صفحة جديدة 1
أعماله في مصر
كان عامل مصر في أول خلافة عثمان فاتحها عمرو بن العاص..
وفي السنة الثانية من خلافته كاتَب الروم بالقسطنطينية إخوانهم بالإسكندرية داعين
إلى نقْض الصلح فأجابوهم إلى ذلك..
أما المقوقس فكان رجلاً شريفاً لم يخُن عهده فسار إلى الإسكندرية في جمْع عظيم من
الروم فأرسوا بها، ولمّا بلغ ذلك عَمًرا سار إليهم وسار الروم إليه فاقتتل الفريقان
بين مصر والإسكندرية حتى انهزم الروم، وتَبِعهم المسلمون حتى أدخلوهم الإسكندرية
وقتلوا منهم في البلد مَقتلة عظيمة وهدم عمرو سور المدينة..
وفي هذه السنة سيّر عمرو عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح إلى أطراف إفريقية (سواحلها
الشمالية من طرابلس إلى طنجة) غازياً بأمر عثمان، ففتح وغنم..
ولمّا عاد استأذن عثمان في الغزو ثانية فأذِن له، وقال: إن فتح الله عليك فلك خُمس
الخُمس نَفَلاً..
وأمّر عبد الله بن نافع بن عبد القيس وعبد الله بن نافع ابن الحارث على جُند،
وأَمَرهما بالاجتماع مع عبد الله بن سعد فخرجوا حتى قطعوا أرض مصر ووطِئوا أرض
إفريقية، وكانوا في جيش كثير فيه عشرة آلاف من شجعان المسلمين فصالحهم ملك إفريقية
على مال يؤدونه، ولم يتوغلوا في إفريقية لكثرة أهلها فعاد عبد الله بن سعد إلى مصر
فولّاه عثمان خَراجها، وجعل عمرو بن العاص على الجُند فلم يتّفقا..
فجمع لابن سعد الخراج والجند، وعزل بن العاص..
وعند ذلك استشار بن سعد عثمان في غزو إفريقية والاستكثار لها من الجُند، فجهّز
إليه الجيوش من المدينة فسار ابن سعد إلى إفريقية، وكان مَلِكها من قِبَل الروم
واسمه جُرْجِير، ومُلْكُه من طرابلس إلى طنجة، وكان يؤدي إتاوة إلى ملك الروم فلمّا
بلغه خروج المسلمين تجهز لهم والتقى بهم بمكان بينه وبين سبيطلة عاصمة الملك يومئذٍ
بعد أن راسله عبد الله يدعوه إلى الإسلام أو دفْع الجزاء فأَبى..
ودام القتال بينهم أياماً يقتتلون كل يوم إلى الظهر ثم يعودون..
وكان خبر المسلمين قد أبطأ على عثمان فأمدّهم بجيش يرأسه عبد الله بن الزبير،
فلمّا وصلهم أشار على بن سعد أن يقسم الجيش قسمين؛ قسم يقاتل إلى الظهر، ثم يخلفه
الآخر حتى يهن المشركون..
فاتبع مشورته وأخرج القسم الأول فحارب إلى الظهر، وأراد المشركون ترْك القتال فلم
يُمَكِّنهم المسلمون، بل استمر القتال بالقسم الثاني حتى ضعف المشركون وانهزموا شر
هزيمة، وقُتِل جُرْجِير ملك إفريقية، قتله عبد الله بن الزبير وفُتِحت المدينة..
ثم بث سرايا فبلغت قَفْصة ففُتِحت وغُنِمَت.
وسَيَّر سرية إلى حصن الأَجَم فحاصرته ثم فتحته صلحاً..
ثم صَالَح ابن سعد أهل إفريقية على ألفي ألف وخمسمائة ألف دينار..
وأرسل إلى عثمان بالبشارة والأخماس..
وعاد هو من إفريقية، وكان مُقامه فيها سنة وثلاثة أشهر..
ولمّا وصل خُمُس مَغْنم إفريقية إلى المدينة اشتراه مروان بن الحَكَم ثم حَطّ عنه
عثمان ثَمَنه..
وولّى على إفريقية عبد الله بن نافع بن عبد القيس، وجعل ابن سعد على مصر فقط.
القسم الثاني
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَحْذَر الفتن على أُمّته، وكثيراً ما كان
يُحَذِّرهم منها؛ لأن بأس الأمة متى انتقل من أعدائها إلى أنفسها ساءت حالها،
وفَسَد نظامها، وصارت إلى الفوضى أقرب منها إلى الإصلاح..
وقد وَرَد عن المصطفى صلى الله عليه وسلم كثير من الأحاديث في التحذير منها..
ولكن قُدِّر فكان..
استُكْمِل الفتح للأمة واستُكْمِل المُلْك، ونزل العرب بالأمصار على حدود ما بينهم
وبين الأُمم من البصرة والكوفة والشام ومصر..
وكان المختصون بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهتدون بهديه وآدابه
المهاجرين والأنصار من قريش وأهل الحجاز ومَنْ ظفر بمثل ذلك من غيرهم، وأما سائر
العرب من بكر بن وائل وعبد القيس وسائر ربيعة والأزد وكِندة وتميم وقُضاعة وغيرهم
فلم يكونوا من تلك الصحبة بمكان إلا قليلاً منهم..
وكان لهم في الفتوحات قَدَم؛ فكانوا يرون ذلك لأنفسهم مع ما يدين به فضلاؤهم من
تفضيل أهل السابقة من الصحابة ومعرفة حقهم، وما كانوا فيه من الذهول والدَّهَش لأمر
النبوة ونزول الوحي وتَنَزُّل الملائكة..
فلمّا انحسر ذلك الباب وتُنُوسِي الحال بعض الشيء وذلّ العدو واستفحل المُلك كانت
عروق الجاهلية تنبض، ووجدوا الرياسة عليهم للمجاهدين والأنصار من قريش وسواهم،
فأَنِفَت نفوسهم..
ووافق ذلك أيام عثمان فكانوا يُظْهِرون الطعن على وُلاته بالأمصار، والمؤاخذة لهم
باللحظات والخَطرات والتَّجني بسؤال الاستبدال منهم والعَزْل، ويُفيضون في النكير
على عثمان..