صفحة جديدة 1
الانسياح في بلاد العجم
ولما رأى عمر رضي الله عنه أن شوكة الفرس قد ضعُفت- فلم يعد يخاف على المسلمين من
انسياحهم في بلاد الفرس- صمم على اتباع مشورة الأحنف بن قيس، فأرسل إلى أبي موسى
الأشعري الذي قدّمنا أن عمر ولَّاه البصرة بعد المغيرة بن شعبة وأمره أن يسير منها
غير بعيد ويقيم حتى يأتيه أمره..
ثم بعث إليهم مع سهيل بن عدي بأَلْوية الأمراء الذين يسيحون في بلاد العجم:
1- لواء للأحنف بن قيس ووجهته (خراسان)..
2- ولواء لمجاشع بن مسعود السلمي ووجهته (أردشير خُرّه
وسابور).
3- ولواء لعثمان بن أبي العاص الثقفي ووجهته (اصطخر).
4- ولواء لسارية بن زنيم الكناني ووجهته (فَسَاودرابجرد).
5- ولواء لسُهيل بن عدي ووجهته (كرمان).
6- ولواء لعاصم بن عمرو ووجهته (سجستان).
7- ولواء للحكم بن عمير التغلبي ووجهته (مكران) وكان مبدأ الانسياح في مبدأ السنة
الثامنة عشرة.
فتْح أذربيجان
فسار بُكير بن عبد الله إلى أذربيجان (ولاية في الغرب من بحر الخَزَر وقاعدتها الآن
تبريز)، وكتب إلى نعيم بن مقرّن- فاتح الري- أن يُمِدّه بسِماك بن خَرشة..
فلما طلع بكير بجبال جرميذان قابَله المنهزمون من واج روذ وعليهم استفنديار أخو
رستم قتيل القادسية، فقاتَلوا بُكيراً ولكنهم انهزموا، وأُسِرَ استفنديار فقال
لبُكير: السِّلْم أحبُّ إليك أم الحرب؟
قال: بل السلم.
فقال: لا تقتلني وأمسكني معك، فإن أذربيجان لا يصالحونك ما لم أصالحك، فأمسكه
بُكير، وبعد قليل وصل إليه مَدَد نعيم..
فسار الجميع إلى أذربيجان، فصالح أهلها على الجزية وكتب بكير إلى عمر بذلك فأمره أن
يولي عتبة بن فرقد على أذربيجان، ويتقدم هو مَدداً لجيش الباب فكتب عتبة لأهل
أذربيجان كتاباً هذا نصه:
(بسم الله الرحمن الرحيم)
هذا ما أعطى عتبة بن فرقد عامل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أهل أذربيجان سهلها
وجيلها وحواشيها وشعابها وأهل مللها كافة على الأمان لأنفسهم على أنفسهم وأموالهم
ومللهم وشرائعهم على أن يؤدوا الجزية على قدر طاقتهم ليس على صبي ولا امرأة ولا
زَمِنٍ ليس في يديه شيء من الدنيا، ولا مُتعبِّد ولا مُتَخَلٍّ ليس في يديه من
الدنيا شيء، لهم ذلك ولمَنْ سكن معهم، وعليهم قِرَى المسلم من جنود المسلمين يوماً
وليلة ودلالته ومَنْ حُشِر منهم في سنة وُضِع عنه جزاء تلك السنة، ومَنْ أقام فله
مثل ما لمَنْ أقام من ذلك، ومَنْ خرج فله الأمان حتى يلجأ إلى حِرزه..
وكتب جُندب.
فتْح الباب
سار سُراقة بن عمر إلى الباب (ثغر بالخَزَر وهو الفاصل بين الفرس وأرمينية والروس)،
وعلى مُقَدِّمَته عبد الرحمن بن أبي ربيعة وقد سبقه بُكير إليها وانتظره..
فلما أطل عبد الرحمن بن أبي ربيعة أمير المقدمة على الباب، والملك بها يومئذ
شهريراز؛ كاتَبَ عبد الرحمن في الصلح فأجابه إليه..
