محمد بن
عبد الله خاتم النبيين وإمام المتقين... الحديث.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول: «اللهم اجعل صلواتك، وبركاتك،
ورحمتك على محمد عبدك ورسولك، إمام الخير، ورسول الرحمة... الحديث.
وعن الحسن البصري أنه كان يقول: مَنْ أراد أن يشرب بالكأس الأروى من حوض المصطفى
فَليَقُل: اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأولاده وذريته وأهل بيته
وأصهاره وأنصاره وأشياعه ومُحبيه.
فهذا ما أوثره من الشفا مما يتعلق بهيئة الصلاة عليه عن الصحابة ومَنْ بعدهم،
وذُكِرَ فيه غيرُ ذلك.
نعم؛ ورد في حديث ابن مسعود أنه كان يقول في صلاته على النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم اجعل فضائل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين...
الحديث.. أخرجه ابن ماجه، ولكن إسناده ضعيف.
وقد ذكر الشافعية أن رجلاً لو حلف لَيُصَلِّيَنَّ على النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل الصلاة؛ فطريق البر: أن يصلي على النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم! صلِّ على محمد كلما ذَكَره الذاكرون، وسها عن ذِكْره
الغافلون.
وقال النووي: والصواب الذي ينبغي الجزم به أن يقال: اللهم! صلِّ على محمد وعلى آل
محمد؛ كما صليت على إبراهيم... الحديث
وقد تَعَقَبه جماعة من المتأخرين بأنه ليس في الكيفيتين المذكورتين ما يدل على ثبوت
الأفضلية فيهما من حيث النقل.
والمسألة مشهورة في كتب الفقه، والغرض منها أن كل مَنْ ذَكَر هذه المسألة من
الفقهاء قاطبة لم يقع في كلام أحد منهم: (سيدنا)
ولو كانت هذه الزيادة مندوبة ما خفيت عليهم كلهم حتى أغفلوها، والخير كله في
الاتباع.
الفائدة الرابعة:
واعلم أن النوع الأول من صِيَغ الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم - وكذا النوع الرابع
- هو ما عَلَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه لما سألوه عن كيفية الصلاة
عليه.
الفائدة الخامسة:
واعلم أنه لا يُشْرَع تلفيق صيغة صلاة واحدة من مجموع هذه الصِّيَغ، وكذلك يقال في
صيغ التشهد المتقدمة؛ بل ذلك بدعة في الدين، وإنما السُّنة أن يقول هذا تارة وهذا
تارة كما بَيّنه شيخ الإسلام ابن تيمية.
الفائدة السادسة:
قال العلامة صديق حسن خان في كتابه نزل الأبرار بالعلم المأثور من الأدعية والأذكار
- بعد أن ساق أحاديث كثيرة في فضل الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ والإكثار منها؛ قال: لا شك في أن أكثر المسلمين صلاة عليه صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُم أهل الحديث ورواة السُّنة المطهرة.
فإن من وظائفهم في هذا العلم الشريف التصلية عليه صلى الله عليه وسلم أمام كل حديث،
ولا يزال لسانهم رطباً بذِكْرِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس كتاب من
كتب السُّنة، ولا ديوان من دواوين الحديث- على اختلاف أنواعها؛ من الجوامع
والمسانيد والمعاجم والأجزاء وغيرها - إلا وقد اشتمل على آلاف الأحاديث، حتى إن
أخصرها حجماً كتاب «الجامع الصغير» للسيوطي، فيه عشرة آلاف حديث..
...
وكذلك سنَّ لهم الدعاء في هذا التشهد، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا: التحيات لله....» فذكرها إلى آخرها، ثم قال: «ثم
ليتخيَّر من الدعاء أعجبه إليه».
القيام إلى الركعة الثالثة ثم الرابعة
ثم كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهض إلى الركعة الثالثة مُكَبِّراً،
وَأَمَرَ به (المسيء صلاته) في قوله: «ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة».
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام من القعدة كبَّر، ثم قام.
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه مع هذا التكبير أحياناً.
وكان إذا أراد القيام إلى الركعة الرابعة؛ قال: (الله أكبر)؛ وأَمَرَ به (المسيء
صلاته) - كما تقدم آنفاً.
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه مع هذا التكبير أحياناً.
ثم كان يستوي قاعداً على رجله اليسرى معتدلاً حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، ثم يقوم
مُعْتَمِداً على الأرض، وكان يعجن: يعتمد على يديه إذا قام.
وكان يقرأ في كل من الركعتين: الفَاتِحَة؛ وَأَمَرَ بذلك (المسيء صلاته)، وكان ربما
أضاف إليهما في صلاة الظهر بضع آيات - كما سبق بيانه-.
