صفحة جديدة 1
خلافة عثمان
ترجمته
وهو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي القرشي وأمه
أروى بنت كُريز بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف..
وُلِد في السنة الخامسة من ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشبَّ على الأخلاق
الكريمة والسيرة الحسنة حيياً عفيفاً..
ولمّا بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم كان عثمان من السابقين إلى الإسلام على
يد الصديق رضي الله عنه..
وزوّجه عليه الصلاة والسلام بنته رقية فلمّا آذى المشركون المسلمين هاجر رضي الله
عنه مع زوجه إلى بلاد الحبشة، ثم رجع إلى مكة قبل الهجرة إلى المدينة، فلمّا أذن
الله بها هاجر إليها هو وزوجه..
وحضر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مشاهده ولكنه لم يحضر بدراً لشغله بتمريض
زوجه التي ماتت عقب انتصار المسلمين فيها وأسهم له رسول الله صلى الله عليه وسلم في
غنيمتها..
ثم زوّجه بنته الثانية أم كلثوم..
وكان ممَّنْ عفا الله عنهم في أُحد..
وكان في عُمرة الحديبية سفيراً بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش فلمّا
شاع غدْرهم بعثمان بايع النبي أصحابه بيعة الرضوان، وقال بيده اليمنى: «هذه يد
عثمان فضرب بها على يده فقال: هذه لعثمان».
وكان له في جيش العُسرة إلى تبوك اليد الطولى؛ فقد أنفق من ماله أكثر مما جاد به
غيره، واشترى بئر رومة بماله ثم تصدّق بها على المسلمين، فكان رِشاؤه فيها كرشاء
واحد منهم..
وقد قال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ حفر بئر رومة فله الجنة»..
ولما تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان للخليفتين من بعده عاملاً أميناً،
ولمّا أُصيب المسلمون بقتْل عمر كانت أغلبية الشورى له؛ فقام بأمر الخلافة خير
قيام..
إلا أنه في آخر مُدته تغيّر بعض المسلمين عمّا كانوا عليه في عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم والشيخين من بعده، ودبّت إليهم الدنيا وحُبّها- وهو رأس كل خطيئة-
فقام عليه جماعة من بُغاتهم فشتتوا شمْل المسلمين بشق عصا الطاعة، حتى تداعت أركان
الخلافة وقُتِل ظُلماً رضي الله عنه وقد جاوز الثمانين من عمره..
وكان رجلاً ليس بالطويل ولا بالقصير، حسن الوجه، رقيق البشرة، بوجهه أثر جُدري،
كبير اللحية عظيمها، أسمر اللون، أصلع عظيم الكراديس، عظيم ما بين المنكبين،
يُصَفِّر لحيته..
وله من الأولاد: عبد الله الأكبر، وعبد الله الأصغر، وعمرو، وخالد، وأبان، وعمر
ومريم، والوليد، وسعيد، وأم سعيد، وعبد الملك، وعائشة، وأم أبان، وأم عمرو، ومريم،
وعنبسة، وأم البنين..
أعماله في خلافته
في الكوفة
في بدء خلافته استعمل سعد بن أبي وقاص على الكوفة عملاً بوصية عمر، وكان معه عبد
الله بن مسعود على الخراج..
فأقام سعد في إمارة الكوفة سنة، ثم عزله عثمان لخلاف وقع بينه وبين عبد الله بن
مسعود؛
سببه:
أن سعداً اقترض من عبد الله مالاً فلمّا تقاضاه إياه لم يجد له سعد أداءً، فطلب منه
التأجيل، فلم يقبل.. وحصل بينهما في ذلك نزاع؛ فتعصب لهذا قوم ولذاك آخرون؛ وكان
هذا أول شقاق حصل بين أهل الكوفة..
فغضب لذلك أمير المؤمنين عثمان؛
وعزل سعداً، ووّلى مكانه الوليد بن عقبة بن أبي مُعَيْط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد
شمس وأمه أم عثمان..
وعزل عتبة بن فرقد عن أذربيجان- التي كانت تابعة لولاية الكوفة-؛ فانتقض أهلها،
فغزاهم الوليد، فأغار على أهل موقان والبير والطيلسان، ففتح وغنِم..
ثم طلب أهل كُوَر أذربيجان الصلح، فصالحهم على صُلح حذيفة- وهو ثمانمائة ألف
درهم-..
ثم سَيَّر سلمان بن ربيعة الباهلي إلى أهل أرمينية في اثني عشر ألفاً، فشتّت
شمْلهم، ورجع إلى الوليد بغنائمهم..
فرجع الوليد من طريق الموصل، فلمّا أتى الحديثة جاءه وهو بها كتاب من عثمان
يأمره أن يمد أهل الشام بجيش يقوده رجل ذو نجدة، فندب الناس مع سلمان بن ربيعة
الباهلي، فانتدب له ثمانية آلاف سَيَّرهم معه..
وأقام الوليد والياً على الكوفة خمس سنين، في نهايتها اتَّهَمه جماعة من أهل الكوفة
بأنه شرب الخمر وشهدوا بذلك عند عثمان، فعزله عن إمارتها وجَلَدَه حد الشارب أربعين
جَلْدة.. كما أفتى بذلك علي بن أبي طالب..
وولّى مكانه سعيد بن العاص، فلمّا وصل الكوفة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم
قال: (والله لقد بُعثت إليكم وإني لكاره، ولكني لم أجد بُداً إذا أُمِرْت أن أأتمر،
ألا وإن الفتنة قد اطلعت خطْمها وعينيها، ووالله لأضربنّ وجهها أو تُعْيِيَنِي،
وإني لرائد نفسي اليوم)..
ثم نزل وسأل عن أهل الكوفة فعرف حالهم..
وكتب إلى عثمان: إن أهل الكوفة قد اضطرب أمرهم وغُلِب على أهل الشرف والبيوتات
منهم، والغالب على تلك البلاد روادف قَدِمَت وأعراب لَحِقَت حتى لا يُنظَر إلى ذي
شرف أو بلاء من نابتتها ولا نازلتها..
فكتب إليه عثمان: (أما بعد.. ففَضِّلْ أهل السابقة والقِدَم
ومَنْ فتح الله عليه تلك البلاد، وليكن مَنْ نزلها مِن غيرهم تَبَعاً لهم، إلا أن
يكونوا تَثَاقَلوا عن الحق وتركوه وقام به هؤلاء، واحفظ لكلٍّ منزلته وأَعْطِهم
جميعاً بقسطهم من الحق فإن المعرفة بالناس يُصاب بها العدل)..