صفحة جديدة 1
خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ترجمته
هو عمر بن الخطاب بن نُفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي
بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر العدوي القرشي، يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في كعب بن لؤي، وكنيته: أبو حفص، ولقبه: الفاروق، وأمه: حنتمة بنت هشام بن
المغيرة المخزومية بنت عم خالد بن الوليد.
وُلد رضي الله عنه في السنة الثالثة عشرة من ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتربى على الشهامة والنجدة والحمية الجاهلية.
ولما جاء الإسلام كان من أكبر المعارضين له فلما هاجر المسلمون فلما هاجر المسلمون
إلى أرض الحبشة- خوفَ الفتنة- مَنَّ الله عليه بالإسلام ببركة دعوة رسول الله صلى
الله عليه وسلم «اللهم أعز الإسلام بِعُمر» فأتى دار الأرقم ابن أبي الأرقم عبد
مناف بن أبي جندب أسد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم التي كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم مستخفياً فيها ودان بالإسلام، وأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم
بترك الاختفاء وإظهار الدين..
فخرج عليه الصلاة والسلام ومعه المسلمون صفين يقدم أحدهما عمر بن الخطاب ويقدم
الآخر حمزة بن عبد المطلب ولا تسل عما نال مشركي قريش من الكآبة إذ ذاك حتى تعصبوا
على عمر وأرادوا قتله فحماه العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سهم والد عمرو بن
العاص وصار بعد ذلك عمر ينصر هذا الدين بما آتاه الله من قوة البطش حتى قال عبد
الله بن مسعود: «مازلنا
أعزة منذ أسلم عمر»
رواه البخاري..
فلما أذِن الله بالهجرة إلى المدينة كان المسلمون يتسللون إلى الهجرة خفية إلا عمر
رضي الله عنه، فإنه لما عزم عليها جاء قريشاً في ناديهم وأخبرهم بعزمه وقال: مَنْ
أراد أن تثكله (تفقده) أمه فليلقني وراء هذا الوادي فلم يجسر أحد على اتباعه وحضر
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاهده كلها من بدر إلى تبوك..
وزوّجه ابنته أم المؤمنين حفصة بعد أن تُوفي عنها زوجها خنيس بن حذافة بن قيس بن
عدي بن سهم من جراحة أصابته بأُحد.
ومن مآثره قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينا
أنا نائم شربت- يعني اللبن- حتى أنظر إلى الري يجري في ظفري أو أظفاري- ثم ناولتُه
عمر قالوا: فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: العلم»..
وقوله عليه الصلاة والسلام: «رأيتُ
في المنام كأني أنزِع بدلو بكرة على قليب (بئر) فجاء أبو بكر فنزع ذنوباً (دلوا) أو
ذنوبين نزعاً ضعيفاً والله يغفر له ثم جاء عمر فاستحالت غرباً (دلوا عظيمة) فلم أر
عبقرياً (سيدا) يفري فريه (يأتي بالعجب في عمله مثله) حتى روى الناس بعطن»
(أي أناخوا حول الماء بعد السقي) وفي هذا الحديث إشارة إلى مدة خلافة الشيخين أبي
بكر وعمر رضي الله عنهما..
وقال عليه الصلاة والسلام مخاطباً لعمر رضي الله عنه: «والذي
نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك غير فجك»..
وقال عليه الصلاة والسلام: «لقد
كان فيما قبلكم مُحَدَّثُون (مُلْهَمون) فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر»..
وقال عليه الصلاة والسلام: «بينا
أنا نائم رأيتُ الناس عُرِضوا عليّ وعليهم قُمُص فمنهما ما يبلغ الثدي ومنها ما
يبلغ دون ذلك، وعُرِض عليّ عمر وعليه قميص اجترّه، قالوا: فما أوّلتَه يا رسول
الله؟ قال الدين»..
وكان عمر كثيراً ما يشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأشياء ينزل بها القرآن؛
كمسألة أسرى بدر، ومسألة الحجاب..
ولما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم جزع عمر جزعاً شديداً على صلابته وشدته حتى
قال: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالت أم المؤمنين عائشة:
(قال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثَنَّه الله فليقطعن أيدي رجال
وأرجلهم)، فلما جاء الصديق وذَكَّرهم خشع ورجع إلى الصواب، وكأن الله سبحانه وتعالى
أراد ألا يكون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء ليس فيه فائدة فلقد خوَّف
عمر الناس وإن فيهم لنفاقاً فردَّهم الله بذلك، ثم لقد بصَّر أبو بكر الناس الهدى
وعرَّفهم الحق الذي عليهم.. هكذا قالت أم المؤمنين من رواية البخاري..
