صفحة جديدة 2
خلافة علي
ظل المسلمون حيارى بعد قتل الخليفة المظلوم لا يجدون لهم ملجأ كأنهم فوضى، ولم يكن
أمامهم مَنْ يصلح للخلافة بعد عثمان إلا علي بن أبي طالب، فذهب إليه معظمهم يطلبون
منه أن يلي الخلافة، فَقَدّر المستقبل حق قدْره وعلم أنه إنما يستقبل فتنة سائرة لا
مَرَدّ لها، فقال لهم: التمسوا غيري فإنّا مُستقبلون أمراً له وجوه وله ألوان لا
تقوم به القلوب ولا تثبت عليه العقول..
فناشدوه الله والدين، فقال: قد أجبتكم واعلموا أني إن أجبتكم ركبتُ بكم ما أعلم،
وإن تركتموني فإنما أنا كأحدكم إلا أني من أطوعكم وأسمعكم لمَنْ وَلَّيْتموه..
فأبوا إلا إياه، ثم رأوا أن هذا الأمر لا يتم إلا بمبايعة الزبير وطلحة، فذهب
إليهما جماعة وأتوا بهما فبايعاه؛ قيل: كُرْهاً، وقيل: إن الزبير لم يبايع أصلاً،
ثم قام الناس فبايعوه وتخلّف عن بيعته جمْع من أكابر الصحابة في المدينة؛ كسعد بن
أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعبد الله بن عمر، وأسامة بن زيد، والمغيرة بن شعبة، وعبد
الله بن سَلَام، وقدامة بن مظعون، وأبي سعيد الخدري، وكعب بن عُجرة، وكعب بن مالك،
والنعمان بن بشير وحسّان بن ثابت، ومسلمة بن مَخْلَد، وفضالة بن عبيد وغيرهم من
أكابر الصحابة في الأمصار (مقدمة ابن خلدون)..
ولمّا رأى علي أن بيعته تمت قام فخطب في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أيها
الناس إن الله أنزل كتاباً هادئاً يبين في الخير والشر فخذوا بالخير ودعوا الشر،
الفرائض الفرائض أدوها إلى الله تعالى يؤدكم إلى الجنة، إن الله حَرَّم حُرُماً غير
مجهولة، وفَضَّل حُرْمة المسلمين على الحُرَم كلها، وشَدَّ بالإخلاص والتوحيد حقوق
المسلمين، فالمسلم مَنْ سَلِم المسلمون من لسانه ويده إلا بالحق، لا يحل دم امرئ
مسلم إلا بما يجب، بادروا أمر العامة وخاصة أحدكم الموت، فإن الناس أمامكم وإنما
خلفكم الساعة تحدوكم، فخففوا تلحقوا فإنما ينتظر بالناس أُخراهم..
اتقوا الله عباد الله في بلاده وعباده إنكم مسئولون حتى عن البقاع والبهائم،
أطيعوا الله ولا تعصوه، وإذا رأيتم الخير فخذوا به وإذا رأيتم الشر فدعوه،
﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ
قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ﴾[الأنفال:26])..
ثم نزل.
ترجمة علي
هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي القرشي ابن عم رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وأُمّه فاطمة بنت أسعد بن هاشم ابن عبد مناف، وُلِدَ رضي الله عنه
في السنة الثانية والثلاثين من ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمّا بُعِث
عليه الصلاة والسلام كان علي دون البلوغ وكان مُقيماً معه في منزله يطعمه ويسقيه
لفاقة لحقت بأبيه، فاهتدى بهدْي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتدنس بدنس
الجاهلية من عبادة الأوثان وغيرها، ولمّا هاجر عليه الصلاة والسلام من مكة إلى
المدينة فداه علي بنفسه ونام على فراشه ليظن المحاصرون أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم لم يزل نائماً فلا يتبعونه، ثم لحقه بعد قليل..
وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزواته كلها إلا غزوة تبوك؛ فإنه خَلّفه في
أهل بيته، وقال له: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة
بعدي»..
وكان له القدم الثابت في جميع الغزوات؛ فهو أوّل المبارزين يوم بدر، وممَّنْ ثبت
يوم أُحُد وحُنين، وعلى يديه فُتِحت خيبر..
وَزَوّجَه عليه الصلاة والسلام بنته فاطمة في السنة الثانية من الهجرة، فجاء منها
الحسن والحسين وزينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى..
وناب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءة أوائل التوبة في موسم الحج إيذاناً
ببراءة الله ورسوله من المشركين.
ولمّا تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبويع أبو بكر بايعه علي مع أنه كان يرى
له حقاً في الخلافة لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه كان يكره
الخِلاف..
ولذلك كان محمد ابن سيرين التابعي يُكَذِّب كل ما نُسِب لعلي من الأقوال التي فيها
حَطٌّ من مقام الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما روى ذلك البخاري في صحيحه..
ولما وُلِيّ عمر بايعه كذلك، وزَوَّجَه بنته أم كلثوم، وكثيراً ما كان عمر يستخلفه
على المدينة إذا غاب عنها.
ولما بُويع عثمان بايعه كذلك حتى كان آخر خلافته وقام عليه الثوار وَشَنَّعوا عليه
بتوليه أقاربه كان علي كثيراً ما يُمَحِّض له النصح ويرشده إلى ما فيه النجاح
والفلاح، فلمّا حلّ القضاء المُبرَم واستُشْهد عثمان أقبل عليه المسلمون وبايعوه
بالخلافة لخمس بقين من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، فقام بها رضي الله عنه ما يقارب
خمس سنين لم يَصْفُ له فيها يوم وكان أمر الله قدراً مقدوراً..
كان رضي الله عنه آدم شديد الأُدْمة، ثقيل العينين، عظيمهما، ذا بطن، أصلع، عظيم
اللحية، كثير شعر الصدر، هو إلى القِصَر أقرب، وكان ضخم عضلة الذراع دقيق مستدقها،
ضخم عضلة الساق دقيق مستدقها، وكان من أحسن الناس وجهاً ولا يُغَيّر شَيْبه، كثير
التبسم..
وله من الأولاد غير مَنْ ذكرناهم: العباس وجعفر وعبد الله وعثمان وعبيد الله وأبو
بكر ومحمد الأصغر ويحيى وعمر ورقية ومحمد الأوسط ومحمد الأكبر- الشهير بابن
الحنفية- وأم الحسن ورملة الكبرى وأم كلثوم الصغرى وأم هانئ وميمونة وزينب الصغرى
ورملة الصغرى وفاطمة وأمامة وخديجة وأم الكرام وأم سلمة وأم جعفر وجمانة ونفيسة من
أمهات شتى وأعقب من هؤلاء الحسنان ومحمد الأكبر وعباس وعمر.