HTML Editor - Full Version
اَلتَّأْوِيلُ
اَلتَّأْوِيلُ فِي اَلْقُرْآنِ نَفْسُ وُقُوعِ اَلْمُخْبَرِ بِهِ، وَعِنْدَ اَلسَّلَفِ: تَفْسِيرُ اَلْكَلَامِ، وَبَيَانُ مَعْنَاهُ.
وَعِنْدَ اَلْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ اَلْمُتَكَلِّمَةِ، وَالْمُتَفَقِّهَةِ، وَنَحْوِهِمْ، هُوَ: صَرْفُ اَللَّفْظِ عَنْ اَلْمَعْنَى اَلرَّاجِحِ إِلَى اَلْمَعْنَى اَلْمَرْجُوحِ لِدَلِيلٍ يَقْتَرِنُ بِهِ؛ أَوْ حَمْلُ ظَاهِرٍ عَلَى مُحْتَمَلٍ مَرْجُوحٍ.
وَمَا تَأَوَّلَهُ اَلْقَرَامِطَةُ وَالْبَاطِنِيَّةُ لِلْأَخْبَارِ وَالْأَوَامِرِ، وَالْفَلَاسِفَةُ لِلْإِخْبَارِ عَنْ اَللَّهِ وَالْيَوْمِ اَلْآخِرِ، وَالْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَغَيْرُهُمْ فِي بَعْضِ مَا جَاءَ فِي اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَفِي آيَاتِ اَلْقَدَرِ وَآيَاتِ اَلصِّفَاتِ هُوَ مِنْ تَحْرِيفِ اَلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ.
قَالَ اَلشَّيْخُ: وَطَوَائِفُ مِنْ اَلسَّلَفِ أَخْطَئُوا فِي مَعْنَى اَلتَّأْوِيلِ اَلْمَنْفِيِّ، وَفِي اَلَّذِي أَثْبَتُوهُ.
وَالتَّأْوِيلُ اَلْمَرْدُودُ هُوَ: صَرْفُ اَلْكَلِمِ عَنْ ظَاهِرِهِ إِلَى مَا يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ.
قَالَ: وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ اَلسَّلَفِ: (ظَاهِرُ هَذَا غَيْرُ مُرَادٍ)، وَلَا قَالَ: (هَذِهِ اَلْآيَةُ أَوْ هَذَا اَلْحَدِيثُ مَصْرُوفٌ عَنْ ظَاهِرِهِ) مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ فِي آيَاتِ اَلْأَحْكَامِ اَلْمَصْرُوفَةِ عَنْ عُمُومِهَا وَظَوَاهِرِهَا، وَتَكَلَّمُوا فِيمَا يُسْتَشْكَلُ مِمَّا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ.
نَفْيُ اَلْمَجَازِ
صَرَّحَ بِنَفْيهِ اَلْمُحَقِّقُونَ، وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ اَلْأَئِمَّةِ اَلْقَوْلُ بِهِ، وَإِنَّمَا حَدَثَ تَقْسِيمُ اَلْكَلَامِ إِلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ بَعْدَ اَلْقُرُونِ اَلْمُفَضَّلَةِ، فَتَذَرَّعَ بِهِ اَلْمُعْتَزِلَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ إِلَى اَلْإِلْحَادِ فِي اَلصِّفَاتِ.
قَالَ اَلشَّيْخُ: وَلَمْ يَتَكَلَّمْ اَلرَّبُّ بِهِ، وَلَا رَسُولُهُ، وَلَا أَصْحَابُهُ، وَلَا اَلتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ؛ وَمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ مِنْ أَهْلِ اَللُّغَةِ يَقُولُ فِي بَعْضِ اَلْآيَاتِ: هَذَا مِنْ مَجَازِ اَللُّغَةِ: وَمُرَادُهُ: أَنَّ هَذَا مِمَّا يَجُوزُ فِي اَللُّغَةِ؛ لَمْ يُرِدْ هَذَا اَلتَّقْسِيمَ اَلْحَادِثَ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالُوا: إِنَّ اَلْمَجَازَ يَصِحُّ نَفْيُهُ فَكَيْفَ يَصِحُّ حَمْلُ اَلْآيَاتِ اَلْقُرْآنِيَّةِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ؛ وَلَا يَهُولَنَّك إِطْبَاقُ اَلْمُتَأَخِّرِينَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَطْبَقُوا عَلَى مَا هُوَ شَرٌّ مِنْهُ.
وَذَكَرَ اِبْنُ اَلْقَيِّمِ خَمْسِينَ وَجْهًا فِي بُطْلَانِ اَلْقَوْلِ بِالْمَجَازِ؛ وَكَلَامُ اَللَّهِ، وَكَلَامُ رَسُولِهِ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ.
اَلْإِعْجَازُ
اَلْمُعْجِزَةُ: أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ، مَقْرُونٌ بِالتَّحَدِّي، سَالِمٌ عَنْ اَلْمُعَارَضَةِ، وَالْقُرْآنُ مُعْجِزٌ أَبَدًا.
أَعْجَزَ اَلْفُصَحَاءَ مَعَ حِرْصِهِمْ عَلَى مُعَارَضَتِهِ، وَقَدْ تَحَدَّاهُمْ تَعَالَى عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ أَوْ عَشْرِ سُوَرٍ، أَوْ سُورَةٍ.
وَذَكَرَ اَلْعُلَمَاءُ وُجُوهًا مِنْ إِعْجَازِهِ؛ مِنْهَا: أُسْلُوبُهُ، وَبَلَاغَتُهُ، وَبَيَانُهُ، وَفَصَاحَتُهُ، وَحُسْنُ تَأْلِيفِهِ، وَإِخْبَارُهُ عَنْ اَلْمُغَيِّبَاتِ، وَالرَّوْعَةُ فِي قُلُوبِ اَلسَّامِعِينَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ.
حَتَّى قَالَ اَلْوَلِيدُ: إِنَّ لِقَوْلِهِ لَحَلَاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً؛ وَمَنْ تَأَمَّلَ حُسْنَهُ وَبَدِيعَهُ وَبَيَانَهُ وَوُجُوهَ مُخَاطَبَاتِهِ عَلِمَ أَنَّهُ مُعْجِزٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ.