صفحة جديدة 1
أعمال عثمان في البصرة
كان والي البصرة أول خلافة عثمان أبو موسى الأشعري، فأقام فيها إلى السنة التاسعة
والعشرين ثم عزله عثمان وولّى بدله عبد الله بن عامر بن كُريز بن رَبِيعة بن عبد
شمس، وجَمَعَ له جُند أبي موسى وجند عثمان بن أبي العاص الثقفي من عُمان والبحرين..
وفي عهده انتقض أهل فارس بأميرهم عُبيد الله بن مَعْمَر، فسار إليهم عبيد الله
ولاقاهم على باب اصطخر فقُتِل وانهزم من معه..
ولما بلغ ذلك ابن عامر سار إليهم بجيش كثيف فقاتلهم قتالاً شديداً حتى هزمهم وفتح
اصطخر عَنوة، وأتى دَارَابَجَرْد- وقد غدر أهلها ففتحها-، وبلغه وهو هناك أن أهل
اصطخر عادوا إلى غدرهم فرجع إليهم وفتحها ثالث مرة، وقَتَل كثيراً من وجوه أهلها ثم
وَطِئ أهل فارس وطأة لم يزالوا منها في ذُل..
مَقْتل يزدجرد بن شهريار
وفي عهده قُتِل يزدجرد ملك الفرس- وهو آخر ملوكهم-، والأخبار مضطربة في كيفية
قتْله؛ إلا أنهم اتفقوا على أنه قُتِل وحيداً طريداً، لم يُغن عنه هذا المُلك
الواسع شيئاً، واتفقوا على أنه قُتل بيد أعجمية، وكان يتمنى إذ ذاك أن لو كان وقع
في يد العرب المسلمين فإنهم كانوا يُبْقون عليه فيعيش مُنعّمَاً في ظل الإسلام
الظليل، ولكن أَنَّى له ذلك والشقاء متى غلب لا يُردّ؟
فَتْح خُراسان
وفي السنة الحادية والثلاثين سار عبد الله بن عامر لفتْح خراسان التي انتقض أهلها
بعد موت عمر..
فلمّا وصل الطبسين وهما بابا خراسان تلقاه أهلها بالصلح..
فسار إلى قهستان فلقي أهلها وقاتلهم حتى ألجأهم إلى حصنهم..
ولما أقبل على المدينة طلب أهلها الصلح فصالحهم على ستمائة ألف درهم..
ثم قصد نيسابور فصالحه أهلها على ألف ألف درهم..
ثم وجّه الأحنف بن قيس إلى طخارستان..
ثم إلى مرو الروذ فلقيه جمْع كثير من جموع المشركين فهزمهم..
ووجّه الأقرع بن حابس التميمي إلى جمْع من الفرس بالجوزجان ووصاه هو وقومه فقال:
(يا بني تميم! تحابوا وتباذلوا تصلح أموركم، وابدءوا بجهاد بطونكم وفروجكم يصلح لكم
دينكم، ولا تَغُلّوا يسلم لكم جهادكم)..
فسار القوم حتى لقوا الأعداء فهزموهم..
ثم فتح الأحنف الطالقان صلحاً..
وسار إلى بلْخ فصالحه أهلها على أربعمائة ألف درهم..
ثم سار إلى خوارزم فلم يتمكن من فتْحها فعاد عنها، ثم رجع ابن عامر بعد أن فتح هذه
البلاد العظيمة مرة ثانية فقيل له: ما فتح الله على أحد مثل ما فتح عليك فارس
وكرمان وسجستان وخراسان..
قال: لا جرم، لأجعلن شكري لله على ذلك أن أحرج معتمراً من موقفي هذا، فأَحْرَم
بعمرة من نيسابور..
وبعد ثلاث سنين من إمارة ابن عامر بالبصرة بَلَغَه أن رجلاً نزل على حكيم بن جبلة
العبدي وله آراء غير مقبولة..
فطلبه بن عامر فسأله: من أنت؟
فقال: رجل من أهل الكتاب، رغبتُ في الإسلام، وفي وجوارك..
فقال: ما يبلغني ذلك، أُخْرِج عني، فخرج حتى أتى الكوفة فأُخْرِج منها، فأتى الحجاز
والشام فأُخْرِج منهما، فأتى مصر فعشَّش فيها ثم باض وفرَّخ..