فجاءه وقال: إني بإزاء عدو كَلَبٍ وأمم مختلفة ليست لهم أحساب، ولا ينبغي لذي الحسب
والعقل أن يُعينهم، ولستُ من القَبَجِ ولا الأرمن في شيء، وإنكم قد غلبتم على بلادي
وأُمّتي، فأنا فيكم ويدي في أيديكم وجِزْيتي إليكم والنصر لكم والقيام بما تحبون،
فلا تسوموننا الجزية فتُضْعِفونا بعدوكم..
فأرسله عبد الرحمن إلى سراقة، فكلّمه بمثل ما كلّم عبد الرحمن فقال له سراقة: لا بد
من الجزية على مَنْ أقام ولم يحارب العدو..، فأجابه إلى ذلك، وصدّق عليه عمر..
فكتب لهم سراقة كتاباً هذا نصه:
(بسم الله الرحمن الرحيم)
هذا ما أعطى سراقة بن عمرو-عامل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- شهريراز وسكان
أرمينية والأرمن من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ومِلّتهم أن لا يُضاروا
ولا يُنقَصوا، وعلى أهل أرمينية والأبواب- الطُّراء منهم والثُناء- ومَنْ حولهم
فدخل معهم أن ينفروا لكل غارة، وينفذوا لكل أمر ناب أو لم يَنُب رآه الوالي صلاحاً
على أن تُوضع الجزاء عمَّن أجاب إلى ذلك إلا الحشر، والحشر عِوَضٌ عن جزائهم، ومَنْ
استُغنِي عنه منه وقعد فعليه مثل ما على أهل أذربيجان من الجزاء والدلالة والنُّزُل
يوماً كاملاً، فإن حُشِروا وُضِع ذلك عنهم وإن تُرِكوا أُخِذوا به..
ذِكْر فتْح موقان
ولما فرغ سراقة من الباب سَيَّر السرايا إلى الجبال المحيطة بأرمينية؛
- فوجّه بُكير بن عبد الله إلى موقان (كورة بأرمينية).
- وحبيب ابن مَسلمة إلى تفليس (بلد في القوقاز من أملاك الروس الآن).
- وحذيفة بن أُسَيْد إلى جبال اللان (أمة وبلاد في طرف أرمينية).
- وسلمان بن ربيعة إلى الوِجهة الآخرة..
فافتتح بكير موقان وصالح أهلها وكتب لهم هذا الكتاب:
(بسم الله الرحمن الرحيم)
هذا ما أعطى بكير بن عبد الله أهل موقان من جبال الفتح الأمان على أموالهم وأنفسهم
ومِلّتهم وشرائعهم على الجزاء دينار عن كل حالِم أو قيمته، والنُّصح ودلالة المسلم
ونُزُله يومه وليلته، فلهم الأمان ما أوفروا (أَقَرّوا) (أو) ونصحوا،
وعلينا الوفاء والله المستعان، فإن تركوا ذلك واستبان منهم غش فلا أمان لهم إلا أن
يُسلموا الغششة برُمّتهم وإلا فهم متمالؤن..
كتب (سنة 21) إحدى وعشرين..
وكتب سُراقة إلى عمر ثم تُوفي سراقة رضي الله عنه..
واستخلف على جيشه عبد الرحمن بن أبي ربيعة، فأقرّه عمر وأَمَرَه أن يغزو
الترك، فخرج حتى قطع الباب فسأله شهريراز عن وِجهته؟
قال: أريد بلنجر (بلد بالخزر خلف باب الأبواب) والترك..
فقال: إنّا لنرضى منهم أن يدعونا من دون الباب..
فقال عبد الرحمن: لكنّا لا نرضى حتى نغزوهم بلادهم، وبالله إن معنا أقواماً لو يأذن
لهم أميرنا في الإمعان لبلغتُ بهم الردم..
فقال شهريراز: ومَنْ هم؟
قال: أقوام صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخلوا في هذا الأمر بنيّة ولا
يزال هذا الأمر فيهم حتى يُغيّرهم مَنْ يغلبهم وحتى يُلفَتوا عن حالهم..
فسار حتى بلغ بلنجر، فلما رآه أهلها قالوا: ما اجترأ علينا إلا ومعه الملائكة، ولم
يقفوا في وجهه، ولم يزل حتى أبلغ خيله البيضاء على مائتي فرسخ من بلنجر ورجع ولم
يُصَب أحد من جيشه، وأقام هناك والياً على جيش الباب.
فتْح خراسان
وسار الأحنف بن قيس إلى خراسان ليُلاقي يزدجرد ملك الفرس -الذي أقام بمرو، ويثير
الفرس على المسلمين-..
فلمّا بلغ هراة (بلد من إقليم خراسان وهي الآن من بلاد الأفغان) افتتحها، ثم سار
نحو مرو الشاهجان فخرج منها يزدجرد ولحق بمرو الروذ (كلاهما بين هراة وبلخ)..
وكتب إلى خاقان ملك الترك وإلى ملك الصغد وملك الصين يستمدهما، فَمَلَكَ الأحنف مرو
الشاهجان واستخلف عليها..
ثم سار نحو مرو الروذ وخرج منها يزدجرد ولحق ببلخ (بلد قريب من نهر جيحون وهي الآن
تحت حماية الروس) فمَلَكَ الأحنف مرو الروذ، وهنا أتته أمداد أهل الكوفة، فسَيّرهم
أمامه إلى بلخ، فساروا حتى التقوا بيزدجرد هناك، وقاتلوه فهزموه حتى عبر النهر، ولم
يُدرِك الأحنف ومَنْ معه الموقعة حيث أتى بعد الهزيمة، فرجع إلى مرو وأقام بها،
وأرسل إلى عمر بالفتح والأخماس، وأخبره بعبور يزدجرد النهر، فنهاه عمر عن العبور
خلفه..
أما يزدجرد فجاءته بعد عبوره أمداد الترك وعليهم خاقان وأمداد أهل فرغانة والصُّغد،
فعدَّى بهم النهر راجعاً، وترك الترك أمام الأحنف، وجيشه بمرو الروذ، وقصد يزدجرد
مرو الشاهجان فحصر حاميتها واستخرج منها خزائنه وأراد أن يرحل بها إلى فرغانة أو
الصين فيقيم بإحداهما، فلم يُمَكّنه من ذلك أهل خراسان قائلين: "ارجع بنا إلى هؤلاء
القوم فصالحهم فإنهم أوفياء وأهل دين، وإن عدواً يلينا في بلادنا أَحَبُّ إلينا من
عدو يلينا في بلاده ولا دين لهم ولا ندري ما وفاؤهم" فلم يقبل.. فأخذوا منه الخزائن
قهراً، فلحق بخاقان ملك الترك الذي لم يتمكن من الوقوف أمام المسلمين، وجاء
الخراسانيون إلى الأحنف فصالحوه ودفعوا إليه خزائن كسرى، وتراجعوا إلى بلدانهم
وأموالهم على أفضل ما كانوا عليه من زمن الأكاسرة، واغتبطوا بملك المسلمين؛ حيث أن
الرجل منهم لم يكن مكلفاً إلا بدفْع شيء قليل جزاء حمايته وبعد ذلك ماله وعِرضه
ودمه كمال المسلم وعِرضه ودمه محرم كحُرمة اليوم الحرام في الشهر الحرام في البلد
الحرام، وناهيك بمَنْ اعتبره المسلمون في ذمة الله فكيف يُخفَر..
وليس عليه بعد ذلك إلا النصيحة للمسلمين وعدم الممالأة عليهم فإن فعل شيئاً من ذلك
فقد غَدَر وليست له ذمة فدمه حلال وماله حلال، وهذا شيء يسير على الإنسان ما دامت
له الحرية في دينه وعمله، وهذا ما قرّره دين الإسلام.
وأصاب الفارس يوم يزدجرد كسهمه يوم القادسية..
ثم سار الأحنف إلى بلخ وأنزلها أهل الكوفة لأنها من فتوحهم، وكتب بكل ذلك إلى عمر
وأقام هو والي خراسان..
وتتمة حديث يزدجرد ستأتي في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
فتْح اصطخر
وسار عثمان بن أبي العاص الثقفي إلى اصطخر فالتقى هو وأهلها بِجور (هي مدينة فيروز
أباد قريبة من أصبهان يُنْسَب إليها الورد الجوري) فهزمهم، ثم رجع مَنْ فرّوا منهم
طالبين البقاء في بلادهم مع دفْع الجزية فأجابهم..
