صفحة جديدة 8
وأَنَّ القرآنَ كَلامُ الله، منْهُ بَدَأ بلاَ كَيْفِيَّة قَوْلاً،
وأنْزله على رَسُولِهِ وَحْياً، وَصَدَّقهُ المؤمنون على ذلك حَقًّا، وأَيْقَنُوا
أنه كلامُ الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوقٍ ككلام البَرِيَّةِ، فمن سمِعَهُ
فَزَعَمَ أَنَّهُ كلامُ البشرِ، فَقَدْ كَفَرَ، وقد ذمَّهُ الله وعابَهُ وأوعَدهُ
بسَقَر، حيث قال تعالى:
﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾[المدثر:26]، فَلَمَّا أَوْعَدَ اللهُ بِسَقَرٍ لمنْ قال
﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾[المدثر:25]، عَلِمْنَا وأَيْقَنَّا أنه قولُ خالقِ البَشرِ، ولا
يُشْبِهُ قولَ البشر.
وَمَنْ وَصَفَ الله بِمعنَى مِنْ مَعاني البشر، فقدْ كَفَر، فمن
أبْصَرَ هذا اعْتَبر، وعَنْ مِثْلِ قول الكفَّارِ انْزَجَر، وعَلِمَ أنَّه بصفاته
ليسَ كالبشر.
والرؤْيةُ حقٌّ لأهلِ الجَنَّةِ، بِغَيْرِ إحَاطَةٍ ولا كَيْفيَّةٍ،
كما نَطق به كتابُ ربّنا
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
نَاضِرَةٌ(22)إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾[القيامة:22-23]،
وتَفْسيرُهُ عَلى ما أرادَهُ الله تَعالَى وَعَلِمَهُ.
وكلُّ ما جاءَ في ذَلك مِنَ الحديث الصَّحيح عَن الرسولِ صلى الله عليه
وسلم فهو كما قال، وَمَعناهُ على ما أراد، لا نَدْخلُ في ذلك مُتَأَوِّلين
بِآرَائنا، ولا مُتَوَهِّمِينَ بأهْوَائنَا، فإنَّهُ مَا سَلِم في دينه إلاَّ مَنْ
سَلَّمَ لله عَزَّ وَجَلَّ ولرسُولِه صلى الله عليه وسلم، وردَّ علْمَ ما اشْتَبَهَ
عَلَيْهِ إلى عَالِمِهِ.
ولا تَثْبتُ قَدَمُ الإسلام إلاَّ على ظَهْرِ التَّسْليم
والاسْتِسْلاَمِ. فَمَنْ رَامَ عِلْمَ مَا حُظِرَ عَنْهُ عِلْمُه، ولم يَقنعْ
بالتَّسلِيم فَهْمُهُ، حَجَبَه مَرامُهُ عَنْ خَالِصِ التَّوْحِيد، وصَافي
المعرِفةِ، وصَحيح الإيمانِ؛ فيَتَذَبْذَبُ بينَ الكُفرِ والإيمانِ، والتَّصْدِيقِ
والتَّكْذِيبِ، والإقْرارِ والإنكارِ، مُوَسْوَسًا تَائِهًا، شَاكًّا، زائِغًا، لا
مُؤْمِنًا مُصَدِّقًا، ولا جَاحداً مُكَذِّباً.
وَلا يَصحُّ الإيمانُ بالرُّؤْية لأهْل دارِ
السَّلامِ لِمن اعْتَبَرَهَا مِنْهُم بِوَهْمٍ أوْ تأوَّلَها بِفَهْمٍ إذْ كانَ
تأويلُ الرؤْية وتأويلُ كل مَعْنَى يُضَاف إلى الرُّبُوبيَّة بِتَرْكِ التَّأْويلِ
ولُزوم التَّسْليمِ. وعليه دينُ المسْلِمين.