وكان هذا الرجل هو عبد الله بن سبأ وابن السوداء وهي أُمّه..
كان يهودياً ثم أظهر إسلامه مع ضمير خبيث، وكانت له آراء فاسدة منها أنه كان يقول:
عجبتُ ممَّنْ يُصَدِّق برجوع المسيح ولا يصدق برجوع محمد؛ وكان هذا ابتداء القول
بالرجعة..
وكان يقول: إن علياً وَصِيّ محمد وقد غصبه مَنْ وَلِيَ قبله حقه، فالواجب على
المسلمين أن يقوموا لإعادة الحق إلى أهله..
وقد تبع مذهبه كثير ممَّنْ طاشت أحلامهم، فكان هذا من ضمن الأسباب التي أدت إلى شق
عصا الطاعة وافتراق الأمة الإسلامية التي لا ينفعها إلا الاجتماع والاتحاد ولا
يضرها إلا الافتراق والاختلاف.
أعماله في الشام
في أول ولاية أمير المؤمنين عثمان بن عفان جمع الشام كله لمعاوية بن أبي سفيان بن
حرب بن أُمية..
وفي السنة الثانية من ولاية عثمان غزا معاوية الروم فبلغ عمورية، ووجد الحصون التي
بين طرسوس وأنطاكية خالية، فجعل عندها جماعة كثيرة من أهل الشام والجزيرة ثم رجع..
وأغزى الصائفة يزيد بن الحُر العبسي، ففعل مثل معاوية..
وفي هذه السنة أَمَرَه أمير المؤمنين أن يُغْزِيَ حَبِيب بن مَسْلَمة أرمينية،
فوَجَّهه إليها فأتى قاليقلا وحاصرها وضَيّق على أهلها فطلبوا الصلح على الجلاء
لمَنْ أراد والجزية على مَنْ أقام فأجابهم..
وأقام حبيب بها شهراً ثم بلغه أن بِطْريق أرمينية قُسّ قد جاء إلى حَرْبِه في
ثمانين ألفاً، فأرسل إلى عثمان بالخبر، فبعث إلى الوليد بن عقبة أمير الكوفة أن
يُمِدّه فأَمَدّه بسَلْمان بن ربيعة في ثمانية آلاف كما قدمنا، وأجمع حبيب ومَنْ
معه رأيهم على تبييت الروم..
فسمعته امرأته أم عبد الله بنت يزيد الكلبية فقالت: أين موعدك غداً؟
فقال: سُرَادُق المَوْرِيان..
ثم بيّتهم فقتل منهم مَقْتَلة عظيمة..
ثم أتى السرادق فوجد امرأته قد سبقته إليه فكانت أول امرأة عربية ضُرِب عليها حجاب
سُرادق..
ثم عاد حبيب إلى قاليقلا ثم سار منها ونزل مِرْبَالا، فأتاه بِطْرِيق خِلَاط بكتاب
الصلح الذي كتبه له عِياض بن غَنْم بالأمان فأجراه عليه..
ثم سار فلقيه صاحب مُكْس وهي من البَسْفُرْجان فقَاطَعَه على بلاده، ثم سار إلى
أَزْدَشاط فحاصرها، ثم صَالَح أهلها، ثم أتى إليه بِطْرِيق البَسْفُرْجان فصالحه
على جميع بلاده..
ثم سار إلى تفليس ففتحها وسار سلمان بن ربيعة إلى أرّان ففتح البَيْلقان صُلحاً على
أن أَمّنهم على دمائهم وأموالهم وحيطان مدينتهم، واشترط عليهم الجزية على الرؤوس
والخَرَاج على الأرض، ثم أتى مدينة بَرْذعة فعسكر على الثّرثور- وهو نهر بينه
وبينها فرسخ-، فقاتَله أهلها أياماً ثم صالحوه..
وفتح رساتيق البلاد ودعا أكراد البلاشجان إلى الإسلام فأبَوا فقاتَلهم وظفر بهم
فأقرّ بعضهم على الجزية ودفع بعضهم الزكاة -وهم قليل-..
ثم
سار إلى شَمْكور ففتحها ثم خربت بعد ثم عمرت في زمن المتوكل على الله العباسي وسميت
المتوكلية ثم صالح جميع سكان البلاد التي هناك ورجع..