ثم فتح كازرون والنوبندجان (قاعدة كورة بفارس اسمها سابور) واشترك هو وأبو موسى
الأشعري في فتْح شيراز (قصبة بلاد فارس)، وأَرَّجان، وسينيز..
وقصد عثمان جنّابة (بلد بفارس تحاذي جزيرة خارك بالبحر الفارسي وتُقرَأ الآن كرك
وهو غلط مصدره الترجمة) ففتحها ولقي جمعْاً من الفرس بناحية شهرك فهزمهم ثم أقام
والياً باصطخر.
فتح فَسَا ودرابْجِرد
وسار سارية بن زنيم الكناني إلى مدينة فَسَا ودرابْجِرد، والتقى مع أهلها بصحراء
فاقتتلوا، ثم إن الفرس استمدوا مَنْ بِقُربهم من أكراد فارس فأمدّوهم، فدهى
المسلمين أمر عظيم..
وكان عمر رضي الله عنه قد رأى ليلة الواقعة فيما يرى النائم ما عليه المسلمون، فلما
أصبح نادى: بالصلاة جامعة، حتى إذا كانت الساعة التي رأى فيها ما رأى خرج إلى
المسلمين وكان سارية ومَنْ معه بصحراء إن أقاموا فيها هلكوا وإن استندوا إلى جبل
خلفهم لم يُؤتَوا إلا من وجه واحد..
فقام عمر فقال: يا أيها الناس! إني رأيت هذين الجمعين- وأخبر بحالهما- ثم صاح وهو
يخطب: يا سارية بن زُنيم! الجبل الجبل ثم أقبل على المسلمين وقال: إن لله جنوداً
ولعل بعضها أن تبلغهم..
فبِحَوْل الله وقوته سمع سارية هذا الصوت فانحاز بمَنْ معه إلى الجبل وقاتلوا العدو
حتى هزموهم..
فأرسل إلى عمر بالفتح والخُمُس ومعه سِفْط فيه جوهر، فلما رآه عمر لم يقبله وردّه
ليُباع ويُقَسَّم على الفاتحين..
وسأل مَنْ في المدينة رسول سارية: هل سمعتم شيئاً يوم الوقعة؟ قال: نعم، سمعنا: (يا
سارية! الجبل الجبل) فلجأنا إليه وقد كدنا نهلك.
وأقام سارية والياً على درابجرد.
فتْح كرمان
وسار سهيل بن عدي إلى كرمان «ولاية تلي إقليم فارس من الشرق وقصبتها كِرمان» وأمده
عمر بعبد الله بن عبد الله بن عتبان، فلما وصلاها وجدا بها جمْعاً عظيماً من الفرس،
فقاتلاهم حتى فضّ الله جمْعهم وقُتِل مرزبان كِرمان، فدخلها المسلمون ظافرين ووجدوا
فيها كثيراً من البعير والشاء.
فتْح سجستان
وسار عاصم بن عمرو إلى سجستان «ولاية شرقي كرمان أغلبها الآن في أيدي الأفغان
وقصبتها زَرَنْج)، فاستقبله أهلها بحرب انتهت بهزيمتهم، فتبعهم المسلمون حتى حصروهم
بزرنج، فطلبوا الصلح على زرنج وما احتازوه من الأرضين، واشترطوا أن فدافدها حمى
فأجيبوا وكان المسلمون يتجنبون هذه الفدافد خشية أن يصيبوا منها شيئاً فيكونوا قد
خفروا الذمة وهو أمر نُهوا عنه.
فتْح مُكران
وسار الحكم بن عمير التغلبي إلى مكران، ولَحِقَه سهيل بن عدي فاتح كرمان وعبد الله
بن عبد الله بن عتبان الذي كان مَدداً لسهيل، فساروا حتى انتهوا إلى دوين النهر
(على الحدود بين الفرس والسند) والمشركون من مُكران على شاطئه، وأمَدَّهم ملك السند
بجيش كثيف فقاتلهم المسلمون حتى هزموهم وأوصلوهم النهر ثم رجع المسلمون إلى مكران
وكتب الحكم بالفتح والخمس إلى عمر مع صحار العبدي فسأله عمر عن مكران؟؟
فقال: يا أمير المؤمنين! هي أرض سهلها جبل، وماؤها وَشَل، وثَمَرُها دَقَل، وعدوّها
بطل، وخيرها قليل، وشرها طويل، والكثير فيها قليل، والقليل فيها ضائع، وما وراءها
شر منها.
فقال عمر: أسجّاع أنت أم مُخبر؟؟ لا والله لا يغزوها جيش لي أبداً وكتب إلى الحَكَم
يأمره بالوقوف عند ما فتح وألا يجوز مكران.
هذا ما فعله المسلمون من الأفعال العظيمة مُدة عمر في البلاد الفارسية ذات الشوكة
والعظمة، ابتدءوا سنة اثنتي عشرة من الهجرة في فتْح أول بلد من بلادهم وهي
الأُبُلّة..
واستمروا على الفتوحات إلى أن مات عمر رضي الله عنه، تمموا فتْح بلاد تبتدئ من حدود
بلاد العرب غرباً، وتنتهي إلى ما وراء النهر وبلاد السند شرقاً، والخليج الفارسي
جنوباً، وبحر الخزر وأرمينية والروس شمالاً..
اجتمعوا مع الفرس في كثير من الوقائع أشهرها:
وقعة الأبلة لخالد بن الوليد، ووقعة القادسية لسعد بن أبي وقاص، ونهاوند للنعمان بن
مقرّن، ووقعة يزدجرد للأحنف بن قيس وكثير غيرها، لم تُنَكّس لهم راية، ولم يُفَلّ
لهم جيش، ولم يُرَ المسلمون في وقعة من الوقائع مساوين أقرانهم من الفرس في العُدة
والعدد بل كان الفرس في كل وقعة أضعافهم..
لم يكن العرب أعلم من الفرس بتعبية الجيوش ولا بإحكام معدات الدفاع، لم يكن
المسلمون أكثر من الفرس مالاً حتى يمكنهم أن يستميلوا به أعداءهم ليكونوا معهم بل
حالهم من الشظف وضيق العيش لا تخفى، لم يكن المسلمون أعلم من الفرس بطرق الدسائس
والخديعة حتى يستعملوها في حروبهم، فلِمَ إذاً هذه الانتصارات الباهرة والفتوحات
العظيمة؟!
اللهم ما ذلك إلا بالتأييد الإلهي اكتسبوه باتحادهم وائتلاف قلوبهم حتى صاروا
أجساماً متعددة لهم قلب واحد ورأي واحد وهو تعميم الدين الإسلامي بين الأمم الحائدة
عن الصراط السوي والمنهج القويم.
نظر- رعاك الله- إلى ما كان يُجيب به رسل سعد ملوك الفرس وقُوّاده تره جواباً
واحداً وهو: أن الله أرسلنا لنخرج العباد من ظلمات الجهالة وجور الملوك إلى نور
الإيمان وعدل الإسلام..
كلهم في ذلك سواء حتى الأعرابي الجافي الذي كان قبل الإسلام لا هَمّ له إلا النهب
والغارة، لم تكن خلفاؤهم بالجبناء الذين يخشون تهديداً أو يخافون وعيداً، ولم تكن
قوادهم بالدُّخلاء الذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، ولم تكن الأمة
بالمختلفة الأهواء المتشعبة المذاهب تشتغل بسفساف الأمور وتترك عظيمها أو تترك
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لخوف أو لجُبن، ولم تكن علماؤهم يشتغلون بالزهو
والكبرياء والعجب والتفاني في حب الدنيا وتقليد المناصب والمفاخرة بذلك حتى تدب
بينهم العداوة والبغضاء، ولم يكن الدين قد بليت جِدَّته بل كانت مظاهره تتجلى على
أقوالهم وأعمالهم لا يخشون في الله لومة لائم، فلا عَجَب إن انتصروا وفتحوا وملكوا
في زمن يسير ما لا يتصور أن تعمله أمة عظيمة عندها بسطة في القوة والمال والعلم،
اللهم ألهم المسلمين وولاة أمورهم ما فيه السداد فإن الطريق واضح والحق بيّن فإذا
انتبهت البصائر رشدت إلى ما فيه خيري الدنيا والآخرة، وحسبنا الله ونِعْم الوكيل
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.