صفحة جديدة 10
والحوْضُ الذِي أكرَمَهُ الله تعالَى به –غِيَاثاً لأُمَّتِهِ- حَقٌّ.
والشفَاعَةُ التي ادَّخَرَهَا لَهُم حَقُّ، كما رُويَ في الأخْبارِ.
والميثاقُ الذي أخَذَهُ الله تعالَى مِنْ آدمَ وذُريَّتهِ حَقٌّ.
وقَدْ عَلِم الله تعالَى فيما لم يزلْ عَدَدَ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ،
وعَدَدَ مَنْ يَدْخُلُ النارَ جُمْلَةً وَاحِدَةً، فَلا يزْدَادُ في ذلك العَدَدُ،
ولا يَنقُصُ مِنْهُ.
وَكَذَلك أَفْعالُهم فيمَا عَلِمَ مِنْهُم أَنْ يفْعلُوه، وكُلٌّ
مُيَسرٌ لما خُلِقَ لَه، والأعْمَالُ بالخواتيمِ، والسَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ بقضَاءِ
الله، والشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ بِقَضَاءِ الله.
وأصلُ القَدَرِ سِرُّ الله تعالى في خَلْقهِ، لمْ يَطَّلعْ عَلى ذَلِك
مَلَكٌ مُقرَّبٌ ولا نَبيٌّ مُرْسَلٌ، والتَّعمُّقُ والنَّظَرُ في ذلكَ ذَرِيعَةُ
الخِذْلاَنِ، وَسُلَّمُ الحِرْمَانِ، ودَرَجَةُ الطُّغْيَانِ، فالحذَرَ كُلَّ
الحذَرَ مِنْ ذَلِكَ نَظَراً وفِكْراً وَوَسْوَسَةً، فإن الله تعالى طَوَى عِلْمَ
القَدَر عَنْ أنَامِهِ، ونَهَاهُم عَنْ مرامِهِ، كما قال تعالى في كتابه:
﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾[الأنبياء:23]، فَمَنْ سَأَلَ: لِمَ فَعَلَ؟ فَقَدْ رَدَّ حُكْمَ
الكِتَابِ؛ وَمَنْ رَدَّ حُكْمَ الكِتَاب كانَ مِنَ الكافِرين.
فَهَذَا جُمْلَةُ ما يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ
هُو مُنَوَّرٌ قَلْبُهُ مِنْ أَوْلياءِ الله تعالى، وهي دَرَجَة الرَّاسِخِينَ في
العِلْمِ؛ لأنَّ العِلْمَ علمَان: عِلْم في الخَلْق مَوْجُودٌ، وَعِلْم في الخَلْقِ
مَفْقُودٌ، فإنكارُ العِلْمِ الموْجُودِ كُفْرٌ، وادَّعَاءُ العِلمِ المفقودِ
كُفْرٌ، ولا يَثْبُتُ الإيمانُ إلا بقَبُولِ العِلمِ الموجودِ، وترْكِ طَلَبِ
العِلْمِ المفْقُودِ.