القنوت في الصلوات الخمس للنازلة
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن يدعو على لأحد أو يدعو لأحد
قَنَتَ في الركعة الأخيرة بعد الركوع إذا قال: «سمع الله لِمَنْ حمده، اللهم ربنا
لك الحمد»، وكان يجهر بدعائه، ويرفع يديه، ويُؤَمِّنُ مَنْ خلفه، وكان يقنت في
الصلوات الخمس كلها؛ لكنه كان لا يقنت فيها إلا إذا دعا لقوم، أو دعا على قوم؛
فربما قال:
«اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة».
«اللهم اشدد وطأتك على مُضر، واجعلها سنين كسِني يوسف».
«اللهم العن لحَيان ورِعْلاً وذكوان، وعُصَيّة؛ عصت الله ورسوله».
ثم كان يقول إذا فرغ من القنوت: «الله أكبر»، فيسجد.
القنوت في الوتر
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقنت في ركعة الوتر أحياناً، ويجعله قبل
الركوع.
وعَلَّم الحسَنَ بن علي رضي الله عنه أن يقول إذا فرغ من قراءته في الوتر: «اللهم
اهدني فيمَنْ هديت، وعافني فيمَنْ عافيت، وتولني فيمَنْ توليت، وبارك لي فيما
أعطيت، وقني شر ما قضيت؛ فـإنك تقضي ولا يُقضى عليك، وإنه لا يذل مَنْ واليت، ولا
يَعِزُّ من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، لا منجا منك إلا إليك».
التشهد الأخير / وجوب التشهد
ثم كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أنْ يُتِمّ الركعة الرابعة يجلس
للتشهد الأخير، وكان يأمر فيه بما أمر به في الأول، ويصنع في التشهد الأخير ما كان
يصنع في الأول؛ إلا أنه كان يقعد فيه متوركاً؛ يُفضي بِوَرِكِه اليُسرى إلى الأرض،
ويُخْرِجُ قدميه من ناحية واحدة، ويجعل اليسرى تحت فخذه وساقه، وينصب اليمنى، وربما
فَرَشَها أحياناً.
وكان يُلْقِمُ كَفَّه اليسرى ركبتَه؛ يتحامل عليها.
وسنَّ فيه الصلاة عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما سَنَّ ذلك في التشهد
الأول، وقد مضى هناك ذِكْر الصيغ الواردة في صفة الصلاة عليه صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وجوب الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وقد سمع صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يدعو في صلاته، لم يُمَجِّدِ الله
تعالى، ولم يصَلِّ على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فقال: «عَجِلَ
هذا»، ثم دعاه، فقال له أو لغيره: «إذا صلى أحدكم فَلْيَبْدَأْ بتحميد ربه جل وعز،
والثناء عليه، ثم يصلي (وفي رواية: ليُصَلِّ) على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ثم يدعو بعد بما شاء».
وسمع رجلاً يصلي فَمَجَّدَ الله، وحمده، وصلى على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؛ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادعُ تُجَبْ، وسَلْ
تُعْط».
وجوب الاستعاذةِ من أربع قبل الدُّعاء
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إذا فَرَغ أحدكم منَ التشهد الآخر
فليستعذ بالله من أربع؛ يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ، ومن عذاب القبر،
ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال»، ثم يدعو لنفسه بما بدا له؛
وكان صلى الله عليه وسلم يدعو به في تشهده.
وكان يُعَلّمه الصحابة رضي الله عنهم كما يُعَلِّمهم السورة من القرآن.
الدعاء قبل السلام، وأنواعه
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو في صلاته بأدعية متنوعة؛ تارة بهذا،
وتارة بهذا، وأقرَّ أدعية أخرى، وأمر المصلي أن يتخير منها ما شاء، وهاك هي:
1- «اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من
فتنة المحيا والممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم».
2- «اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل بعد».
3- «اللهم حاسبني حساباً يسيراً».
4- «اللهم بِعلمكَ الغيبَ، وقُدرتكَ على الخَلْق؛ أَحْيني ما عَلِمْتَ الحياةَ
خيراً لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاة خيراً لي، اللهم وأسألك خشيتَكَ في الغيب
والشهادة، وأسألك كلمة الحق (وفي رواية: الحُكم) والعدل في الغضب والرضى، وأسألك
القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا يَبِيد، وأسألك قُرّة عين لا تنفد (لا
تنقطع)، وأسألك الرضى بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر
إلى وجهك، وأسألك الشوق إلى لقائك؛ في غير ضَراء مُضِرَّة، ولا فتنة مُضلة، اللهم
زَيِّنا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين».
5- وعَلَّمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر الصديق رضي الله عنه أن
يقول: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت؛ فاغفر لي مغفرة
من عندك، وارحمني؛ إنك أنت الغفور الرحيم».
6- وَأَمَر عائشة رضي الله عنها أن تقول: «اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله
وآجله؛ ما علمتُ منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله؛ ما علمتُ منه
وما لم أعلم، وأسألك (وفي رواية: اللهم إني أسألك) الجنة، وما قرّب إليها من قول أو
عمل، وأعوذ بك من النار، وما قرَّب إليها من قول أو عمل، وأسألك (وفي رواية: اللهم
إني أسألك) من الـخير (أو: من خير) ما سألك عبدك ورسولك محمد صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ورسولك محمد صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسألك ما قضيت لي من أمر أن تجعل عاقبته لي رَشَداً».
7- وقال لرجل: «ما تقول في الصلاة؟»، قال: أتشهد، ثم أسأل الله الجنة، وأعوذ به من
النار، أما والله ما أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ، وَلا دَنْدَنَةَ معاذ، فقال صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حولها نُدَنْدِن».
8- وسمع رجلاً يقول في تشهده: (اللهم إني أسألك يا الله (وفي رواية: بالله) الواحد
الأحد الصمد؛ الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كُفُواً أحد أن تغفر لي ذنوبي؛ إنك
أنت الغفور الرحيم)، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قد غُفِر له، قد
غُفِر له».
9- وسمع آخر يقول في تشهده أيضاً: (اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا
أنت، وحدك لا شريك لك، المنانيا بديعَ السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام،
يا حي يا قيوم، إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار)، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه: «تدرون بما دعا؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:
«والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم (وفي رواية: الأعظم)؛ الذي إذا دعي به
أجاب، وإذا سُئل به أعطى».
وكان من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم:
10- «اللهم اغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت
أعلم به مني، أنت المقدِّم، وأنت المؤخِّر، لا إله إلا أنت».
التسليم
ثم كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّم عن يمينه يقول: «السلام عليكم
ورحمة الله» حتى يُرى بياض خده الأيمن، وعن يساره: «السلام عليكم ورحمة الله» حتى
يُرى بياض خده الأيسر.
وكان أحياناً يزيد في التسليمة الأولى: «وبركاته».
وكان إذا قال عن يمينه: «السلام عليكم ورحمة الله» اقتصر أحياناً على قوله عن
يساره: «السلام عليكم».
وأحياناً كان يُسَلّم تسليمة واحدة: «السلام عليكم» تلقاء وجهه؛ يميل إلى الشق
الأيمن شيئاً أو قليلاً.
وكانوا يشيرون بأيديهم إذا سَلّموا عن اليمين وعن الشمال، فرآهم رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: «ما شأنكم تشيرون بأيديكم كأنها أذناب خيل
شُمْس؟! إذا سَلّم أحدكم فليلتفت إلى صاحبه، ولا يُومئ بيده»، فَلَمّا صَلّوا معه
أيضاً لم يفعلوا ذلك، (وفي رواية: إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه، ثم
يُسَلِّم على أخي من على يمينه وشماله).
وجوب التسليم
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:... وتحليلها (يعني: الصلاة) التسليم.
الخاتمة
كل ما تقدم من صفة صلاته صلى الله عليه وسلم يستوي فيه الرجال والنساء، ولم يَرِد
في السُّنة ما يقتضي استثناء النساء من بعض ذلك؛ بل إن عموم قوله صلى الله عليه
وسلم: «صلوا كما رأيتموني أُصلي» يشملهن.
وهو قول إبراهيم النخعي: (تفعل المرأة في الصلاة كما يفعل الرجل)... أخرجه ابن أبي
شيبة بسند صحيح عنه.
وحديث انضمام المرأة في السجود، وأنها ليست في ذلك كالرجل؛ مُرسَل لا حُجة فيه.
وكذلك أيضاً ما وَرَد عن ابن عمر أنه كان يأمر نساءه يتربعن في الصلاة.. فلا يصح
إسناده أيضاً.
روى البخاري في «التاريخ الصغير» بسند صحيح عن أم الدرداء أنها كانت تجلس في صلاتها
جلسة الرجل، وكانت فقيهةً.
وهذا آخر ما تيسر جَمْعه في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى
التسليم، وأرجو الله تعالى أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وهادياً إلى سُنّة نبيّه
الرؤوف الرحيم.