وكان لعمر فضل عظيم يوم السقيفة حيث سارع إلى بيعة الصديق قبل أن تحدث فُرقة، ولما
وَلِي الصديق كان له عمر أعظم مشير حتى أن أبا بكر لم ير غيره أهلاً للخلافة بعده
فعهِد له بها ونِعِمّا فعل....
وكان رضي الله عنه طويلاً، أصلع، أعسر أيسر يعمل بيديه كلتيهما، وكان لطوله كأنه
راكب، شديد البياض تعلوه حُمرة، وكان أشيب يُصَفِّر لحيته ويُرَجِّل رأسه..
وكان له من الأولاد: عبد الله، وعبد الرحمن الأكبر، وأم المؤمنين حفصة، وعُبيد الله
وقُتِل بصفين مع معاوية، ومن وِلْده: فاطمة، وعاصم، ورقية، وزيد، وعبد الرحمن
الأوسط.. رحمهم الله ورضي عنهم.
وكان عمر رضي الله عنه يُلقَّب بالفاروق..
بويع بالخلافة صبيحة وفاة أبي بكر رضي الله عنه، ولما بويع صعد المنبر وقال: إنما
مثل العرب مثل جَمَل أُنُف اتبع قائده فلينظر قائده أين يقوده، أما أنا فورب الكعبة
لأحملنهم على الطريق.
أمر العراق في عهد عمر
تُوفي الصديق رضي الله عنه والمثنى بن حارثة أمير جيش العراق مُقيم بالمدينة يطلب
المدد، فلما وَلِي عمر ندب الناس مع المثنى فكان أول مُنتدب لذلك أبو عبيد بن مسعود
الثقفي، وسعد بن عبيد الأنصاري، وسَليط بن قيس؛ فأَمَّر عليهم أسبقهم انتداباً أبا
عبيد بن مسعود، وقال له: (اسمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأَشْركهم في
الأمر، ولا تجتهد مُسرعاً بل اتئد فإنها الحرب لا يصلحها إلا الرجل المكيث الذي
يعرف الفرصة ولا يمنعني أن أُؤمِّر سَليطاً إلا سرعته إلى الحرب، والسرعة إلى الحرب
إلا عن بيان ضياع، والله لولا سرعته لأمَّرته)..
ثم قال: (إنك تقدم على أرض المكر والخديعة والخيانة والجبرية، تقدم على قوم تجرّؤا
على الشر فعلموه، وتناسوا الخير فجهلوه، فانظر أين تكون، واحرِز لسانك ولا تُفشين
سرك؛ فإن صاحب السر ما يضبطه متحصن لا يُؤتى من وجه يكره، وإذا لم يضبطه كان
بمضيعة)...
ثم أَمَر المثنى أن يتقدم إلى أن يلحقه الجيش، وأَمَرَه أن يستنفر مَنْ حسُنَت
توبته من المرتدين، فسار مسرعاً حتى وصل الحيرة في عشرٍ..
وكان الفرس قد شُغِلوا عن المسلمين باختلافاتهم الداخلية على مَنْ يلي مُلكهم، ثم
اتفقوا أخيراً على ولاية بوران بنت كسرى وأن يقوم بأمرها رستم حتى يجدوا رجلاً من
بيت كسرى يصلح للمُلك، فاستعد رستم لقتال المسلمين وجهّز لذلك الجيوش، فأرسل جيشاً
إلى فرات بادقلى وقائده جابان، وجيشاً آخر إلى كسكر (بلد على الشاطئ الغربي لدجلة
بين بغداد والبصرة على آثارها الآن مدينة واسط) وقائده: نرسي، وجيشاً آخر لمصادمة
المثنى..
وأرسل إلى الفلاحين أن ينتقضوا (ينتفضوا) على المسلمين ففعلوا، ولما بلغت هذه
الأخبار المثنى خرج من الحيرة حتى نزل خفّان (مأسدة قرب الكوفة)، وانتظر أبا عبيد
حتى وصل بعد شهر من مَقْدِم المثنى، وكان قد اجتمع من الفرس جمع عظيم وعسكروا
بالنمارق (بلد شمالي واسط)..